بقايا الألبسة المهترئة والقطع القماشية غير المفيدة هي الأساس بصناعة البسط في قرية "دير ماما"، حيث تُشغل يدوياً بطريقة فنية لتصل إلى مستخدمها قطعة جميلة مكتملة الألوان وتقدم الكثير من الفائدة.

ما تزال البسط المشغولة يدوياً في قرية "دير ماما" التابعة لمدينة "مصياف"، موجودة في الكثير من المنازل سواء للاستخدام بدلاً من السجاد أو كنوع من الزينة والعرض التراثي، حسبما تشير "وحيدة خضور" من أبناء القرية في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2015، التي ما تزال تستخدم البسط في منزلها حتى الآن، وتقول: «هي نوعان: الأول منها مصنوع من الصوف، أما الثاني وهو الأهم والأكثر انتشاراً في القرية، فهو مصنوع من قطع القماش البالية والمهترئة، وتوضع تلك البسط القماشية على الأرض مباشرة، وبذلك تأخذ مكان السجاد في المنزل، وهذا أمر معروف تراثياً، حيث تكون عازلاً عن الأرض، كما أن وجودها يعطي مظهراً جميلاً يحسن من قيمة الأثاث، ويشعر من يراها بالذوق الرفيع لربة المنزل، أما في وقتنا الحالي فيمكن أن نراها ضمن الأدوات والتراثيات التي نضعها كزينة وانتماء إلى التراث العريق، مع وجود بعض الذين مازالوا يستخدمونها بوجه أساسي في منزلهم تحت الأسرة مثلاً أو في غرف "المدة العربية"».

كان التعامل من حيث الأجور بطريقة سلسة ومرنة، فيقبل الحرفي الحصول على منتجات حيوانية أو نباتية من القرية مقابل أتعابه، كخيط دخان مثلاً أو بيض أو قمح أو زيت، وغير ذلك

وعن مراحل العمل تقول: «البسط بوجه عام عبارة عن بقايا ألبسة نظيفة مهترئة وغير قابلة للاستخدام، وأقمشة متنوعة من مخلفات المنزل، تجمع وتقص بشكل قطع طولانية بعرض واحد سنتيمتر، ثم تلف على شكل كتل كروية تسمى "كبة" وتعطى للحياك الذي يقوم بحياكتها بواسطة النول الخاص لتتكون في النهاية قطعة قماشية ملونة زاهية مستطيلة الشكل، نستخدمها لعزل البرودة والرطوبة على الأرض».

المختار أحمد عباس

أما "أحمد حامد عباس" مختار القرية فيقول: «على الرغم من التطور الحاصل وظهور الكثير من أنواع السجاد، تبقى أهمية البسط "الديرمامية" حاضرة باستخدامها في كل منزل، باعتبارها جزءاً من تراث القرية الذي نعمل بجهد للمحافظة عليه وعدم اندثاره وتلاشيه في الثورة الصناعية الحاصلة، حيث وجد في القرية نحو خمسين نولاً يدوياً لصناعة هذه البسط الشعبية التراثية، إضافة إلى أن بعض أهالي القرية عملوا بصناعة البسط بطريقة يدوية تماماً من دون تدخل النول، وبالنسبة لي أملك واحداً من تلك البسط اليدوية الخالصة وهو هدية من والدتي».

ويتابع المختار: «حرفة صناعة البسط كانت وليدة الحاجة في الحياة التراثية لأجدادنا ضمن القرية، وقد نقلوها إلى القرى المجاورة عبر تنقلهم بها والعمل عليها ضمن المنازل المهتمة بوجودها، حيث كان الحرفيون العاملون بها يحملون الأدوات الخاصة بتلك المهنة ويجولون بها على مختلف القرى القريبة والبعيدة، ساعين للعمل على الرغم من الصعوبات، ومجمل هذه التفاصيل منقوشة في ذاكرة أبناء القرية، وهذا تأكيد على أهمية هذه الحرفة التراثية التي ما تزال قائمة بأبسط مقومات وجودها».

نهايات البساط

قيمة البسط القماشية بالنسبة للعمل الحرفي، تأتي من قيمة وحجم العمل اليدوي فيها، يقول المهندس "أحمد علي": «العمل بصناعة البسط كان وما يزال يدوياً من البداية وحتى النهاية، على الرغم من توافر وصناعة أنوال خشبية بسيطة يدوية العمل مساعدة بمراحل النسج إن صح التعبير، حيث نرى تجلي العمل اليدوي بتأمين القطع القماشية اللازمة، وتجهيزها وفق مقاسات موحدة، فمن المهم جداً بالنسبة لربة المنزل انسجام القطع فيما بينها، إضافة إلى أن العمل اليدوي يكمن أيضاً بخاتمة الحياكة ووضع اللمسات الأخيرة عليه، أو كما يقال نسج النهايات يدوياً ووضع "الشباشيل" بواسطة الأدوات البسيطة».

المدرس "أحمد حسن" من أهالي القرية، يقول: «حياكة البسط كانت عملاً متنقلاً، حيث كان الحرفي يحمله نوله الصغير البسيط على ظهر الدابة، ويتنقل بين القرى ليقدم خدماته، مثله مثل الحلاق والحذاء، ومنهم من كان يتنقل مع عائلته، فيقيم في القرية لأسابيع حتى انتهاء العمل ثم يغادرها إلى قرية أخرى، ويكون ذلك في فترات زمنية من السنة أغلبها في الربيع والصيف».

وحيدة خضور

ويتابع: «كان التعامل من حيث الأجور بطريقة سلسة ومرنة، فيقبل الحرفي الحصول على منتجات حيوانية أو نباتية من القرية مقابل أتعابه، كخيط دخان مثلاً أو بيض أو قمح أو زيت، وغير ذلك».