واهباً حياته للعمل والكتابة، أنتج رصيداً كبيراً من الأعمال الإبداعية، وكأن كل ديوان له يحمل في طياته بذرة الرواية التي تليه، وجنين الفيلم الوثائقي وخلايا البرنامج التلفزيوني القادمين، ليقف أخيراً على ثروة إبداعية شخصية تحتاج إلى ذاكرة بمساحة حياة، إنه الشاعر والإعلامي "مصطفى عزت الهبرة".

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 نيسان 2014 التقت "الهبرة"، فحدثنا عن بدايته مع الكلمة بقوله: «بدأت أكتب في مرحلة مبكرة من حياتي قبل دخولي التعليم النظامي، والفضل في ذلك يعود إلى والدتي رحمها الله، التي كانت مربية أجيال ومدرسة في اللغتين العربية والفرنسية، ومن خلالها تعلمت كيفية صياغة الحرف والخط والكلمة، ثم دخلت معها عالم القصة والرواية والقصيدة».

القصيدة هي التي تكتب الشاعر، وليس العكس، فهي التي ترسم وتزركش كامل أركانها، وهل تصدقين أن القصيدة توقظني من نومي أحياناً، أو أنها تأتيني وأنا أقود سيارتي، أو أثناء حوار مع الضيف في أحد برامجي؟ فالقصيدة هي التي تفرض نفسها على الشاعر وليس العكس

يجمع "الهبرة" بين عمله كإعلامي معروف في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبين إتقانه الشعر والرواية والقصة، يقول الإعلامي والشاعر المخضرم: «الصحافة والإعلام مهنتي، ومن المعروف أن مهنة الإعلام هي مهنة المتاعب، وواجب يجب تأديته في الأوقات المحددة لها وخارجها، أما الشعر فهو حالة مخاض نشوة لبلوغ حالة إلهام وإبداع، تأخذ الشاعر إلى عالم آخر لا يعلم تفاصيله، فالقصيدة هي التي تكتب الشاعر "مصطفى" وليس العكس، وأجد نفسي في كلتا الحالتين، فعملي عشق وكتاباتي وإبداعاتي عشق أيضاً، ومن دون العشق أنا مجرد آلة تعمل لا أكثر».

الشاعر مصطفى عزت الهبرة

إلى جانب دراسته الجامعية، درس "الهبرة" الطب والقانون والتاريخ، كما عمل إعلامياً وكاتباً ومديراً عاماً لشركاتٍ حكوميةٍ وخاصةٍ في كل من "سورية"، ودولة "الإمارات العربية المتحدة"، وباحثاً ثقافياً وإعلامياً، وكاتباً صحفياً، ومراسلاً لهيئة الإذاعة والتلفزيون السورية من عام 1972 لغاية عام 1984، له من الإصدارات رصيد لا يستهان به، منها في الشعر والقصة والرواية والمسرح، ومنها مؤلفات وموسوعات ومخطوطات ودراسات وبحوث لا تقل أهمية عن غيرها، يقول شاعر مدينة النواعير"الهبرة": «في الشعر أصدرت عدداً من الدواوين منها: "الأصالة"، و"الصقر"، و"أريج الحب"، وعشرات القصائد التي نشرتها في الصحف العربية، إضافة إلى مسرحية بعنوان "بكائية قلب"، ورواية تاريخية حملت اسم "ديوان العرب الإلكتروني على الإنترنت"، وفي مجال أدب الطفل كان لي عدة قصص، وهي: "الربان والسيف"، و"الأقحوانة البيضاء"، و"جلفار وأسود البحر".. هذا وكانت لي سلسلتان قصصيتان: الأولى "مغامرات أحمد بن ماجد" المؤلفة من 52 جزءاً، والثانية "ظبي البشارة" ذات الاثني عشر جزءاً، ومن نتاجي من المخطوطات الأدبية هناك: "حدثتني الشمس"، و"قوافي"، و"ميديا"، "طريق الحرير"، "البطل الصغير"، "سنابل الحنظل"، وغيرها».

لم يتوقف "الهبرة" عند الحرف فقط، بل كتب للصورة؛ فكانت له وقفة سينمائية مميزة، يقول: «قدمت 17 فيلماً وثائقياً عن دولة الإمارات العربية المتحدة، بثتها كل من قنوات التلفزيون: (أبو ظبي - دبي - الشارقة)، كما قدمت فيلماً وثائقياً عن "المها" العربي، وأعددت آخر عن السفن التقليدية في "الإمارات" في زمن الغوص لصيد اللؤلؤ، وشاركت كمحلل سياسي لدى العديد من القنوات التلفزيونية، كما عملت محاضراً إعلامياً للمذيعين في مواضيع إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ولغة الجسد، وفنون الإلقاء والتقديم وتدريبهم عليها، كما أعددت برنامجاً تلفزيونياً عن تراث الغوص واللؤلؤ في منطقة الخليج العربي، ومؤخراً كتبت رواية لمسلسل تلفزيوني تاريخي حول الإمارات والخليج لم يعرض بعد، إضافة إلى عملي معداً ومقدماً للبرامج ومحرراً إخبارياً لدى العديد من القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، منها إذاعة وتلفزيون "الفجيرة" ومازلت على رأس عملي».

مصطفى الهبرة إعلامياً

من خلال مسيرته الطويلة حاز "الهبرة" العديد من الجوائز، يقول عنها: «بالمقارنة مع حجم أعمالي وإصداراتي فالجوائز التي حصلت عليها قليلة جداً، وأرجح السبب لأنني لا أعرف كيف أسوق لنفسي، ولكن بالنظر إلى الكم الكبير الذي حققته أشعر بأنني راض عن نفسي وعما وصلت إليه، فأنا شخص مبدع ونشوتي تكمن في تحقيق الانتصار من خلال إصداراتي وكتبي الجديدة بدل التسويق للجوائز».

في شعره تنويعات بين العمودي والتفعيلة، ولكن من يقرر شكل القصيدة؟ يقول "الهبرة": «القصيدة هي التي تكتب الشاعر، وليس العكس، فهي التي ترسم وتزركش كامل أركانها، وهل تصدقين أن القصيدة توقظني من نومي أحياناً، أو أنها تأتيني وأنا أقود سيارتي، أو أثناء حوار مع الضيف في أحد برامجي؟ فالقصيدة هي التي تفرض نفسها على الشاعر وليس العكس».

عندما يمارس "الهبرة" عمله كإعلامي فإنه يجري لقاءات وحوارات منها ما يكون مع شعراء، فكيف يحيّد الشاعر داخله ليقدم وينصف شاعراً آخر؟ يقول: «أنا شخص أعيش لحظة الحقيقة في حقيقة اللحظة، ويهمني أن أختار ضيفي بعناية فائقة، وأن أقدمه على أنه الأفضل، وأعتقد جازماً أنني عندما أحترم ضيفي وجمهور المشاهدين والمستمعين فأنا أحترم نفسي أولاً، وأذكر أنني كنت قد قمت بإعداد وتقديم برنامجاً تلفزيونياً للرواد على اختلاف مجالات إبداعاتهم منهم الأدباء والشعراء والأطباء ومختلف المبدعين، ولم أكن أعاني معهم كثيراً في التحضير والإعداد للحلقة، وفي تقديمها أيضاً، بل كنت أشعر معهم –كما أشعر مع بقية ضيوفي حقاً– بمنتهى المودة والتآلف».

عندما يقف أمام الكاميرا كمعد ومقدم للبرامج التلفزيونية يعرف جيداً ما الذي يريد قوله وطرحه على ضيفه، ويتابع "الهبرة": «الكلمة ولغة الجسد ونبرة الحروف هي عملي بالدرجة الأولى، وهذا ما يجعلني آخذ نفساً عميقاً متحكماً في المسار الذي أود طرحه، حتى عندما أكون أنا ضيفاً أجد نفسي مسترخياً غير متفاجئ بعبارة أو أخرى، لتقفز أمام عيني ألف صورة وومضة وذكرى تفجر الدموع في عيني أحياناً، وهذا حدث معي في أحد لقاءاتي عندما سُئلت عن حبيبتي "سورية"».

آلاف السنين مضت والعرب يقولون الشعر، حتى بات الشغل الشاغل لبعضهم هو النحت في اللغة لتحقيق صفة الشاعر، لكن "الهبرة" له رأي مغاير، فيقول: «لم تكن جينات الشاعر جينات شاعرية حقاً فلا شعر ولا شاعر، حتى ولو نحت في اللغة العربية ألف عام، فالشعر موهبة ثم إبداع، والموهبة تولد مع الإنسان، كجزء من جيناته الوراثية، ونحن نلمحها ونتلمسها في طفولته، فالرسم والموسيقا والشعر والغناء كلهم موهبة، فإن تنبه المجتمع بدءاً من الأسرة، مروراً بمؤسساته الحكومية، وصولاً إلى مؤسسات المجتمع المدني إلى موهبة طفلٍ ما في مجال ما، وأخذ بيده لصقلها وتنميتها، تحولت إلى إبداع، وإن لم يفعل فإن الموهبة ستموت، أو تضمر، وفي أحسن الأحوال ستبقى على ما هي عليه دون تطور يتلاءم مع تطورها عبر الزمن».

الشاعر "عبد الغني الحداد" يثني على نتاج "الهبرة"، ويقول: «من خلال ما قرأته من شعر "مصطفى الهبرة" وجدت فيه شاعراً قادراً على توظيف اللغة الشعرية إلى حد كبير، وهو يعتمد موسيقا الكلمة ويحاول أن يخلق صوراً شعرية خاصة به، وقد يوفق أحياناً كثيرة وربما يبالغ أحياناً أخرى، وأجده غيوراً على وطنه ومسكوناً بهمومه معبراً عنها بقلمه بكل صدق وعفوية».

من قصيدته "ماسة" اخترنا الأبيات التالية:

"وإذا الزمـانُ أصابني برماحـه... وأصاب ظهـري خنجـرُ الأيـام

جابهتـهُ بعـزيمـةٍ لا تنحنـي... رُغم الشَّـدائدِ في ضنى إيـلامي

ووقفتُ أشْمخُ رُغم قهري مِنعة... وأشُـدُّ أَزْري في يَـدي وحُسَامي

وأُشِيدُ زِنْدي فوقَ قَلعةِ عِـزَّتي... وأنـا العـزيـزةُ إن طَغَتْ آلامي".

جدير بالذكر أن "مصطفى الهبرة" من مواليد حماة 1949، ومقيم حالياً في دولة "الإمارات العربية المتحدة".