تعد "النواعير" من أهم مصادر الإلهام في "حماة" خاصة وغير "حماة" بشكل عام، تلهم شعراءها وأدباءها وفنانيها ومصوريها الذين مروا بها وشاهدوها واقعاً، والذين شاهدوا صورها أيضاً، حيث لا يوجد شاعر في "حماة" إلا وله شعر فيها، ولم يمر شاعر ولا زجال إليها إلا وهيجت له قريحته الشعرية فتغنى بها، فكل واحد يعتقد أنها تغني له أو تغني على ليلاه.

وإن كثيراً من الزائرين والباحثين والرحالة والرسامين والأدباء عندما مروا بـ"حماة" وشاهدوا نواعيرها، فقالوا مقالات فيها تعبر عن الإعجاب والحب والانجذاب، فـأمير الشعراء "أحمد شوقي" عندما زار "حماة" ونواعيرها ومنها ناعورة "الدهشة"، قال: «ليت على "النيل" نواعير مثلها». وعندما قال له "محمد كرد علي": «إننا ذاهبون إلى بلد نصف أهلها شعراء». قال "شوقي": «الغريب ألا يكون النصف الآخر شعراء أيضاً».

النواعير تنفث الضجر القاتم ما بين رجعها والزفير سئمت عمرها الطويل فما/ تندب إلا خلودها في الدهور

أما الأديب الفرنسي "موريس بارس" في روايته "جنة العاصي" والتي كتبها إثر زيارته لمدينة "حماة" في العام 1914 قال: «في "حماة" وفي يوم محرق من أيام يونيو 1914، وفي مقهى صغير وعتيق، كنت جالساً على ضفة "نهر العاصي"، والنواعير ترفع مياهه وتتابع دورتها ليل نهار، على طول المجرى، فتملأ بأنينها أجواء الفضاء».

الناعورة"النورية" وجسر الكيلانية

وينقل "ممدوح الزوبي" عن أحد الرحالة الأجانب قوله: «عندما أبصرت نواعير "حماة" التي تقف شاهداً على عظمة العقل العربي والإبداع العربي، وعندما تطاير رذاذها ليغمرني بالسعادة هتفت مغتبطاً لهذه الرؤية البديعة».

أما "جين هيرو" في دليل عام 1977 عن "سورية اليوم" وفي فصله عن مدينة "حماة" يقول: «يصدر من ضفاف النهر صوت لا يتوقف، هو أشبه ما يكون بصرير عربة تجرها الثيران، ينفذ إلى الشوارع الضيقة، ويتخلل المدينة بكاملها حتى يبلغ مداه إلى القلعة... ذلك صوت نواعير "حماة"، نداء يكاد يشبه نداء المؤذن إلى الصلاة، أجش، حزين، وخالد».

الناعورة "الجسرية"

وللنواعير حظوة في قريحة الشعراء، فها هو الشاعر العراقي "أحمد الصافي النجفي" يقول فيها: «وبها نواعير متى أبصرتها/ أبصرت أفلاك السماء تدور

تبغي مصافحة السماء إذا علت/ فتردها شوقاً إليه غدير

ناعورة "المأمورية" شتاء 2008

تبدي من الأزل الأنين كأنها/ منذ البداية عاشق مهجور

تشجي وتسكرنا أغانيها فهل/ من نهرها العاصي بهن خمور».

كما إن للشاعر الكبير "عمر أبو ريشة" تأويل جميل لأنين النواعير، فهو شهيق وزفير من الضجر الدال على خلودها، حيث يقول:

«النواعير تنفث الضجر القاتم ما بين رجعها والزفير

سئمت عمرها الطويل فما/ تندب إلا خلودها في الدهور».

أما الدكتور "مأمون الشقفة" فيقول في صوت ظنه صوت النواعير شوقاً لذلك الصوت، معبراً عن شوقه الشديد لسماع صوت النواعير وهو في غربته:

«فتحت عيني على لحن تملكني/ سرى بكل أحاسيسي وتفكيري

كأنني نائم في حينها سحرا/ أقول بالله يا ناعورتي دوري

كأنما اشتعلت كل المآذن في/ لحن تردده كل النواعير

فتحت عيني فوا حزناه ذاك إذن/ صوت المكيف لا لحن النواعير

يا من يزور حماة ثم يرجع لي/ هلا تسجل لي صوت النواعير».

أما الشاعر الكبير "محمد منذر لطفي" فقد تغزل بمدينة "حماة" وجمالها وحضارتها وعاصيها، ويذكر بعضاً من بطولات "حماة"، ويقول أن النواعير مثال حي على أن "حماة" مهد الحضارات، ثم يستعيذ بالله من حاسديها على ما وهبها الله بقوله:

«وللنواعير أنغام... ترددها/ شطآن ساقية... تحلو أغانيها

ويا رعى الله عاصي الحب في بلدي/ يقصي "الجميلة" حينا ..ثم يدنيها

ما أعذب الليل إن راحت تداعبه/ أنسام وادي "حما".. أكرم بواديها

عوذت حسنك بالرحمن ما طلعت/ شمس على الكون.. أو غابت دراريها».

والشاعر الكبير "وليد قنباز" وفي قصيدته "ما أحلى اللقاء"، يقول في النواعير رغم أنه بعيد عنها ولم يتغير تجاهها: «ناعورة العاصي الحبيب ألا انظري... قلب المدله في هوى... في المهجر القاصي هنا.. لم يفتر.. عن دفقة الوادي الجني.. والمنحنى.. لكن قلبي في غرامك ما ونى.. إني هنا.. روح يمزقها البعاد... ويحيطني ليل السهاد... ماذا هنا...؟!».

المصدر: كتاب (الناعورة...عبق التاريخ وأنشودة المجد) لمؤلفه الأستاذ "محمد يحيى زكريا شقفة".