هي قرية يعود بناؤها إلى منتصف القرن التاسع عشر، هناك عدة روايات حول تسميتها "تل سنان"، فالرواية الأولى تقول: /سبب التسمية نسبةً إلى القائد العثماني "سنان باشا" الذي أقام فيها لفترة وتدرع بالتل الموجود فيها وهو في طريقه إلى اليمن أثناء الحرب العالمية الأولى أو ما يعرف بـ"السفر برلك"/.

في حين تعيد الرواية الثانية سبب التسمية إلى أسطورة تقول إن /أميراً عربياً اسمه "سنان" عشق فتاة اسمها "عدا" وتواعدا على الزواج فور الانتهاء من حملته في الغزو، وشاءت الأقدار عند عودته ووصوله إلى مكان القرية الحالي أن نُقل له خبر وفاة محبوبته "عدا" فعسكر فوق التل ومن هول المصيبة توفي ودفن فوق التل وسمي ذاك التل باسمه "تل سنان"/ أما التسمية الشركسية لهذه القرية فهي: /"نشرزي" نسبةً إلى القرية الأم التي هاجر منها أهل القرية قادمين من "القفقاس"/.

يوجد بعض الآثار الرومانية التي لم تستكشف حتى الآن ولعل وجود هذه الآثار والمقابر الرومانية يدل على أن الإنسان قد سكنها منذ القدم

موقع eSyria يلقي الضوء على تاريخ وحاضر هذه القرية، فكان أن التقينا الأستاذ "غسان جك" المدرس، والرياضي ليضعنا عند أكثر التفاصيل في هذه القرية التي تقع إلى الشرق من مدينة حماة بـ/52 كيلو متراً/ وإلى الشمال الشرقي من "سلمية" بـ/17 كيلومتراً/.

سيدة وبيت شركسي من "تل سنان"

الحدود الجغرافية لهذه القرية كما يفصّلها الأستاذ "غسان": «يحدها شمالاً قريتي "الدوسة" و"سمنة" ويحدها جنوباً قريتي "ديل العجل" و"عقارب" ويحدها شرقاً قرية "جدوعة"، وغرباً قرية "تلعدا" التي سميت نسبة لـلبدوية الجميلة "عدا" التي مات حزناً عليها الأمير العربي "سنان". وتتبع إدارياً لمنطقة "سلمية"، وتشتهر هذه القرية بجمال طبيعتها الصحراوية... ونقاء هوائها من التلوث».

ولكونها سكنت منذ القدم لوحظ وجود ما يدل على بعض الآثار التي لم يتم الكشف عنها، وفي هذا الصدد يقول: «يوجد بعض الآثار الرومانية التي لم تستكشف حتى الآن ولعل وجود هذه الآثار والمقابر الرومانية يدل على أن الإنسان قد سكنها منذ القدم».

"غسان جك" وأغنية حب اسمها "تل سنان"

ثم يتحدث عن "تل سنان" القرية الحديثة، فيقول: «أما في العصر الحديث فتعد قرية "تل سنان" من أقدم القرى في منطقة "سلمية"، حيث قال لي كبار السن إن مدينة "سلمية" عندما كانت مؤلفة من قبتين لآل "تامر" كانت قرية "تل سنان" عامرة ومزدهرة وأعتقد أنها استوطنت ما بين عامي 1858 م– 1860 م».

ويتحدث عن الجغرافية الطبيعية والغطاء النباتي والثروة الحيوانية في القرية فيقول: «تقع القرية في بيئة داخلية تتألف معظم أراضيها من السهول الزراعية وهي ذات مناخ بارد شتاءً وحار صيفاً مع اعتدال في فصل الربيع. وتتميز القرية من الناحية العمرانية باختلاط البناء القديم مع الحديث وبالأسطح القرميدية الجميلة. أما الغطاء النباتي فهو يتألف من الأعشاب والنباتات البرية مثل: "الزعتر البري- الشيح- الحرمل البري" وعدد من الزهور مثل "الأقحوان" و"شقائق النعمان"، و"الشوك البري"، و"العيصلان". أما الحيوانات المدجّنة فهي: "الغنم"، "الماعز"،"الأبقار"، "الدجاج"، "الطيور". والحيوانات البرية كثيرة منها: "الأرانب"، "الثعالب"، "الذئاب"، و"الغريري"، و"السحالي"، ومن الزواحف "الأفاعي" ومن الحشرات "العقارب"».

نموذج واجهات البيوت في "تل سنان"

الحياة الاقتصادية في قرية "تل سنان" يعتمد في عمومه على الزراعة وتربية الماشية والعمل في وظائف الدولة. ويتابع قائلاً: «90% من الزراعة بعلية و10% مروية من الآبار الجوفية. وأهم المحاصيل الزراعية: "الشعير"، "القمح"، "الكمون"، "الذرة"، "البصل". فمعدل الهطولات المطرية السنوي: 304 ملم ويحصل السكان على مياه الشرب من الآبار الجوفية ومن البئر المحفور من قبل الدولة».

المكون البشري لقرية "تل سنان" وكما يقول الأستاذ "غسان جك": «معظم سكان القرية ومزارعيها من "الشركس" بالإضافة إلى بعض العائلات من الحضر والبدو، ويقدر عدد سكان القرية بـألف نسمة منهم 400 نسمة من "الشركس" والباقي من العائلات الحضرية والبدوية. من الملاحظ أن عدد الشركس في القرية قليل لأن معظم أهالي القرية استوطنوا في المدن الكبيرة مثل "دمشق"، و"حماة"، و"حمص"، و"الرقة" وذلك طلباً للرزق ولطبيعة وظائفهم في الدولة التي تستوجب التواجد في أماكن عملهم».

وحول توافد الشركس إلى هذه القرية يقول: «جاء الشركس إلى قرية "تل سنان" على دفعتين الأولى كانت من قبيلة "البجدوغ" الشركسية، والدفعة الثانية كانت من قبيلة "الأبزاخ" وقد جاؤوا جميعاً من "الأناضول" في تركيا حالياً، والعائلات الرئيسية الموجودة في هذه القرية تنتمي إلى إحدى هاتين القبيلتين آنفتي الذكر مع ملاحظة أن بعض هذه العائلات اندثرت لكون الشخص الذي يحمل اسم العائلة لم يترك أعقاباً خلفه».

ويعتبر مسجد القرية من أقدم مساجد المنطقة حيث تم بناؤه من قبل "السلطان عبد الحميد خان" عام 1883 م 1203 هـ وتمت توسعته من قبل أهل الخير مؤخراً.

ثم التقينا السيد "محمد مسعود" من سكان قرية "تل سنان" وصاحب فكرة وتنفيذ أول قاموس شركسي- عربي، عربي- شركسي حاسوبي في العالم بالتعاون البرمجي مع الأستاذ "سامر باطر" من قرية "ديل العجل". فحدثنا عن الحياة الاجتماعية في القرية فقال: «العلاقات التي تربط الأهالي مبنية على الحب والاحترام والصدق المتبادل بين الجميع وأكثر ما تتجلى هذه العلاقات الاجتماعية في الأفراح والأتراح والمناسبات اليومية والسنوية. أما عادات أهل القرية فهي مستمدة من عادات الشركس "أديغة حابزة". وفي الحقيقة يشهد الجميع أن الشركس في قرية "تل سنان" متمسكين بعاداتهم /حبتين زيادة/ كما يقول المثل العامي».

أما الحياة الثقافية والعلمية والفنية والرياضية فيتحدث عنها فيقول: «أهم ما يميز قرية "تل سنان" عن باقي قرى منطقة "سلمية" أنها تفتخر بأنها القرية الوحيدة التي لا يوجد فيها أمية مطلقاً، وتتميز مدرستها الابتدائية بأنها من أقدم المدارس في منطقة "سلمية" حيث درّست فيها كافة العلوم والمعارف منذ عام 1910 م».

ويذكر لنا أسماء ولدت وانطلقت من هذه القرية ليكون لها شأن مميز في المجالات الاجتماعية والثقافية والعلمية والفنية والرياضية وذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر: «"بلناو هارون": الذي وضع أول أبجدية للغة الشركسية بالأحرف اللاتينية في المهجر الشركسي. "عبد القادر بسموق": مدير مالية سابق. الدكتور "إحسان صالح": من أهم الناشطين في العمل القومي على مستوى العالم وعضو الجمعية الشركسية العالمية في ألمانيا. الدكتور "إبراهيم عثمان": مدير هيئة الطاقة الذرية في سورية. الدكتور "هاشم عثمان": دكتور في كلية الكهرباء "جامعة دمشق". الدكتور "ماجد عثمان": جراح قلب مدير "مركز الباسل لجراحة القلب" في سورية، المهندس الزراعي "عبدو هارون". المهندس "زاهر بسموق": رئيس الجمعية الشركسية في مدينة حمص لعدة دورات سابقة. الدكتور "معتصم غوتوق": رئيس لجنة تسيير الاتحاد الرياضي العام في سورية، الأستاذ "عبد العزيز شعيب": رئيس الجمعية الشركسية الأم في "دمشق" لعدة دورات سابقاً. المربي الأستاذ "فاروق مسعود". السيد "نور الدين صالح": موسوعة تراثية شركسية. "سيف الدين مت": مختار القرية التاريخي السابق. المربي الأستاذ "غسان جك": ناشط في المجال القومي عزفاً وغناءً وتأليفاً وتلحيناً ورقصاً. "ثروت مسعود": رجل دين: إمام وخطيب "جامع الأنوار المحمدية" في "دمشق" ركن الدين ومدرس في أكثر من معهد شرعي في مدينة دمشق».

ويضيف: «أما في المجال الرياضي فيقود الحركة الرياضية مجموعة من الشباب الرياضي المتحمس حيث يوجد في القرية فريق كرة قدم يشارك في جميع المناسبات الرياضية على مستوى المنطقة وفي البطولات التي تقيمها الجمعية الشركسية في "حمص" كما أن بعض شباب القرية يمارسون الألعاب القتالية وفي القرية مدربان كبيران للعبتي "الكاراتية" و"التايكواندو" هما الأستاذ "غسان جك" والأستاذ "إبراهيم وست- بلناو"».

ولمعرفة المزيد عن أسماء العائلات الشركسية التي تسكن قرية "تل سنان" يعددها الأستاذ "محمد مسعود"، وكما تلفظ باللغتين العربية والشركسية: «ورقجي /ورقوزق/ - بلناو - حتوق - مرت - بسموق - غوتوق - وجوخ - بسطاش - خوطيج - نه أتج - حاتشسوك - أبده - تسي - لاشكر- نغه بلج - لببتسرق - بلنغابتس - تشتاو - قارت - ملغوش - حاتجه زيف - أصلان تشري - طاخوقخر - تاوبتجير - تشتخو نقو - شابسوغ - تحه لأ».

يبقى أن نقول إن هذه القرية ما زالت تحتفظ بذكرى المحبين، وإن غاب عنها المير العربي "سنان" إلا أن اسمه ما زال حاضراً، وإن قطعت المسافة باتجاه الغرب لا بد أن تمر بتلٍ يحوي في جنباته التي أحبها، بلا شك إنها "عدا" التي تنتظر عودة الأمير "سنان" من غزوته، فهل عاد "سنان"؟ أكيد هو قد عاد، بأهل هذه القرية الطيبة من قرى سورية الجميلة.