في العام 1960 وجدت الآلات القديمة في الثانوية الزراعية -والتي تجاوز عمرها أكثر من مئة عام- نفسها في باحة الثانوية في مواجهة ظروف المناخ، كتحفة فنية بلا متحف، شاخصة في وجه الزمن، وشاهدة على الحروب العالمية الأولى والثانية والاحتلال الفرنسي، والحريق الذي لحق بالثانوية عام1910 و1919.

أنشئت الثانوية الزراعية عام 1908 كمركز للبحث العلمي وعلى مساحة تبلغ ألفاً وخمسمئة هكتار، حيث تمتد من البلدية القديمة حتى "عين الزرقاء"، وهي تعد بذلك أول ثانوية زراعية في "سورية"، وثالث مدرسة في الوطن العربي، بعد مدرسة "الدر سخانة الملكية " في "مصر" 1830، والمدرسة "الخضيرية" في "فلسطين" 1910، والتي كانت قبلة الدارسين لكل الدول العربية كـ"العراق"، و"الأردن"، و"لبنان"، و"فلسطين"، وبعض الدول الأفريقية، وبما أن التعليم كان داخلياً فالإقامة والطعام على نفقة الثانوية؛ إضافة إلى رواتب شهرية مقدارها خمس وعشرون ليرة سورية تدفع للطلاب إلى جانب حصة من الإنتاج الزراعي والحيواني والنباتي، أثناء قيامهم بالأبحاث العلمية والتعليم، فأقيمت المداجن وتم تأمين كل مستلزمات الزراعة وأعمال الحقل، كالبذّارة والحصّادة والدرّاسة وآلة تقطيع العشب الأخضر للحيوانات (أبقار وأغنام وطيور حتى النادرة منها) ، والتي دخلت البلاد من أيام الاحتلال العثماني.

يأمل مدير الثانوية الزراعية السابق المربي "مصطفى صليبة" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria":<< من المؤسسات المعنية منح بعض الاهتمام للحفاظ على ما تبقى من الثانوية الزراعية التي ما تزال تحتضن طلاب الثانوية الزراعية، رغم إشغال جزء من بنائها القديم على سبيل الاستعارة المؤقتة مدة خمسة أعوام لإحداث كليتي هندسة زراعية ومعمارية منذ عام 2010 حيث استملكوا 400 دنم من الجهة الغربية ولكن لم يتم البناء الجديد حتى الآن، وقبل أن تصبح أطلالاً، بما كانت تحتويه مكتبتها الذاخرة بالكتب والمراجع، والتي نقلت إلى "اللاذقية"، ومطعمها الضخم الذي كان فائضاً بالأدوات النحاسية العثمانية القديمة وهي تحف فنية، وهي أيضاً أخذتها الثانوية الزراعية في "اللاذقية" ولم تتم إعادتها حتى الآن، والمخبر المهمل، والمدجنة النموذجية المنسية وفيها أول فقاسة للصيصان في "سورية"، والآلات الزراعية القديمة التي ما تزال تصارع العوامل الجوية الخارجية بالإضافة لمحركات الديزل والغطاسات والتي أفرغت من المستودع لتشغله الخدمات الفنية، ناهيك عن البئر البحرية فيها حيث وضعت مؤسسة المياه يدها عليها لترفد خزان المياه في "سلمية" وتصبح خارج ملاك الثانوية، للأسف تحولت الثانوية الزراعية، وهي إرث إنساني وحضاري لمديرية علماً أنها تابعة لوزارة الزراعة وليس لمديرية التربية>>.

المربي مصطفى صليبة مدير الثانوية الزراعية سابقاً

المربي "أكرم الماغوط" المختص بتعليم مادة الآلات في الثانوية الزراعية أوضح في حديثه لمدوّنة وطن أن هذه الآلات كانت موجودة لخدمة مادة الأبحاث الزراعية المقررة في منهاج الثانوية، كما أنها عملت بشكل رائع حتى دخلت الآلات الزراعية الحديثة عام 1960، وأضاف:<<إن تلك الآلات بتصميمها البسيط خدمت المجتمع الزراعي في مرحلة الزمن الماضي كالبذّارة الحديدية وفيها مقعد يجلس عليه الفلاح يجرها حصان، أما آلة تقطيع العلف الأخضر فيتم تلقيمها يدوياً وفيها أيضاً بساط حديدي يلتفّ على أسطوانة مسننة لتقطيع العشب الأخضر، وهي موصولة بحوض حديدي مثبت على عجلة؛ موصولة بقشاط على محرك ديزل، والحوض يتعامد معه أنبوب اسطواني بطول أربعة أمتار، لقذف العلف إلى المخزن العلوي، ليقوم العمال بتوزيعه على الحيوانات عبر فتحات خاصة، وأما آلة جرش الحبوب فهي بسيطة جداً حيث تلقم يدوياً، وتعمل بواسطة محرك ديزل أو جرار موصول بقشاط على عجلة، ومن ثم تنتقل لغربال حديدي ثابت موصول بها من الأسفل.

ويتابع المربي "أكرم" عن آلة جمع القش: هي ذات عجلات حديدية كبيرة وتقاد بالحيوانات، لها مشط لجمع المحاصيل بواسطة عتلة ترفع يدوياً، وأمّا الدرّاسة المصنوعة من الحديد والخشب؛ فيكون التلقيم فيها يدوياً من الأعلى حيث توضع السنابل ليتلقفها المدرس الذي يفرط السنابل، لتدفع القش إلى الخلف مروحة في الأسفل، بمساعدة الهزازات ليصبح تبناً ناعماً بواسطة المهاريس، وأما الحب فتقوم أكف معدنية برفعه للأعلى أو جانبياً لتتم تعبئته نظيفاً من القش.

درّاسة لفصل الحب عن القش

إن هذه الآلات ومنذ امتلاكها في الثانوية ساهمت بخدمة المزارعين في المنطقة، وساهمت الثانوية في تطوير الإنتاج الزراعي والحيواني والنباتي كمّاً ونوعاً، يشهد لها ما نلمسه في واقع الحال والنوعيات الهجينة التي نحصل عليها، بحسب التوجه الاقتصادي، أكان نباتياً أم حيوانياً ، فهذه الثانوية ستبقى منارة عبر الأجيال.

أجري هذا اللقاء في 9 شباط 2021.

آلة لجمع المحصول