بالرغم من التطور الذي تشهده القصيدة لديه، إلا أن الشاعر "علم الشدّة" يبقى متخفياً في مدينته "حماة" فلا أمسيات ولا مشاركات شعرية. يقف حائراً بين الكلمة وتضادها، مذهولاً بحجم المسافة التي يخلقها هذا التضاد، متوجهاً بالوقت نفسه نحو البساطة.

جاء في قصيدته "رؤية":

«بيني وبينَ الذَّاتِ ياأُمِّي صِراعٌ

بيني وبينَ الذَّاتِ ياأُمِّي صِراعٌ قد خَرَجْنَا مِنْهُ مُنْهَزِمَيْنِ آهٍ لوأُريكِ مدى التَّناقُضِ ## بينَ وجهيَ والتّشابهْ. قد ساءَني كم سِرْتُ أَسْتَجْدي الحقيقةَ ## ما انْكَفَأْتُ عليَّ لكن ضَلَّ خُطوتيَ الطّريقُ ## وساءَني زَمَنٌ على العكَّازِ يمشي في الزمانِ ## ولاتُعَرِّيهِ ثِيَابُهْ

قد خَرَجْنَا مِنْهُ مُنْهَزِمَيْنِ

آهٍ لوأُريكِ مدى التَّناقُضِ

بينَ وجهيَ والتّشابهْ.

قد ساءَني كم سِرْتُ أَسْتَجْدي الحقيقةَ

ما انْكَفَأْتُ عليَّ

لكن ضَلَّ خُطوتيَ الطّريقُ

وساءَني

زَمَنٌ على العكَّازِ يمشي في الزمانِ

ولاتُعَرِّيهِ ثِيَابُهْ»

موقع eHama التقى الشاعر "علم الشدّة" بتاريخ 16/11/2008 وكان لنا معه الحوار التالي:

*هل أنت مغرم بالمفاهيم المتناقضة التي نرى جزءاً منها في قصائدك؟ وهل برأيك تؤدي إلى البساطة التي ترمي إليها؟

**لست مغرماً بالمفاهيم المتناقضة بقدر ما أعيشها وهي تحاصرنا – أظننا الكل ولا أعتقد أن هناك من لاينتبه إلى هذا الحصار- من كل جانب وما علي إلا أن أواجه هذا الحصار عن طريق فضحه وإظهار جوانبه المتناقضة ومواطن التناقض وربما السخرية أحيانا من هذا الواقع.

إذا كانت هناك رسالة لكل مثقف –أو لكل إنسان يقدر الإنسانية – فإنني أجد في هنا رسالتي وعلي أن أتحمل أعباء إيصالها بأية طريقة بسيطة كانت أم معقدة.

*مفردات قصائدك تدوي صخباً، رغم أني أقرأ خلالها شاعراً ميالاً للبساطة والوضوح الجميل، أم أني مخطئ...؟

**عليها أن تكون ذلك رغم أنني أرى هذا الصخب يشبه الغصة في الحلق فهو إذ تولده الطاقة الكامنة في داخلي يبقى صراخاً في نفق مظلم وطويل، طويل بما يكفي لتشتيت أعلى صيحة فيه، وإذا كانت الغاية هي الثورة فلا بد من الصراخ.

دعني أفصل بين البساطة والوضوح فأنا لم أرم إلى البساطة، لأن البساطة في الطرح تفرغ هذا الطرح من مضمونه وربما كانت القضايا التي أعالجها لا تحتمل البساطة لأنها في الأصل ليست بسيطة. لكن سيكون غاية ما أرمي إليه هو الوضوح والوضوح المضبوط وهذا شيء متعب – أن تعالج أمرا معقدا بوضوح- لأنه وكما تعلم (الوضوح أمر نسبي) فالأمر الذي يبدو لك واضحاً قد لا يبدو لي كذلك والعكس بالعكس ونتفاوت بذلك في اتساع الزاوية التي ننظر من خلالها والدائرة التي نراقب ما يجري فيها.

*بالرغم من أننا أبناء مدينة "حماة" إلا أنني لا أذكر أني سمعتك تلقي شعرا فيها، ما هو السبب؟

**أول من لاحظ حساسيتي للكلمة هو أستاذي في المرحلة الثانوية الأستاذ "رضوان حزواني" وحاول إخراجي كموهبة شعرية وتعريفي إلى الأساتذة أعضاء اتحاد الكتاب العرب وأظن أن بعضهم يذكرني، إلا أن موهبتي لم تنضج إلا في الفترة التي كنت أدرس فيها الهندسة واستغرقت هذه الفترة أكثر من خمس سنوات كنت أثناءها في "حلب" معظم الوقت وكنت أمارس نشاطاً مكثفاً على هذا المستوى ضمن فعاليات اتحاد الطلبة سواء في "حلب" أو خارجها هذا أحد الأسباب التي أبعدتني عن "حماة" وفي الفترة التالية التي استقريت فيها في "حماة" كان من الملاحظ تقلص نشاطي الأدبي بسبب ضغط العمل.

أرجو أنني سأكون في المرحلة القادمة على تواصل أكبر مع الوسط الأدبي في "حماة".

*كيف تنظر إلى القصيدة الجديدة في "حماة"؟.. ولماذا أنتم قلة؟

**لا أستطيع إجابتك بشكل دقيق عن هذا السؤال بسبب قلة تواصلي مع الوسط الأدبي في "حماة" كما أسلفت لكن أذا كان هناك "قصيدة جديدة " كما ذكرت في "حماة" فعليها أن تظهر وتحدث ولو شيئا قليلا من الضجة هذا الأمر الذي لا ألاحظه أبدا.

دعني أحدثك عن رؤيتي السابقة للقصيدة في "حماة"، هناك قصيدة اجل لكنها "قصيدة قديمة" تحتكرها مجموعة قليلة يظنون أنفسهم سادة القصيدة، وهم –وفقط هم- راضون عن أنفسهم كل الرضا وربما هذا سبب أخر يضاف إلى الأسباب التي منعت سماعك لي وأنا ألقي شعرا في "حماة"، وهذا سبب وجيه أيضا يجعلنا قلة.

لا أريد أن أبخس حق بعض الأسماء الكبيرة التي أسست قامات شعرية عالية في مدينة "حماة" دعني أذكر لك على سبيل المثال "ماجد قارووط" وإن كنت سأنسى فلن أنسى أبدا الدكتور "سعد الدين كليب" والدكتور "راتب سكر".

*دعني أطرح سؤال ولو كان ضخماً.. هل كتابة الشعر لديك هي حالة واعية؟

**دعني أعترف لك أنني أجد صعوبة في قراءة نفسي: هل كتابة الشعر لدي حالة واعية أم غير واعية، سأقول لك إنها مزيج بين الحالتين لكن الحالة الواعية تطغى في معظم الأحيان، رغم أني أرى ساحة اللاشعور هي المحرك الأساسي الدافع للكتابة لدي، كالقلق الدائم والهواجس المشتتة التي لا يجمعها إلا عقل الشاعر والتي توحي له بالقصيدة والخوض في الغيبيات والميل الجامح نحو انفلاتات اللغة الصوفية والمحاولات اللاهثة لاكتشاف الروح المخبئة داخلنا وبأي معراج سوف تحلق، لكنني ولتجنب الوقوع في الذهنية وكي لا تتداخل التأويلات التي تحيل النص إلى نص آخر غير النص الذي قصدته أبقيه في الإطار الواقعي وذلك من خلال ضبط اللغة والسياق الشعري.

وإذا كان الشعر لمح تكفي منه الإشارة فلابد أن تكون هذه الإشارة كثيفة وإذا أخذت هذه الكثافة شكل الوعي المكرس للواقعية سوف ينقلب النص إلى محاضرة فكرية تحاول النفوذ إلى عقل القارئ؛ لكنني أكتب الشعر وهو لا يحتمل الإرهاق الفكري برأيي لأنه ببساطة "شعر"، يجب أن تتدخل ذات الكاتب محملة بكل ما يشعر وما لا يشعر، إذا لابد من دمج للحالتين وهذا ما أظن أني أفعله.

*دعنا نتحدث عن النقد الأدبي في سورية، وهل له دور في تطور القصيدة؟

**أنا لا أشتغل كثيرا بالنقد، وإذا أردت أن ألقي نظرة على واقع النقد الأدبي في سورية فإنني سأرى الكثير من أعلام النقد في سورية ممن يعنيهم الإبداع بالدرجة الأولى ولابد أنهم حين يلقون الضوء على مواطن هذا الإبداع يصبح من الوضوح بمكان ما يشجع الكتاب على تقديم أفضل ما عندهم من خلال البحث عن مواطن الإدهاش وتمثلها في كتاباتهم سواء الشعر أو الأجناس الأدبية الأخرى، وهذا شيء مشجع وجيد وداعم للحركة الأدبية للارتقاء إلى المستوى الأدبي العالمي.

لكنني سألاحظ أكثر الذين يوجهون النقد في طريق الغايات الشخصية والإعلامية والتسويقية وأكاد أقول أنهم يشكلون الغالبية للأسف.

من الجدير ذكره أن "علم الشدة" من مواليد مدينة "حماة" /1980/، مجاز في الهندسة الميكانيكية، قسم الطاقة، في جامعة حلب.

يكتب الشعر منذ مرحلة مبكرة وشارك في العديد من المهرجانات والمسابقات الأدبية :

-المركز الأول في مهرجان آذار الأدبي لاتحاد الطلبة فرع جامعة حلب للعام /2004/

  • المركز الثالث في المهرجان المركزي الأدبي الثامن لاتحاد الطلبة في دمشق /2004/

  • المركز الثاني في مهرجان رابطة الخريجين الجامعيين في حمص /2005/

  • المركز الأول في مهرجان ربيع الأدب في المركز الثقافي العربي في اليرموك في دمشق /2008/.

  • له مجموعة شعرية قيد الإنشاء بعنوان ( في ماء الألوهة)