كان لنشأتها في ظل أسرة محبة للعلم، وبيئة اجتماعية مشجعة على الثقافة أثر كبير بتبلور موهبتها، وامتلاكها مخزوناً لغوياً جعلها تمسك مفاتيح الشعر بسنّ مبكرة، لا تكتفي بثقافة ولا تقف عند فكرة، بل تصطاد أفكارها وتأخذ قارئها إلى ما تصبو اليه بقصائد شعرية معبرة عن همومها وهواجسها تجاه الواقع.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 6 كانون الأول 2018، مع الشاعرة "لجينة النبهان"، وبالحديث حول موهبتها الشعرية تقول: «في بلدة "الصبورة" بريف "السلمية" أبصرت عيناي النور ضمن عائلة مؤلفة من أحد عشر طفلاً، يغلب عليها الطابع العلماني المثقف المؤمن بالمعرفة. والدي من أوائل الحاصلين على شهادة جامعية في البلدة، وقد كان عضواً في مجلس الشعب لدورتين متتاليتين، وكان شغوفاً بالشعر والأدب عموماً، وحريصاً على وجود مكتبة في المنزل تضم مؤلفات لأهم الشعراء، وكذلك أخي؛ وهو ما ولّد لديّ فضول المعرفة. لم تكن طفولتي عادية، بل حملت معها الكثير من التناقضات من أقاصي المرح إلى مساحات ليست بالقليلة من الشحوب، فكنت أقضي وقتاً طويلاً بالقراءة واختبرت باكراً مشاعر معقدة على ابنة الثامنة، اتجهت بعدها إلى الرياضة التي ما تزال شغفي، اختياري لدراستي كان بعيداً عن مجال الأدب، وهذا ليس حالة خاصة؛ فأغلب الأحيان نختار دراستنا التي تؤمن لنا الاستقلالية المادية».

أكتب كي لا أموت هذه حقيقة، فالشعر تبلور أفكاري وفيض مشاعري وفرط هذياني وغضبي وصراخي، حالة اكتشاف دائم للذات والحياة بكل مظاهرها، كل قصيدة توثيق لحالة اختمار فكري ووجداني، سؤال خالد لا تشبعه الإجابات العادية، أصوات "محمود درويش" و"نزار قباني" و"مظفر النواب" في ذاكرتي منذ الطفولة؛ في تلك الأيام كنت أفضّل سماع الشعر على قراءته، لكنني لا أستطيع تحديد تاريخ معين لبدايتي بنظمه، فكنت دائماً أقرأ بين الحين والأخر سطراً أو سطرين أشبه بومضة أو فكرة تلمع بذهني، وربما كانت أول النصوص المكتملة قبل عشر سنوات من اليوم أتت بين القصيدة والنثر والخاطرة

وبتعريفها للشعر والبداية بنظمه، تضيف: «أكتب كي لا أموت هذه حقيقة، فالشعر تبلور أفكاري وفيض مشاعري وفرط هذياني وغضبي وصراخي، حالة اكتشاف دائم للذات والحياة بكل مظاهرها، كل قصيدة توثيق لحالة اختمار فكري ووجداني، سؤال خالد لا تشبعه الإجابات العادية، أصوات "محمود درويش" و"نزار قباني" و"مظفر النواب" في ذاكرتي منذ الطفولة؛ في تلك الأيام كنت أفضّل سماع الشعر على قراءته، لكنني لا أستطيع تحديد تاريخ معين لبدايتي بنظمه، فكنت دائماً أقرأ بين الحين والأخر سطراً أو سطرين أشبه بومضة أو فكرة تلمع بذهني، وربما كانت أول النصوص المكتملة قبل عشر سنوات من اليوم أتت بين القصيدة والنثر والخاطرة».

من دواوينها "الحرب خدعة بصرية"

وعن الكتب التي تستهويها والأجناس الأدبية التي تكتبها، تتابع قائلة: «أرى أنه ليس هناك كتابة ذات أهمية لا تستند إلى مخزون معرفي، وهذا لا يمكن تأمينه إلا عبر القراءة، ولا أظنّ أن هناك نوعاً من الكتب لم أقرأ شيئاً منها بما فيها الكتب الدينية والعلمية، أما ميولي، فهي للكتب ذات الطابع الفلسفي النفسي، كما أكتب في كل الحالات، فالكتابة هي الفيض وصمام الأمان ومرآة الروح؛ وأظنّ أن دخول عالم الكتاب ليس قراراً عقلياً بقدر ما هو تطور طبيعي لموهبة موجودة، ولحظة الكتابة هي لحظة تجلٍّ وانكشاف حقيقي ينتج ومضة قد تفاجئ الكاتب أحياناً. حاولت في معظم الأحيان المزج بين معظم الأجناس الأدبية، فكتبت قصيدة النثر والومضة تناولت بها الأنثى؛ حاولت أن أصرخ بلسانها وأستنهض فيها شيئاً، كما تناولت فكرة الحرب بزاوية مغايرة عن حب الوطن، ولدي محاولات متواضعة في الشعر الموزون والعمودي والقصيدة والخاطرة، وأخيراً كان لدي محاولة في كتابة المقال عن السفسطة والسفسطائيين نشرت في صحيفة "الوطن"، إضافة إلى رواية بدأتها قبل عام، وقد تأثرت بكتاباتي كثيراً بالشاعر "محمود درويش"، و"أدونيس" أحياناً، ومؤخراً أقرأ "نيرودا" وتسرني نصوصه».

ومن منشوراتها نختار نصاً نثرياً أسطورياً بعنوان: "إنانا وأنا"، حيث تقول:

المركز الأول بمجموعة القصيدة العالمية

"الحرب فضاء مفتوح

الشاعر والناقد محمد عامر

لكنه غير مخصص لأغراض عشقية!

كتفك العارية، أمر بالغ القداسة

قد لا تدرك أنت ذلك

لضيق الذات المتبقية لديك!

وقد لا تدرك أن المنبعث من

مسامك، ليست حبات عرق انتزعها

قيظ أيلول، من سمرة جسدك

الأعزل من خيار

بل شهقات الفقد القابع في قبو قلبك

المنشغل بعد نبضات رفيق يحتضر وقد لا تدرك أيضاً، أن أنثى مسكونة بـ(إنانا)

قد تهطل من غيمة مطليّة بالدخان

لتستحيل خمس نجمات تتفقد ما تبقى من أمنيات

وخمس أمنيات ينتظرنك عند منعطف (الحتمي) الذي تأخر عنه

الطريق فغفا

إن تلك الأنثى... قد تكون أنا!"

بدوره الشاعر والناقد "محمد عامر" يحدثنا حول مسيرتها الأدبية قائلاً: «بعد اطلاعي على نتاج الشاعرة "لجينة" أستطيع القول إنها لا تكتفي بثقافة ولا تقف عند فكرة؛ شاعرة وافرة فكراً ورؤية وبلاغة؛ تملك تصوراً هائلاً شاملاً للكون بما حملته من ثقافة غير مؤدلجة، وتصور موشوم بتجربة ذاتية غنية بالبحث الدؤوب عن ذاتها وعن مفاهيم أوسع وأشمل للحياة؛ تتجاوز في قصائدها التي غلب عليها النثر الحداثة إلى مرحلة ما بعد حداثوية؛ وتعتمد الإشارة واللمحة لتجعل من القارئ شريكاً حقيقياً في إنتاج النص الأدبي، لا تعتمد المكشوف من الفضاء أداة خطابية لتسويغ النص وتسويغ نفسها، بل تعتمد الخفي إضاءة صريحة كما في كتابها الأخير "الحرب خدعة بصرية" الديوان الذي يمثلني، وهو أجمل كتاب حملته مكتبتي؛ في هذه الفوضى الشعرية توظف ثقافة الحب للخروج من الحرب، لكن في ذات الوقت تعيد إنتاج العالم على طريقتها، كما أنها تبحث عن فكرة مطلقة لا نهائية ولا محدودة».

يذكر، أن الشاعرة "لجينة النبهان" من مواليد "الصبورة" بريف "حماة" عام 1973، في رصيدها ثلاثة دواوين وهي: "لست سوى بعضي"، و"ليس كل هذا الحريق"؛ الصادرين عن دار "أرواد" للنشر، و"الحرب خدعة بصرية" الصادر عن دار "بعل". مشاركة دائمة بالملتقيات والأمسيات الشعرية في "عاديات طرطوس"، قصائدها منشورة في معظم الصحف السورية وصحيفة "هيرالد" الأسترالية، التي نالت منها مؤخراً المركز الأول ضمن نتائج القصيدة العالمية لعام 2018 عن نصّيها "إنانا وأنا"، و"علمتني ولم"، كما أنها عضو مؤسس في جمعية أصدقاء الموسيقا.