تقاس قيمة الشعر بقدر تفاعله مع الحياة التي يعبّر عنها، وبقدر صراع الشاعر مع الحياة التي يعيشها. هكذا يرى "إسماعيل أحمد عامود" قيمة ما يجب أن يكتب، خاصة أنه شاعر نزل من علياء الأنا إلى الشارع ليتسكع فيه باحثاً عن فسحة ضيقة تقتل كآبته.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر العتيق "إسماعيل عامود" في منزله يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2013 وكان الحوار التالي:

كان واضحاً من تلقي الجمهور للفيلم أن "إسماعيل عامود" قد تحول إلى بطل لمشهده، فصوته الشعري بدا نافراً وغير قابل للتأطير، وأظن أنه هو من صنع نجاح الفيلم الذي كان بسيطاً بأدواته

  • ما الفرق بين شاعر اليوم، وشاعر الأمس في زمن شعراء التفعيلة؟
  • الشاعر "إسماعيل عامود" أيام الشباب

    ** الشعر كالحياة، كلما تطورت هذه الجغرافية الإنسانية تطور معها، لأنه يستمد قوته ويأخذ معينه من أصله الأم، فإذا زعم أحد المحنطين عن هذا التطور الحياتي الشعوري بأنه مخالف للذات الإنسانية، وبأنه حرب على اللغة والتراث، جاز لنا أن ننعته بالجهل الأكيد لمعالم الحياة الخيّرة المبدعة، من هنا يمكن القول: إن شاعر الأمس مختلف عن شاعر اليوم، كيف لا وقد اختلف الإنسان حتى في التركيب العضوي -بعض الشيء- فكيف لا يتغير التركيب الهرمي للقصيدة.

  • كيف تجد الشعر العربي -وأنت أحد الشعراء الذين يشار إليهم بالبنان- هل يحتاج إلى إعادة صياغة؟
  • المطالعة رفيقته اليومية

    ** على شعرنا العربي أن يتطور مهما يكن الثمن، على حساب أيّ الحالين: الشكل، أو الوزن، على شعرنا أن يطرق أبواباً جديدة ليطل على أبعادٍ وعوالم حديثة، وأن يعبر بحرية وتمرد عن الإنسان العربي الحاضر، أن يهدم.. ليبني، لا أن يقف أمام القافية القاسية كأنها الجلاميد مذعوراً. الشعر حياة، ولا يمكن لأي متفلسف أو ناقد أن يلملم أو أن يُمسك على جوهرها، أو أن يحبسها في مدرسة.

    *هل تخشى النقد؟

    ** النقد الموضوعي يحدد قيمة الكاتب الأدبية، على ألا يكون تشفياً أو مقصوداً، أضف إلى ذلك أن واسطة النشر ليست هي التي تشير إلى قيمة الشاعر الشعرية، إنما وحده النص الشعري هو صاحب القيمة.

    شاعر تمرد على الوزن والقافية

    * كيف تصف القافية إذن؟

    ** هي تلك الأحجار التي يسرقها معظم الشعراء من المعاجم لبناء ما يسمى بالقصيدة الهندسية المكرورة، علينا أن نكتب بدماء جديدة تخفق في إنساننا الحاضر الذي يعلو عن الأرض، علينا أن نبدع عقليات متطورة مرنة مشرقة، ترتفع بمشاعرنا إلى ما فوق الذرى، بمعنى أوضح، علنا نصنع أدباً جديداً بروح جديدة، وعقلية جديدة.

  • وكيف تجلى ذلك في شعر "إسماعيل عامود"؟
  • ** خذ مثلاً ديوان "التسكع والمطر" الذي نسجته من خلال حالتي المدنية، الواقعية بكل سخافاتها القديمة، لقد وجدت بعد التجربة والمعاناة، أن الكلام المتحرر المتمرد، إنما هو ذاتي الشاردة التي تبحث عن الإنسان، عن الشاعر الحقيقي.

    من ديوان "التسكع والمطر": "قلبي.. لم يعد يحتمل هؤلاء المحنطين

    الجبناء...

    ويطلبون مني القصائد الهندسية..

    التي هي أطول من المقت وليالي السجون الرطبة..!!

    هؤلاء... كم أمقتهم... عندما يفكرون

    بالحروب وأيام الانتصار..!!

    أغنيات تتقصف بسخرية.. تحت الأسوار الترابية".

    *هل ولجت "وادي عبقر" أم بنيت لك برجاً عاجياً لا يطاله أحد؟

    ** عملت دائماً على بناء مدينتي الشاعرة فوق القمر، أشرف على الأرض الخربة، وأنا متكئ على هذا الشعر المتحرر من ربقة وعبودية عصور محنّطة، وسنين جافة مرملة، لن تعود.

  • لماذا تميل أكثر إلى قصيدة النثر التي اشتهرت بها؟
  • ** أنا أكتب الأنماط الثلاثة: (الشعر العمودي والتفعيلة وشعر النثر)، لكن قصيدة النثر تعكس معاناتي الحقيقية فهي قصيدة موزونة نثرناها على الورق مفرداتها ومداليلها شاعرية أكثر منها تقريرية فيقل عدد الكلمات ويكثر حسب التوتر النفسي للشاعر.

  • "تسكع"، "كآبة"، "سفر"، "اتجاه معاكس"، مفردات عناوين تنبئ عن حياة قاسية، ما دور هذه المفردات في شاعريتك؟
  • ** روحي تميل إلى التسكع، ولا أقصد الضياع، أما كآبتي جاءت من الوسط الحزين الذي نشأت فيه، وفاة والدتي وأنا في سن مبكرة، إنها كآبة أحوال البشر، أي الحزن وليس البكاء، أما سفري في الاتجاه المعاكس إنما هو البحث عن المجهول، بمعنى أين نهاية المطاف، ومن أين أتينا، وإلى أين سنذهب؟ كل هذا خلق عندي روح الشاعر المتمردة، تمردت على الوزن والقافية الرتيبة.

  • هل تأثرت بشعر، أو بشاعر، وهذا التأثير كان له الدور في صقل الموهبة في البدايات؟
  • ** لا شك في ذلك، الإنسانية تفاعل، ولا عيب في ذلك، لا أنكر تأثري بالشاعر "أنور الجندي" وكان أستاذي في الصف الخامس في مدرسة "نموذج سلمية للبنين" عام /1943/، في مرحلة لاحقة تعرفت على شعر "علي محمود طه" الذي كتب "الجندول"، و"كليوباترا"، ولحنهما "محمد عبد الوهاب"، بعد ذلك تأثرت بالشعراء الرمزيين أمثال: "ألبير أديب، أمين نخلة، صلاح لبكي".

  • ماذا يعني لك كل من هؤلاء الشعراء: "أدونيس - سعيد عقل - سليمان عواد - محمد الماغوط"؟
  • ** "أدونيس": صديقي، عملنا معاً في "مجلة الجندي". "سليمان عواد": وجداني عميق ورومانسي متطرف. "سعيد عقل": أحببت شعره لكنني لم أتأثر به. "محمد الماغوط": كبير، فاقني بسخريته، ونصوصه المسرحية والسينمائية.

    * ما هي رسالتك الشعرية؟

    ** أكذب لو قلت إنني كنت صاحب رسالة -هذا في بداية الأمر- لكن كل شاعر لا بد أن يسعى إلى تجديد ما يكتبه في الشعر، ويطور ما وصل إليه من قبل، أضف إلى حالة الابتكار التي يجب أن تكون حاضرة في عقل كل مبدع، وهذا ليس بقصد التميز والشهرة، فأنا أؤمن بمقولة مفادها: "اكتب تاريخك، يأتي إليك التاريخ"، أنا لست شاعراً تقليدياً، حتى في الشعر العمودي، إذ تأثرت بالمدرسة الفرنسية الرمزية.

    الشاعر والسينمائي "علي سفر" حامل ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عام 2008 عن فيلمه "مطموراً تحت غبار الآخرين" الذي تناول فيه حياة وتجربة الشاعر "عامود"، قال: «شخصية "إسماعيل عامود" مثيرة لكونه من رواد قصيدة النثر السورية هذا من ناحية، وكذلك من الناحية الشخصية إذ إن حياته بتفاصيلها، نهوضاتها وانكساراتها هي شخصية تحمل مقومات درامية، الفيلم كان وثائقياً ولكن الأثر الدرامي كان واضحاً خاصة أن سِيَر الشعراء غالباً ما تكون محفوفة بتاريخ الأجيال التي يمثلونها».

    وتابع: «كان واضحاً من تلقي الجمهور للفيلم أن "إسماعيل عامود" قد تحول إلى بطل لمشهده، فصوته الشعري بدا نافراً وغير قابل للتأطير، وأظن أنه هو من صنع نجاح الفيلم الذي كان بسيطاً بأدواته».

    الشاعر "سليمان عواد" أضاف: «في أعماق هذا الشاعر الموهوب رغبة جارفة في التحرر من كل رواسب الأجيال الموغلة في القدم، وتعطش جامح إلى الذوبان في سيمفونية الحياة الخصبة المبدعة، ولكن أكدار الحياة تعكر صفو هذه الرغبة وذلك التعطش، من هذه النقطة تنطلق شرارة الكآبة في نفس الشعر حتى تستحيل إلى لهيب، يرافق ذلك غوص إلى الأغوار لالتقاط كنوز الأحاسيس والمشاعر في أسلوب ضبابي خفيف، وخيال متوثب، وأداء فني يلامس القمة الوردية في فردوس الشاعر المنشود».

    وكتب الدكتور الأستاذ "دريد يحيى الخواجة" في مجلة "الرافد" - العدد /130/ سنة /2008/ دراسة حول شعر "إسماعيل عامود" جاء في بعض منها: «إن أهم ما قدمتهُ أو ما أنجزته قصيدة النثر العربية والشاعر "إسماعيل عامود" أحد روادها المتميزين، هو هذا الانبهار بالخروج عن نمطيات الاتصال الجمالي في الشعر والأدب عامة، إن دراسة نص قصيدة النثر لدى "إسماعيل" بحاجة إلى أدوات نقدية عالية الدقة، لقد امتلك الجرأة والموهبة في التعبير وانسجم مع ذاته في نقل ما يحس به ويرى، لقد انفرد في قصيدته النثرية في شكلها وتجلياتها وسياقاته ما يملي دراسات تطبيقية كثيرة تفرد خصائصها وسماتها وآليات عملها في حاجة ملحة إليها».

    ــ الدكتور "غسان غنيم" أستاذ الأدب الحديث والمعاصر في جامعة "دمشق"، كتب قائلاً: «استطاع "إسماعيل عامود" عبر مسيرته الشعرية أن يدق بقبضتين قويتين جدران الشعر ليستمطره صوراً رائعة باقية، وأن يصدّع جزءاً من صخور التقليدية في الشعر، ويحرك راكد المستنقعات، ليستبدل بها حدائق بكر من الشعر الذي لم يقف عند حدود الوزن والقافية بل تجاوزها إلى قصيدة تكمن شرعيتها في شاعريتها الحقيقية».

    ــ قال فيه الشاعر "حسان عطوان": «"إسماعيل".. مدينة عشق حالمة تورق فيها /أفئدة الفقراء.. نار من رؤيا تتصاهل/ بين ظلام الضوء ونار الأنواء.. رئة تتناهبها المدن المسلولة ليلٌ مقرورٌ/ في أبدية كهف الوحشة/ "إسماعيل".. شوارع مغترب يتسكع تحت غيوم الله.. تجهش في أبدية رعب ودماء».

    ــ حول ديوانه "السفر في الاتجاه المعاكس" قال "محمد أبو خضور" عضو اتحاد الكتاب العرب: «الوطن في قصائد هذه المجموعة مشبع بالومض العربي، ويطمح الشاعر إلى الوصول إلى شط عريض تتكدس عليه جميع حلول العالم الثالث.. "إسماعيل عامود" في هذه المجموعة يجتاز مرحلة طويلة وجديدة في التجربة الحياتية الصادقة والمتفائلة بقوة هذا الشعب وأصالته الإنسانية».

    ــ الجدير ذكره أن الشاعر "إسماعيل أحمد عامود" من مواليد "سلمية" في عام /1928/، متزوج مرتين الأولى المربية "عائشة أحمد اللحام" أنجبت له تسعة أولاد، هم: "فاديا- أحمد فداء- محمد فواز- فاتن- حسان- علاء الدين- سحاب- سلمى- باسل".. وبعد وفاة الزوجة الأولى عام /1980/ ارتبط بالسيدة "رجاء خضور" وليس له منها أولاد.

    يذكر أن "إسماعيل عامود" حصل على الشهادة الابتدائية، ولم يكمل لأسباب مادية، حصل على الكفاءة حراً وتطوع في الجيش والقوات المسلحة، عمل محرراً في مجلة "الجندي"، وسكرتير تحرير للمجلة العسكرية، عضو في اتحاد الكتاب العرب منذ تأسيسه حتى تقاعده عام /1995/م، كما انتخب أمين سر "جمعية الشعر" في الاتحاد لمدة تسع سنوات.

    ــ سكرتير تحرير "مجلة الثقافة" مع "مدحة عكاش".

    ــ /1980/ حاز جائزة الشعر الأولى في المسابقة التي أعلن عنها اتحاد الكتاب العرب في "سورية" عبر مجلة "الموقف الأدبي".

    ــ /2006/ كرمته مديرية الثقافة في "حماة".

    ــ /2007/ كرّمه اتحاد الكتاب العرب في "دمشق" مع عدد من زملائه المتقاعدين.

    ــ أنجز عن حياته الفيلم الوثائقي "مطموراً تحت غبار الآخرين".

  • صدر له: "من أغاني الرحيل، كآبة، التسكع والمطر، أغنيات للأرصفة البالية، أشعار من أجل الصيف، الكتابة في دفتر دمشق، السفر في الاتجاه المعاكس، العشق.. مدينة لا يسكنها الخوف، خبز بلا ملح، مبعثرات"، وكتاب (وبعض الشعر عذب).
  • ــ /1946/ نشر أول قصيدة في مجلة "الصباح الدمشقية".

    ــ تتالت منشوراته في دوريات عربية سورية ولبنانية وبعض الدوريات المصرية.