كان لإقباله على الشعر العربي الأصيل الأثر في إشراق ديباجته، ووضوح معانيه, ويسر قافيته, وسهولة ألفاظه, مع احتفاظه بشعوره وأحاسيسه الخاصة، وشعره فياض بالروح والوطنية والقومية, يتغنى بالتضحية أينما وجدت، والرجولة حيثما كانت, ويبارك كل حركة من شأنها أن توحد كلمة الأمة وتجمع شعثها، هذا هو الشاعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" جلسة واحدة معه تجعلك تحبه وتجله وتبني بينكما ألفة، حاز على محبة عارفيه فلقبوه بـ"الشيخ الجليل" و"العم" و"الأستاذ" و"الشاعر" و"المربي" و"ذاكرة حماة".

eSyria التقى الشاعر "عبد الوهاب الشيخ خليل" في منزله في 1/9/2009 ليطلع منه بشكل أكبر على حياته التي لاقى فيها صعوبات كبيرة حيث قال:

أنا أرى أن الشعر ما زال بخير, فأنا لا أنكر الفن إذا كان موجهاً غايته الإصلاح يتصعد بالذوق العام ويسمو بالإنسان، وهناك الكثير من الشباب يبشرون بالخير رغم صغر سنهم، وأنا أضع نفسي في خدمتهم دوماً، ودائماً أقول لهم "اقرأ كثيراً واكتب قليلاً" وأن يجعلوا من المطالعة زادهم كي يصبحوا مستودع علم وفن ينضح، وأن يكونوا كما قال ابن المقفع (أدبت نفسي بنفسي، كنت أرى الخير فاتبعه, وكنت أرى الشر فأتجنبه)

«أنا ابن مدينة "حماة"، ولدت في العام الذي كانت تشهد فيه ثورتها ضد الفرنسيين والتي عرفت بثورة "القاوقجي" في عام (1925), تلقيت التعليم في بداياتي في "الكتاتيب" لكون "حماة" لم يكن فيها سوى مدرستين في بناء واحد، وكانتا حكراً على أبناء الأغنياء وأنا لست منهم, وكعادة أهل "حماة" في ذاك الوقت متى بلغ الطفل عشر سنوات ألحقوه بمهنة معينة عله يتعلم "الكار" وكان نصيبي صناعة الأحذية، وعندما بلغت العشرين من عمري قررت أن أتعلم وأن أنال شهادة، وكان طريقي شاق جدا بين عمل ودراسة لكنني كنت صبورا فحققت ما عزمت عليه ونلت الشهادة الابتدائية وتوظفت على إثرها "شرطيا"، وخلق هذا العمل أوقاتاً للفراغ لدي فملأته بالمطالعة والدراسة والقراءة، ونلت بعدها الشهادة الإعدادية التي خولتني لأن أتقدم لفحص قبولي كـ"معلم"، فقبلت وعينت مدرساً في "الجزيرة" وبقيت هناك خمس سنوات، ثم عدت لـ"حماة" وأكملت دراستي الثانوية وحصلت على شهادتها ثم دخلت كلية الحقوق في عام (1961)، ثم تخرجت وحاولت أن أتوظف على أساس شهادة الحقوق لكني لم أكن أملك رسم الانتساب لنقابة المحامين فحرمت من العمل وحرمت أيضاً من أن أتوظف على أساس هذه الشهادة, وتابعت عملي كمدرس للمرحلة الابتدائية ثم أرسلت إلى السعودية لأعلم في مدارسها وبقيت هناك سبع سنوات، ثم عدت إلى "حماة" ومارست نشاطاتي الأدبية وغيرها وانتسبت لـ"اتحاد الكتاب العرب" فيها، ثم أصبحت من شعرائها ذوي الصبغة الرسمية».

مع الااستاذ عبد المجيد عرفة

وأما عن البداية فقال:

هدية من باحثين في حماة

«شاءت الأقدار أن والدي يحب الاستماع إلى القصص والسير الشعبية من "الحكواتي" التي كان يتخللها الأشعار، وكان يصطحبني معه لاستمع، ولأن الطفل صفحة بيضاء تأثرت وصرت أقلد ذلك تدريجيا، ونما في داخلي النغم الشعري بقصد ومن دون قصد ونمت عاطفتي أيضاً مع كبر سني، فبدأت كأي إنسان شاب أكتب، ولكن كتاباتي غالباً ما سيطرت عليها النزعة الطفولية، ومع المطالعات والقراءات نضج العقل والحس والشعر عندي، وصرت أفرق بين الغائم والواضح وهذا هو المقياس الذي قست به شعري».

وأضاف:

«لو نظرنا إلى نفس الإنسان فلسفياً فإن في كل إنسان يكمن شاعر، لأن الشعر أحاسيس ولا يوجد إنسان إلا وفيه تلك الأحاسيس الإنسانية بالفطرة, وكل الشعر عبارة عن أحاسيس يعبر عنها بطرق فنية متفق عليها تقريباً، وإذا أتيحت لهذا الشاعر ظروف تسمح له بالخروج فإنه يخرج، ولكن المعوقات موجودة في حياة البشر, فأنت تملك إحساساً معيناً وفي نفس الوقت تملك معاناة معينة، وأحياناً تكون المعاناة جزءاً من المعوقات التي تمنع ظهور المواهب والإحساسات معها، وأنا أحد هؤلاء الناس الذين شاركتهم الفطرة».

شهادة تقدير من اتحاد الكتاب

وعن مخزونه ونتاجه قال:

«الشعر يكتبني ولا أكتبه، فأنا كتبت في حياتي الكثير من الشعر لكن ليس كله مطبوعاً، لأننا مازلنا نعاني من مشكلة الطباعة بسبب بعض المعوقات، ولدي ديوان بعنوان "مناجاة الشموع" نشر في عام (1978) وديوان آخر طبع بعام (2003) كان بعنوان "سماط الروح" ومن خلال هذا التباعد بالتاريخين يمكنك استشفاف حجم مشكلة الطباعة, وأخيرا صدر كتاب من اتحاد الكتاب العرب يتناول أشعاري, وأنا نشرت كثيرا في الصحف ودوريات اتحاد الكتاب وفي كثير من الصحف في الخارج.

أكتب الشعر العمودي وهذا هو اللون الذي أفضله لأنني أشعر فيه براحة كبيرة رغم أنه صعب لأن قيود القافية ليست سهلة، ولكنني تمكنت منها وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من إحساسي، وأكتب شعر التفعيلة لكن بشكل أقل وأبتعد كلياً عما يسمى بالقصيدة الحرة والتي تعتمد على الصور».

وتابع قائلاً:

«أما كتاباتي النثرية فكثيرة أيضا، فأنا كتبت بالصحف سلسلة بعنوان "أوراق" صورت فيها الظرف الاجتماعي في ثلاثينيات القرن الماضي والأحوال الاجتماعية في "حماة" من كل النواحي, وأيضاً "رجال من سوق الطويل" كتبت فيه عن رجال من المجتمع ليس من أجل غناهم أو مكانتهم الاجتماعية بل من أجل مواقف رجولية مميزة، وهذه الكتابات اعتبرتها نوعاً من التوثيق لتاريخ "حماة" في مرحلة الثلاثينيات، وحبي للشعر يفوق اهتماماتي الأخرى, فالشعر أكثر تعبيراً عن أعماق النفس وهو ينضح من القلب، أما الكتابة النثرية تنضح من القلب والعقل».

وعن تجاربه في كتابة الشعر للأطفال لكونه كان مدرساً للمرحلة الابتدائية قال:

«هناك نوعان من الكتابة في هذا المجال، فهناك الكتابة للأطفال وهذا لم أتطرق إليه كثيراً في شعري، وهناك كتابة عن الأطفال وأنا كتبت كثيراً عنهم، ولكي يتمكن الإنسان من ذلك يجب أن يتمتع بقدر كبير من العلم في نفسية الطفل، فنحن درسنا في دار المعلمين علم نفس الطفل نظرياً, لكن المعلم الذكي أو الذي يحب مهنته يدرس نفس الطفل من المعاملة, فالطفل عالم مغلق من يفتحه ويبحر فيه سيكون على درجة كبيرة من الذكاء، فبقدر ما أن الطفل سريع التقبل فهو سريع الانغلاق، وأنا كتبت الكثير من القصائد حول هذا الموضوع».

وعما وصل إليه الشعر في "حماة", وكيف يقيمه, وما هي النصائح التي يوجهها للشعراء الشباب قال:

«أنا أرى أن الشعر ما زال بخير, فأنا لا أنكر الفن إذا كان موجهاً غايته الإصلاح يتصعد بالذوق العام ويسمو بالإنسان، وهناك الكثير من الشباب يبشرون بالخير رغم صغر سنهم، وأنا أضع نفسي في خدمتهم دوماً، ودائماً أقول لهم "اقرأ كثيراً واكتب قليلاً" وأن يجعلوا من المطالعة زادهم كي يصبحوا مستودع علم وفن ينضح، وأن يكونوا كما قال ابن المقفع (أدبت نفسي بنفسي، كنت أرى الخير فاتبعه, وكنت أرى الشر فأتجنبه)».

وعما إذا كان راضياً عن نفسه ونتاجه قال:

«أنا راض عن نفسي لكني لست راض عن ظروفي, فأنا بذلت جهدا كبيرا إلا أن المعوقات تمنع أي إنسان من الإبداع, وكان أبرزها لقمة العيش وخاصة أنها لأولادي, ولو أنني كنت بظروف مناسبة أعطتني وقتا اكبر للقراءة والكتابة لربما أنتجت أكثر من هذا، وربما يقول قائل أن كبار الفلاسفة كانوا فقراء، فالجواب عندي أن الفيلسوف كان وحيدا ولو كانت لديه عائلة إما أن يدمر عائلته أو أن يدمر إبداعه، وأنا لا أملك حلولاً، فالحلول ليست فردية بل هي حلول اجتماعية».

ويذكر أن الشاعر "عبد الوهاب شيخ خليل" اختير أحد ثلاثة أعضاء كانوا ضمن بعثة ثقافية تمثل سورية في "الصين"، وقد قام عدد من باحثي "حماة" بتأليف كتاب عن حياته وأشعاره قدموه هدية له في يوم تكريمه في (25/1/2007).