تتميز الأديبة الشابة "سماح حكواتي" بأسلوب جميل ومتميز، بدأت حياتها عاقدة العزم على حصد النجاح تلو الآخر، فكان النجاح والتفوق من نصيبها في كل المراحل الدراسية التي مرت بها، عملت جاهدة من أجل أن تتبوأ مكانة عالية ومتقدمة بين الأديبات في "حماة" وخارجها، نالت بأعمالها إعجاب كل من قرأ لها من كتاب ونقاد وجمهور، وحصدت العديد من الجوائز، قال عنها أ.د "راتب سكر" أنها "نابغة" وأن كتاباتها تشكل علامة فارقة وذكية في كتابات جيلها الثقافي، حيث إنها كتبت قصصاً عديدة فأبدعت وأقنعت وبرعت وتفوقت على ذاتها تفوقاً ملحوظاً، كتبت العديد من الصحف والمجلات في "حماة" و"حمص" و"دمشق"، لأن أعمالها تتصف بالجودة والإتقان كتبتها بقلم واع ومثقف وجميل وبأسلوب متقن، قلمها مبدع ويرفرف في سماء الإبداع والتألق دائماً.

eSyria التقى الأديبة الشابة في 17/9/2009 وتحدث معها عن بدايتها الأدبية وتمكنها من جذب عدد كبير من القراء والمعجبين لكتاباتها حيث قالت:

وإن الكاتبة تحلم بمجتمع جديد يتمرد على ذئاب الكون، ويكتشف خلاصه في وسط جحيم المعاناة، وهي تستطيع أن تبث في هذا المجتمع عبر رموزها اللغوية البسيطة قدرة هائلة على التجاوز والتخطي والظفر

«أنا من مواليد "حماة" العام (1984)، وكنت في المرحلة الابتدائية رائدة على مستوى القطر في الفصاحة والخطابة، واستمرت ريادتي حتى أنهيت الثانوية العامة بفرعها العلمي، إلا أنني أحببت الأدب العربي جداً وتعلقت به، لذا قررت دخول كلية الآداب قسم لغة عربية، وتفوقي استمر معي في الجامعة، حيث كنت دوماً من الأوائل، وفي الشهر السابع أنجزت رسالة ماجستير عبارة دراسة أدبية بإشراف الدكتور "راتب سكر"».

في اجتماع مع الدكتور راتب سكر

وتابعت حديثها:

مع اعضاء لجنة الحكم

«وموهبة الكتابة كانت عندي مسبقاً، لكني ما كنت أدرك أن ما أكتبه له أهمية أدبية أو أنه يصلح للنشر أو أنه يجذب القراء، وساعدني على الظهور والتطور الدكتور "راتب سكر"، فقد عرفته منذ العام (2002) حيث كان يوجهني فيما أقرأ وأكتب، وأول مقالة نشرت لي في عام (2003) في صفحة "أدب الشباب" في "جريدة الفداء"، وكانت عبارة عن دراسة أدبية عن المجموعة القصصية للدكتورة "رنا أبو طوق"، حيث عرض الدكتور "راتب" عليّ هذه الفكرة وأنا في السنة الثانية في كليتي، ثم نشرت لي مقالة أخرى وعدة قصائد وقصص، وبعدها كان انتقالي في الكتابة من صفحة أدب الشباب إلى "الصفحة الثقافية"، وما كنت أعرف لماذا، ولعله كان بسبب إعجاب بكتاباتي أو تشجيعاً لي على الاستمرار، وحتى الآن أكتب مقالات في "جريدة الفداء" في "حماة" و"العروبة" في "حمص" وفي "الأسبوع الأدبي" في "دمشق"».

وعن الفائدة التي حصلتها من كتابتها في الجرائد والأسبوعيات المختلفة قالت:

مع الدكتور راتب بعد حصولها على "الامتياز"

«صفحة أدب الشباب علمتني أشياء كثيرة، في مقدمتها "الالتزام"، فأسبوعياً كان يجب عليّ أن أكتب مقالة أو قصة أو شعراً يوافق النشر لتنشر كل خميس في تلك الصفحة، وأيضاً علمتني "القراءة"، فكل زاوية كنت أكتبها أسبوعياً كنت أحضر لها في ثلاث أو أربع كتب كي يكون نتاجي مفيداً، فضلاً عن الدافع النفسي الكبير والتشجيع الذي منحتني إياه، وأنا أعمل على إصدار كتابي الأول، ومن مشاريعي أن أنشر كتاباً كل عام».

وفي حديثها عن رسالة الماجستير التي حصلت عليها بدرجة "امتياز" قالت:

«قدمت في 22/7/2009 رسالتي بعنوان "أثر الاتجاهات النقدية العالمية في نقد جورج طرابيشي"، تكمن صعوبة هذه الرسالة في الشخص الذي قدمت الرسالة فيه، لكونه بشكل شخصي ناقداً إشكالياً ومفكراً، وكان له توجه سياسي معين في فترة زمنية معينة، إضافة إلى مؤلفاته الكثيرة، حيث كان له ما يزيد عن (200) كتاب مترجم عن الفكر والأدب والنقد الأدبي، وأيضاً الصعوبة كانت بجمع المصادر وجمع المراجع عن "جورج طرابيشي"، فالمكتبات كانت فقيرة جداً بمعلومات كاملة عنه،

والبعض من المؤلفات لم يكن موجوداً منها سوى نسخة واحدة في "مكتبة الأسد"، لذلك اضطررت لتصويرها على شكل دفعات بسبب صعوبة استعارتها، حتى استطعت جمع المراجع والمصادر كلها، وأيضاً واجهتني صعوبة أخرى وهي في دراسة الاتجاهات النقدية وترجماتها عربياً وأصولها الغربية، لكون رسالتي موضوعها نقدي، وكنت بحاجة أيضاً إلى مقارنة المصادر العربية بالغربية مع الحقبة الزمنية التي ظهر فيها "طرابيشي"، وبعدها بدأت الدراسة التي ابتدأت بأربعة أشهر من القراءة المتواصلة فقط، ثم في الثلاث أشهر اللاحقة أنجزت الأطروحة كاملة كتابة، وبحكم شروط الجامعة لم يسمح لي بمناقشتها قبل عام، لذا أكملت السنة في المراجعة والتدقيق، وهذه السرعة لأن هذه الكلية التي دخلتها في يوم من الأيام طالبة مبتدئة، أتمنى أن أدخلها بصفة "معيدة"».

وعن كيفية تقبلها للنقد لكونها تمارسه ضمن دراستها قالت:

«أنا أنظر للنقد من عدة زوايا، فهناك ما يتعلق بشخصية الناقد وثقافته، وأيضاً موضوع النقد لأن اختصاصي اتجاهات نقدية، وأيضاً ما يهمني سوية النقد والأسس التي أرتكز عليها، وهناك أيضاً الناقد نفسه، تلك هي الشروط التي إذا ما توفرت في النص النقدي الذي يوجه إلي أتقبله مباشرة، لذلك لا مشكلة لدي في النقد،

وأنا بدأت منذ عمر صغير في ممارسة الأدب، وكنت بحاجة لسماع أي رأي يقال عني، وكانت البداية مع الدكتور "راتب سكر"، فكل ما كنت أكتبه كان عليه خطوط حمراء وإشارات استفهام، ثم الأستاذ "رضوان السح" حيث كانت نقده يوجه إلي حول طبيعة المقالات وطولها، وكان يطلب مني التركيز أكثر في جوانب معينة من الكتابة والأسلوب والأفكار المطروحة، وهذين الناقدين أفادوني جداً وكنت أرتكز على آرائهما، فلنقد الأكاديمي في "حماة" قليل جداً لأن نسبة كبيرة من أدباء "حماة" من الشعراء».

وعن التوجه الكبير لها نحو "القصة" وابتعادها عن "الشعر" رغم تجاربها فيه قالت:

«أنا من كتاب الشعر والقصة، لكن أمام شعراء "حماة" خصوصاً وسورية عموماً رأيت نفسي أني لا أستطيع فعل شيء أو ترك بصمة معينة، وصعود سلمهم سيكون صعباً جداً عليّ، فضلاً عن أعدادهم الكبيرة، أما كتاب القصة والرواية فهم اثنان أو ثلاثة لا أكثر، لذلك وجدت نفسي في القصة أفضل من الشعر،

وأيضاً لأنني أحببت مساحة التعبير الكبيرة في القصة، لكني لا أستطيع أبداً الابتعاد عن الشعر، ففي كل شهر أقرأ ديواناً من دواوين شعراء "حماة"، وهناك أمر آخر، وهو صعوبة تقبل الأديب الشاب إذا كان يحق لي التسمّي بهذا الاسم، وفي مساعدته وإتاحة له مكان له في المستقبل، وفي "حماة" لأني نشأت فيها معظم الأدباء من كبار السن، وهم بدؤوا يتحكمون بظهور المثقفين بقصد أو دون قصد، وأنا أعتقد أن إتاحة الفرصة للأديب الشاب يجب أن تكون من شخص أكبر منه خبرة، وإلا سيعيش ويموت دون أن يعرفه أحد».

أما الدكتور "راتب سكر" فتحدث عن رأيه بـ"سماح" حيث قال:

«أنجزت هذه النابغة في السنوات الماضية مجموعة من البحوث الأدبية القيمة التي نشرتها في مجلات "جامعة البعث" وغيرها، وإن ما نشرته من مقالات بالإضافة إلى ما أنجزته في رسالتها العلمية، يجعل المرء يجزم أنها ماضية في طريق النجاح العلمي والثقافي والأدبي الجاد، ولابد من التوقف في هذا المقام على ما نشرته من قصص قصيرة ونصوص سردية، فهو يشكل علامة ذكية وفارقة في كتابات جيلها الثقافي، فمكونات البناء السردي في شغلها يتسم بعناصر إبداعية هامة، أبرزها التناص مع الموروث الديني والتاريخي والأدبي باتجاهاته العربية والأجنبية المتنوعة، مثل استغلالها قصة "ليلى والذئب" في نص سردي يصدم القارئ بمخالفة المألوف ضمن ما هو سائد عن مصير ليلى، وإن الكاتبة الجديدة تبحث عن مصير مختلف لـ"ليلى"، وكأنها تريد مصيراً مختلفاً لكل الأشياء، ولا سيما الأشياء الرامزة لهويتها وهوية مجتمعها العربي الحديث، الذي يواجه مصائر ليست أفضل حالاً من مصير "ليلى" المسكينة في علاقتها القديمة بـ"الذئب"».

وأضاف:

«وإن الكاتبة تحلم بمجتمع جديد يتمرد على ذئاب الكون، ويكتشف خلاصه في وسط جحيم المعاناة، وهي تستطيع أن تبث في هذا المجتمع عبر رموزها اللغوية البسيطة قدرة هائلة على التجاوز والتخطي والظفر».

وعن أهمية رسالة الماجستير التي قدمتها "سماح حكواتي" تحت إشرافه قال:

«لهذه الرسالة أهمية علمية وثقافية كبيرة، لأنها ترتبط بمحورين أساسيين مهمين من محاور الشغل النقدي والفكري المعاصر، الأول هو ما يتعلق بأهمية "جورج طرابيشي" ناقداً ومفكراً ومترجماً، فهذا الرجل الذي ينعم حالياً بتأملات العقد الثامن من عمره، أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب عندما ترجم بلغة عربية مميزة أمهات المراجع والمصادر في ميادين علم النفس والفلسفة والنقد والفكر، وألف في هذه الميادين أيضاً عدداً من الكتب التي تناولت في نقضها المترجم الروائي العربي على مائدة أسئلته الكبرى حول العلاقة الشائكة بين هويته العربية والإسلامية والغرب، ومتوقفاً على أعمال عدد غير قليل من كبار الروائيين والكتاب مثل "توفيق الحكيم" و"نجيب محفوظ" و"الطيب صالح" و"حنا مينه" وغيرهم، مدركين المخاطر الكبرى التي تهدد هويتهم ووعيهم المعرفي والوجداني للوجود والعالم للنقد العربي الحديث الذي شكل "طرابيشي" أبرز أعلامه المخلصين لإرث هويتهم العربية والإسلامية في حوارها الساخن والمعقد مع الثقافات العالمية في زمن يواجه فيه العرب تحديات وجود حاسمة».

تابع بقوله:

«أما المحور الثاني الذي ترتبط به أهمية هذه الرسالة فهو اجتهادها في توصيف عدد من الاتجاهات النقدية العالمية، كالاتجاهين النفسي والتاريخي وتحليل مؤثراتهما في جهود "جورج طرابيشي" النقدية، تحليلاً يبرز جانباً مهماً من جوانب المكونات الثقافية».