اعتادت أبقار قرية "فقرو" الخروج الباكر من حظائرها، متجهة إلى مراعيها الطبيعية لتناول مختلف مكونات الطبيعة البرية، وإنتاج أفضل أنواع الحليب الصحي، والعودة مساء من دون راعٍ يتدبر أمورها، فهي الأبقار الجبلية بالتسمية المحلية.

خلال زيارة فريق مدونة وطن "eSyria" الاستكشافي منطقة سهل الغاب بتاريخ 16 تموز 2015، زار قرية "فقرو" للتعرف إلى الأبقار الجبلية التي وصف الشاب "حارث محمود" من أبناء وسكان القرية تربيتها بالرعي بلا راعٍ، وهنا قال: «هذا النوع من الأبقار الذي نسميه الأبقار الجبلية منتشر في قريتنا منذ القدم، ولم يحاول أحد إدخال غيره من بقية الأنواع المعروفة أو المنتشرة في بقية القرى والمناطق لتأقلمها ومناطقنا الجبلية الوعرة، ولتأقلم أبناء القرية على طريقة تربيتها، وخاصة طرائق العناية بها التي تقتصر في كثير من الأحوال على عمليات تنظيف الروث من حظائرها والقيام بحلبها بعد عودتها من المراعي.

الأبقار الجبلية تتغذى مثلاً على نبات الزوفا الطبي العطري، والزعتر والقطلب والسنديان والبلوط والجربان والزعرور، أي إن حليبها عبارة عن صيدلية دوائية متكاملة

وعلى الرغم من أن تربيتها سلسة وبسيطة، إلا أن الاعتماد عليها كبير في القرية، حيث تعد مصدر الدخل الأساسي لأغلب الأهالي».

العودة إلى الحظائر والسير على جانبي الطريق من دون راعٍ

ربة المنزل "سمر سعيد" التي صادف مرورنا بها بقيامها بعملية حلب الأبقار الجبلية بعد عودتها من مراعيها، واللافت بالأمر عدم حركتها خلال العملية، حيث تحدثت "سمر" فقالت: «أملك سبع أبقار من النوع الجبلي، وأعتمد عليها في معيشتي الاقتصادية، وتتميز بهدوئها وثباتها خلال اقترابي منها لأي عمل يخصها كعملية التنظيف وتحصيل الحليب، ويعد هذا النوع من الأبقار أساس بقية الأنواع إن توافرت في بقية القرى والمناطق، لأنها لا تحتاج إلى الكثير من عمليات الخدمة.

وبالنسبة لأسرتي، نحن نعتمد اعتماداً كبيراً وأساسياً على إنتاجها في معيشتنا، فلا توجد زراعة ناجحة هنا نتيجة فقر الأراضي الزراعية وقلتها ووعورتها، ويمكن أن يكون هذا سبب أساسي في تربية الأبقار بهذا الحجم في القرية».

ربة المنزل سمر سعيد

وتتابع: «تتميز هذه الأبقار بلونيها البني والأسود، وأحجامها المتجانسة واجتماعيتها وتوافقها بعضها مع بعض ضمن قطعان تقودها إحداهن من دون متابع أو راعٍ من البشر، إضافة إلى أنها منتظمة في حياتها وحركتها على الطرق العامة خلال مرحلة الذهاب إلى المراعي والعودة إلى الحظائر، فتراها تسير على جانبي الطريق وحدها».

وفي لقاء مع المدرس "شادي شلهوم" ابن القرية، وعضو لجنة التنمية فيها قال: «ينتج البقر الجبلي أفضل أنواع الحليب على الإطلاق، والمعيار هنا المراعي الطبيعية البرية التي يرتادها خلال عملية الرعي، حيث تعد هذه المراعي مصدر الغذاء الوحيد تقريباً لها، فمربوها غير مضطرين لتقديم وجبات الطعام من الأعلاف الصناعية، لأنها تعود من تلك المراعي مشبعة رعوياً بمكوناتها وفوائدها الطبيعية.

خلال عملية الرعي

إذاً، حليب هذه الأبقار غني بمكونات الطبيعة التي تعيش عليها، لكن إنتاجها لا يتعدى خمسة كيلوغرامات فقط في كل عملية تحصيل للحليب منها، وهذا ما انعكس على مردوديتها الاقتصادية سلباً على الرغم من أهميتها وأهمية منتجها».

ويضيف: «الأبقار الجبلية تتغذى مثلاً على نبات الزوفا الطبي العطري، والزعتر والقطلب والسنديان والبلوط والجربان والزعرور، أي إن حليبها عبارة عن صيدلية دوائية متكاملة».

مربي الأبقار الجبلية "حسين الكامل" من أبناء وسكان القرية، قال: «الجيد في هذه الأبقار الجبلية أنها لا تحتاج إلى راعٍ يعتني بها، حيث تذهب للرعي وحدها وتعود وحدها، وبالعموم هذه الأبقار تتناول الأعشاب الطبيعية البرية فقط خلال عملية الرعي، وتختار أفضلها على الإطلاق، أي إننا أمام منتج صحي مئة بالمئة، لكن المشكلة أن بعضهم لا يدركون أهمية وفائدة هذا المنتج، فيعاملونه كما الحليب العادي، من حيث السعر.

وهذا انعكس على بعض المربين سلباً، فعزفوا عن تحصيل الحليب من أبقارهم بهدف أن يتناوله مولود البقرة الأم، وهو ما يعني نمواً سريعاً، وغذاء كافياً، وهنا تكمن الفائدة بالنسبة لهم نتيجة عملية بيع المولود».

وخلال حديث لمشرف لجان التنمية في القرى الأشد فقراً في منطقة "سهل الغاب" "أكرم العفيف"، قال: «يجب أن يحصل هذا الحليب المنتج من الأبقار الجبلية على حقه في التعريف بقيمته الغذائية العالية لدى الزبائن، وهو ما سينعكس على المربي إيجاباً، فيحصل على قيمته المالية الحقيقية والمناسبة، خاصة أن كمية الحليب من البقرة الواحدة هي كمية قليلة جداً مقارنة مع بقية أنواع الأبقار.

وبرأيي الطريقة المثلى أن نوصل المنتج إلى الزبون المدرك لأهميته، وبسعر جيد يتناسب والقيمة الغذائية له، وينافس ويفوق القيمة المالية للحليب العادي ويتناسب والكمية المنتجة من البقرة الواحدة».

وبالعودة إلى ربة المنزل "سمر" قالت: «أبيع الكيلوغرام الواحد من الحليب بتسعين ليرة سورية فقط، وهذا في الأحوال العادية، وقد ينخفض إلى خمسين ليرة سورية بحسب رغبة التاجر الذي نعتمد عليه في عملية التصريف، ويعد هذا السعر زهيداً جداً مقارنة بالقيمة الغذائية التي يحتويها هذا الحليب، حيث أنتج يومياً من أبقاري السبع نحو أربعين كيلوغراماً، وأنا مضطرة لبيعها يومياً لتأمين دخل مادي يومي، وأقول هذا لأنني لا أستطيع صناعة ما يمكن صناعته عادة من مشتقات الحليب كـ"اللبن والجبن والشنكليش" مثلاً، لأنها تحتاج إلى وقت وتكاليف تصنيع خاصة بالتسخين مثلاً، وأنا لا أستطيع الانتظار ولا أضمن سوق التصريف، علماً أنه لو تمت صناعة هذه المشتقات من هذا الحليب لكانت أفضل بكثير من قريناتها من الأبقار العادية».