امتلك سرّ الكلمة وسحرها الشعري الجميل، واستهوته الومضات الشعرية، ورافقته القراءة منذ الطفولة، فأصبحت طقسه اليومي. بأسلوب أدبي متميز، استطاع الشاعر "سمير سنكري" أن يجمع ما أوحت الأيام له من أحداث، ويدخل عالم الأدب ليخط بصمته الخاصة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 5 آب 2018، مع الشاعر "سمير سنكري"، الذي تحدث عن مسيرته الأدبية بالقول: «في قرية "السقيلبية" التي تطل على سهل "الغاب"، أبصرت عيناي النور فيها عام 1946، ضمن أسرة فلاحية بسيطة. في ذلك الوقت كانت "سورية" قد حصلت على استقلالها، وبدأت رحلة تكوينها الحضاري والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، ومن قلب هذا الواقع كان جيلي الذي عاصر الاستقلال وعاش الموروث الحضاري المتردي من الدولة العثمانية، فعاش عصر الفلاحة البدائية بكل بساطة وعفوية، وكان فاعلاً فيه، ضمن هذا الواقع نلت تعليمي على مراحل متتابعة؛ بدءاً بالكتاتيب إلى المدارس بمرحلتيها الابتدائية والإعدادية، ففي المرحلة الإعدادية عرفت الشعر الموزون بوقعه النحوي والوزني وكل ما يتعلق في بلاغته، والعمودي والمقفى، وعرفت مفرداته وحفظت القصائد المقررة في المناهج للشعراء التي استهوتني ولفتت نظري كثيراً، إضافة إلى أن والدي كان لديه حانوت صغير يبيع فيها أشياء مختلفة، إضافة إلى الكتب القديمة كـ"تغريبة بني هلال"، و"عنترة"، و"الزير سالم"، وكان يشجعني على قراءتها. كما أنه امتلك صوتاً جميلاً وكنت أرافقه إلى سهراته حيث كان يغني فيها قصائد شعرية للشعراء القدماء؛ وهو ما دفعني إلى حفظ القصائد التي كان يغنيها عن ظهر قلب».

الشمس لم تغب عن وطني بعد والنور ما زال ينبعث من صحوة الروح ## وقسوة الجراح ما بين أوردتي إرثٌ ملتصق بذاكرة التاريخ لا يعـترف بصهيل طقوس العالم أو بالود الناجم من عـَبث هشم ماء الوجه كطيفٍ غامض يقرع الطبــول في الحارات يستلقي الحزن في أحضان دموعي ومن شقوق باب الحياة يتســللُ مختفياً عبر دمائي يلثم ثغـر الحكاية ... وأنا ## أراوح في المكان ## كوهم تسلق صمت الفراغ يد الضوء تحاكم زغرودة في عيون الأسى

وعن قراءاته أضاف: «قرأت العديد من كتب الأدب الروسي وقصص "الحضارة" التي زادت في فضائي الثقافي، والشعر المترجم، وتعرفت من خلاله إلى قامات أدبية وعالمية، وأكثر ما شدني الشاعر الهندي "طاغور" وحفظت أشعاره، فأعطاني فضاء رحباً في كيفية الصياغة الجميلة، وأعجبني أسلوب الروائي "حنا مينا" وتداعياته وخياله الواسع وحواراته وعدد من أدباء عصر النهضة في الحضارة السورية، إضافة إلى الشعراء العرب: "أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ونزار قباني، والمعري"، الذي تأثرت به ووافق منهجي العقلي الذي أؤمن به وأعدّه المرشد الواعي نحو الحقائق؛ وهو ما مكنني من امتلاك ثروة لغوية جيدة أعطتني دفعاً جيداً باتجاه الكتابة والأدب بوجه عام. وحتى وصولي إلى هنا لم أفكر أن أكون شاعراً؛ لأنني كنت أرى أن مكانة الشاعر ترتقي إلى موقع عال في سلم الأدب، كما أنني نظمت بعض القصائد لزملائي بقصد المديح أحياناً وبقصد الهجاء للمزاح، وقد لاقت الإعجاب، فهذه البيئة البسيطة التي عشت فيها أعطتني دفعاً جميلاً نحو القراءة والحفظ، وأغنت ملكتي الشعرية وصقلتها».

من دواوينه "أطياف الهوى"

ويتابع: «عملت معلماً ومديراً لإحدى المدارس، ثم موجهاً تربوياً في المدارس الابتدائية، كما أن وجودي في "اليمن" بهدف العمل خلق دافعاً كبيراً لأكتب وأنشر في صحفهم الرسمية.

وبرأيي: ليكون الإنسان شاعراً، عليه أن يتمتع بصفات أساسية؛ وهي أن يمتلك الموهبة التي تمكنه من إظهار الحالة الشعرية الجميلة، وامتلاك أدوات اللغة العربية ليكون قادراً على معرفة سرّ الكلمة وسحرها الشعري من حيث البلاغة والنحو والصرف والموسيقا، ويتمتع بثقافة تؤهله لينهل منها إبداعاته، وعليه أن يربط روحه بكل القيم التي تصنع منه إنساناً بكل معنى الكلمة، فالإبداع حالة يعيشها الشاعر من خلال وجود هاجس لفكرة معينة منها تولد القصيدة التي لا يعرف بوجودها إلا بعد ظهورها بشكلها الصحيح للعلن؛ فالحس المعرفي والتمكن اللغوي يصقل هذا الإبداع بأسلوب يجعله جميل الوجود قادراً على الحياة».

الشاعر "سمير سنكري" أثناء تكريمه

وأضاف عن اللون الذي يحبه: «استهوتني الومضات الشعرية الجميلة، فكتبت ومضة القصة القصيرة جداً، وكتبت فيها الكثير من القصص، وقدمت دراسات ومقالات ومحاضرات نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولدي عدة مجموعات قصصية في القصة القصيرة جداً لم تظهر إلى النور حتى الآن. إضافة إلى أنني اخترت الكتابة الأدبية والشعرية بأسلوب عفوي، وهي اختارتني من خلال الموهبة التي وضحت في بداية تكويني ووجودي مع والدي في سهراته وقراءة قصائد أعدّها من عيون الأدب، هذه الموهبة دعتني أن أقرأ هذه الكتب عدة مرات إلى درجة جعلتني أكتب، وأجزاء "ألف ليلة وليلة" قرأتها سبع مرات، وفي كل مرة أرى فيها جديداً».

وعن الملتقيات الأدبية، قال: «لها دور مهم في صقل النتاجات الأدبية، ودور أساسي في التعريف بنتاجاتنا باعتبارها منابر ضرورية لنشر إبداعات وأفكار الأدباء، وفي الوقت نفسه تعزز ملكة النقد والدراسة لنتاجاتهم، وتغني تجربتهم الشعرية من خلال الجديد الذي يمثّله هاجس الشعر، إضافة إلى أن الملتقيات والمحافل الأدبية والمهرجانات خلقت وجوداً واضحاً لي مكنني من ملكة الإلقاء الشعري في المحافل الثقافية؛ وهو ما شجعني على تقديم إنتاج أدبي وفير جاء متأخراً في حياتي، وكان الطريق لأكون عضواً في اتحاد الكتاب العرب "جمعية الشعر"، حيث قدمت سبع مجموعات شعرية، وهي: "عبرت حزني"، و"لبسَ الصمت جراحي فتكلَّم"، و"همس ورمز وصدى"، و"هاجسٌ لا ينام"، و"خيول تمتطيها الشمس"، و"مملكة العنكبوت"، و"أطياف الهوى"».

أحد دواوينه "عبرت حزني"

ومن قصائده اخترنا:

«الشمس لم تغب عن وطني بعد

والنور ما زال ينبعث من صحوة الروح

وقسوة الجراح

ما بين أوردتي إرثٌ ملتصق بذاكرة التاريخ

لا يعـترف بصهيل طقوس العالم

أو بالود الناجم من عـَبث هشم ماء الوجه

كطيفٍ غامض يقرع الطبــول في الحارات

يستلقي الحزن في أحضان دموعي

ومن شقوق باب الحياة يتســللُ مختفياً عبر دمائي

يلثم ثغـر الحكاية ... وأنا

أراوح في المكان

كوهم تسلق صمت الفراغ

يد الضوء تحاكم زغرودة في عيون الأسى».

الأديبة "ندى عادلة" تحدثت عنه بالقول: «الشاعر "سمير سنكري" لا يحتاج تعريفاً، فهو شاعر ملون بالضوء، يكتب على سماء صيفية، هو ابن محافظة "حماة"، وكلانا ننتمي إلى أجمل المدن، فهو يكتب القصيدة العمودية المكتملة، ويجدد بها، وفي القصيدة الحرة والتفعيلة يخوض حروباً بالكلام ضد الزيف والفساد بانفعالاته، تدفعنا القراءة له إلى رشاقة أسلوبه والموسيقا والعاطفة، وأيضاً إلى المعنى، فهو يجعلنا أكثر قرباً من نفسنا وإنسانيتنا؛ لأنه الوعي الأخلاقي بكل تجلياته بهذا الزمن، فالقصيدة التي يكتبها يجعل منها قضية إنسانية لترتيب عالم الفضيلة من خلال منظور الحب والحلم في الأرض والسماء والبحر والبر. هو صوت الشعر والحق والرفض لما كل ما هو بربري وفاسد. غنى جمال الأنثى ليدين البشاعة والبؤس على الأرض، وتكلم عن الحرب في فحوى قصائده ليتغنى البشر بالسلام والعدل، وعن الشهادة والشهداء وطهارتهم في السماء والأرض، كتب في كل مناحي الحياة، وكانت تطلعاته نحو مستقبل أكثر جمالاً وإشراقاً، رحلة الشعر لديه رحلة شاعر خرج من وعيه التاريخي وجمال روحه، إنها رحلة الإنسانية إلى محطات الحب والتآخي والجمال».