هو في الأساس مهندس برمجيات، إلا أن إغواء الأدب سرقه ليبدأ تجربة مسرحية مختلفة عن السائد.

مدونة وطن eSyria التقت الأديب الشاب "زياد العامر" بتاريخ 25/5/2013 وكان الحوار التالي:

نص زياد ليس تعميمياً ولا سياسياً، نصه متاهة تعيد أحجية الوجود والماهية لاختيار الجبر، وهي تفلت من المعنى الجاهز وتترك للمتلقي أن يعيد تركيبها كما هو حال مسرح بريخت، الوعي يجب أن يحدث داخل المتلقي وليس داخل العمل

  • نشرت مجموعتك الأولى "مشيئة السكين، خطيئة البنفسج" باسم مستعار هو "حلاج الياسمين"، وهذا غريب في زمن يبحث فيه الأدباء عن أسمائهم الحقيقية دوماً؟
  • غلاف مشيئة السكين الأمامي

    ** الاسم المستعار الذي اخترته يعنيني كثيراً لم أنتقه عن عبث فقصة الحلاج أثرت فيَّ كثيراً، وكلما تذكرت الحلاج وعبارته الأشهر "ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم ركعة العشق وركعة الشهادة" سرت قشعريرة في جسدي، من الجميل أن يسمي الإنسان نفسه أحياناً، ومن جهة الحلاج أظن أن بيننا مشتركاً نفسياً كبيراً فقد كان عنوان أول مسرحية لي "اللامؤمن" واللامؤمن كان حلاجاً في النهاية، وقد عاقبت الناس الحلاج لأنها لم تفهمه.

  • هل للبيئة التي ولدت أو عشت فيها أي تأثير على هذه الانطلاقة؟
  • غلاف مشيئة السكين الخلفي

    ** البيئة التي تربيت فيها هي بيئة مدينة سلمية، والحوار كان مفتوحاً على مقاعد الدراسة وفي سن صغيرة، فكانت الأحاديث تدور في حصتي الديانة والقومية، وقد قضينا سنة كاملة مع أستاذ الديانة القادم من مدينة حماة نتناقش في قضايا الكون الكبرى (الوجود والعدم ..) ومع أستاذ القومية كانت القضايا القومية والتجارب الثورية وما دار في فلكها، كنا نخرج عن المنهاج في المادتين وأحياناً لا نذكرهما أبداً، أستاذ الديانة كان يطالع كتباً في الإلحاد ليناقشنا، كنت أميل إلى التصوف حينها وتعرفت إلى المبدأ التصوفي من خلال إخوان الصفا، والدارج الديني وقتها ولكني حين تعرفت إلى الحلاج، أحسست بانفتاح ضخم في روحي، ثم تعرفت إلى كتب "ابن عربي" فكان التصوف اكتشافاً لإله الكون بطريقة مختلفة وأصبحت غربتي عن المجتمع مبررة.

  • هل يجب دوماً حدوث هذه الغربة برأيك؟
  • زياد عامر

    ** لم أتوقف عند التصوف وربما تأثرت بالمدارس المادية لاحقاً، ولكن تظل التجربة الصوفية عميقة، الغربة تحدث ببساطة حين تسأل أول سؤال ولا تقتنع بالإجابة فيما جميع من حولك مقتنعون، وأن يستمر هذا السؤال يطرق بابك ربما لا تقتنع بإجابتك أنت حتى. لدي جدليات دائمة، ولا تتوقف الأسئلة.

  • كيف انعكس التصوف في مسرحياتك.. كأنك ذكرت "صلاح عبد الصبور" في "مأساة الحلاج"؟
  • ** ربما كانت الحياة مجرد سؤال ولذلك كتبت "ولماذا" وهو عنوان ثالث المسرحيات، أما اللامؤمن فقد كانت مجرد سطرين في داخلي: بم أنت لا مؤمناً؟ بما لا يؤمن به الآخرون! وكتبتها في يوم وليلة واحدة. اللامؤمن كان متصوفي الأول.... كان يؤمن بما لا يؤمن به الآخرون.

  • وقلت لنفسك ما تريد قوله؟
  • ** الشيخ الذي يملك جميع الإجابات، قتلوه،لأنهم لا يملكون إجابته، محارب ومن يحاربه لا يدري لماذا يحاربه، وكنت أقصد بها كل ما يتناوله المجتمع من دين وثقافة وسياسة وعادات وتقاليد، ويحارب بها الإنسان ويحارب لأجلها دون أن يفكر في ماهيتها، قد لا تملك بعداً إخراجياً عميقاً ولكنها حملت جل أفكاري عن المجتمع، المسرحية الأولى كانت مجتمعية تتكلم عن السجن المجتمعي، الثانية المدعوة "أنا الشجرة"، أتكلم بها عن السجن الخاص بكل فرد، الأنا التي تقيدنا برغباتها، تسجننا، أنا سجين أناي وما أريد، هذه عبارة من النص، نحيا بعبودية مطلقة لهذه الأنا وقد اقترحت الحب كحل لنكران الأنا، وربما يكون هذا الحب تصوفاً وربما الحب المعروف المهم أنه الحب ولا أعتقد أني قلت لنفسي ما أريد أن أقوله.... مازال الطريق طويلاً... وربما كان المستحيل.

  • كأني انتبهت أنك غارق في الألم. هل الألم يخلق الحياة مرة ثانية بصورة أبهى أم انه جزء من تصوف يبحث عن اكتمال؟
  • ** أعتقد أن المبدع غارق في الألم بالفطرة، كل يضيف مما لديه، أعتقد أنه سيأخذ صورة أبهى لأنه من طبع الحياة الانتقال إلى الأجمل، في النهاية مجموعة "مشيئة السكين خطيئة البنفسج"، مترابطة، أعتقد أن هذه المسرحيات الثلاث لها بنية واحدة، أعتقد أن عبارتك أجمل مما سأرد، سأكتفي بجزء من تصوف يبحث عن الاكتمال، بدأت متصوفاً، ولا أعلم أين أنتهي، حتى التصوف قد يبدو ضيقاً أحياناً.

  • كيف يمكن نقل التصوف إلى الخشبة؟
  • ** المسرحيون متصوفون في النهاية والحلم المسرحي حلم تصوفي، المسرحي يحمل كل ألمه ليجسد فيه كل وجع الإنسان، يتحسس شعبه فهو لديه وهم الخشبة ويقول في داخله: على الخشبة أنت ستقبلني ولكن على أرض الواقع قد لا تفعل، وعندما أحادثك على الخشبة سوف تفهمني أو تحاول فهمي، المسرحي متصوف مع الخشبة ويعتبرها غاية الغايات، المسرحي أقصد الممثل والكاتب والمخرج وكل من يشارك في صناعة النص وإعطائه روح الآخر، المسرح هو تصوف يملك حضوراً وجمهوراً.

    الخشبة مختلفة عما بخيال الكاتب ويحتاج الأمر إلى خبرة عالية كي يكتب تماماً ما يمكن تجسيده على الخشبة، رغم أني أتفاعل مع الشخصيات وأتخيل المسرح بل أحياناً أقف وأؤدي بعض الأدوار، ولكن يبقى التجسيد على المسرح مهمة صعبة تعود إلى المخرج الذي عليه أن يكون مبدعاً أيضاً ومشابهاً للكاتب فكرياً حتى يفهم الفكرة.

  • هل هناك دور للمسرح في ظل طغيان الميديا الكبيرة على كل شي؟
  • ** لكي أكون واقعياً الميديا طغت على كل شيء وأدت إلى انحسار دور المسرح، ولكن الأمر سجال ويجب على المسرح أن يمد يداً للإنسان البسيط وحينها سيقبل عليه. في النص الذي كتبته مؤخراً حاولت أن أكون بسيطاً جداً بعيداً عن رغبتي الشديدة في أن اكتب فكراً فلسفياً بحتاً، كتبت بالعامية وانتقيت شخصيات من عامة الشعب انتقيت نادلاً كي يقول ما أريد أن أقوله.

    المسرح لن ينتهي سحره وسيظل الأب الحاضن لكل الآداب ولن تستطيع مطرقة الميديا كسره، ولكن الأمر يحتاج إلى تثقيف شعبي وإلى عمل مشترك بين الدولة والإنسان والمسرحي، المسرحي عليه أن يخاطب العامة، ومن الواجب تثقيف الناس من خلال التربية والمدرسة وغيرها من القنوات.

    الشاعر العراقي "علي الطه" قال عن مسرحيات "العامر": «نص زياد ليس تعميمياً ولا سياسياً، نصه متاهة تعيد أحجية الوجود والماهية لاختيار الجبر، وهي تفلت من المعنى الجاهز وتترك للمتلقي أن يعيد تركيبها كما هو حال مسرح بريخت، الوعي يجب أن يحدث داخل المتلقي وليس داخل العمل».

    فيما قال الشاعر "صقر عليشي" عنه: « شاب موهوب، يمتلك خيالاً لافتاً، يعمل بجد ونشاط، لم يستقر بعد على نوع معين من الكتابة، مفتوح على احتمالات متعددة من المسرح إلى الشعر إلى غير ذلك، ولكنه لن يتأخر علينا بإبداع متميز وحضور جاد في الساحة الثقافية".

    يذكر أن الأديب الشاب من مواليد عام 1985 مدينة سلمية محافظة حماة. ويقوم المخرج السوري "فرحان خليل" بتجهيزاته لإخراج مسرحية له بعنوان "لازم حل" وهي نص جديد لم ينشر بعد.