حبّاً بالحياة والإرادة القوية بالبقاء، وشغفاً بمساعدة الآخرين، واجه "قصي اليوسف" مرضه بالإيجابية ونقلها لغيره، ليصبح ملهماً ومحفزاً للكثير من المرضى.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت "قصي اليوسف" بتاريخ 7 أيار 2020 ليحدثنا عن حياته ورحلته مع المرض، فقال: «ولدت في "حماة"، ودرست هندسة طاقة كهربائية في جامعة "حلب"، وماجستير طاقة كهربائية في جامعة "حمص"، بالإضافة لحصولي على شهادة في الحاسوب ونظم المعلومات.

الألم أمرٌ لا يمكن تجنبه ولكن المعاناة اختيارية، انطلاقاً من فكرة أننا جميعنا نمرُّ بظروفٍ صعبة، هذا الواقع، ولكن يجب ألا نسمح للظروف أن تتحكم بمسير حياتنا لأنّ 90 بالمئة من الحياة المستقبلية هي نتيجة ردود فعلك على ظروف وأشياء تعيشها أنت وحدك، وعلينا أن نتذكر أنّ الرصاصة التي لا تقتلنا تجعلنا أقوى

عملت في منظمة "الأمم المتحدة" كمستشار طاقة وبنى حركية، حتى بدأت أعراض ألم في المعدة فشخّصه الأطباء بمرض "أبو صفار" والتهابات، إلى أن طلب مني أحد المخبريين بإجراء تحاليل عامة لأكتشف أن الوذمات السرطانية مرتفعة فيها، فأجريت فحص "pet scan" لتظهر الأورام.

رحلة شاقة مع المرض

بدأت رحلتي مع مرض السرطان عام 2015، وتعالجت حتى عام 2016 في مشفى الجامعة الأميركية في "بيروت" فشفيت مؤقتاً، ولكن بعد أربعة أشهر عاد المرض وأخذت عدّة جرعات وشفيت، ليعود بعدها المرض مرةً أخرى.

وفي عام 2018 بدأت العلاج الكيمياوي وتنقلت بين "دمشق"، "حلب"، و"حماة"، وفي شهر آب من العام نفسه دخلت العناية المشدّدة في مشفى "دار الشفاء"، حينها كنت مريض سرطان من الدرجة الأولى والثانية، حيث تكون الأورام في عضو واحد فقط، وغير منتشرة لأعضاء أخرى من الجسد، ولكن بعد إجراء عملية لإزالة الجهاز الموصول بصدري انتشر الورم لباقي الجسد لأن مناعتي كانت ضعيفة جداً، وخضعت للعلاج الكيمياوي حتى بداية عام 2019، إلى أن أصبت بالتهاب في شغاف القلب وكانت لدي مشكلة بالدسام التاجي إضافة لبداية قصور كلوي، فكان من المستحيل الاستمرار بالعلاج الكيمياوي.

ينقل تجربته الناجحة مع المرض

في بداية عام 2020 شفيت من الأمراض التي تعرضت لها سابقاً، وفي هذه الفترة حاولت اتباع علاج طبيعي بعيداً عن الكيمياوي عن طريق التغذية واتباع بروتوكول حمية غذائية يعتمد على أغذية تمنع التروية الدموية عن الأورام، إلى حين انتشار المرض وتطوره ووصوله لعظم الساق اليمنى لأعود للعلاج الكيمياوي».

العقبات والصعوبات الكثيرة تكون السبب الرئيسي للتغيير الجذري في حياة شخص ما، وتخلق منه شخصاً جديداً، حيث قال في ذلك: «في عام 2012 تعرضت لإصابة بالغة وأجريت عمليتين، وقال لي الأطباء أنه من المستحيل تحريك يدي، وهذا كان أول حافز لي لأدخل مجال علم الحركة والرياضة، بعد سنتين شفيت يدي وعادت للحركة.

وعند معرفة إصابتي بمرض السرطان كانت صدمة كبيرة وبمعنى أدق (انفطر قلبي)، فقد كنت شخصاً رياضياً أمارس عملي بجد وإتقان، حيث سافرت إلى "سويسرا"، و"ايطاليا"، ونظمت عدّة مشاريع، ولكن المرض ألغى كل مخططاتي المستقبلية حياتياً ومهنياً، عندها أصبت بالاكتئاب وخسرت عملي، وشعرت بأنني عالة كبيرة على عائلتي ومجتمعي ونفسي أيضاً، واستمريت على هذا الوضع فترة من الزمن حتى وصلت لمرحلة من الوعي، وأدركت قيمة نفسي لأغير كل شيء، ومن هنا تغير الوضع وانقلب رأساً على عقب وبدأت بتحقيق الإنجازات».

وعن هذه الإنجازات، أضاف: «حصلت على شهادات عالمية في التغذية، وشهادة في التأهيل النفسي الجسدي لمرضى السرطان، وماجستير في علم الحركة وميكانيك التحريك من جامعة "أميركا" حيث كنت الشخص العربي الوحيد في هذا المجال حتى الآن.

وبدأت باستيراد مكملات غذائية للرياضيين، وساعدت أختي في مركزها المخصص للتنحيف والتأهيل الرياضي.

أما الإنجاز الأكبر بالنسبة لي هو إقامة أنشطة توعوية في مشافٍ حكومية في محافظة "حماة" لأطفال مرضى السرطان، والكوادر الطبية والأهالي من الجانب النفسي، ونشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الوعي ومساعدة المرضى».

كان لفيديوهات "اليوسف" انتشارٌ واسعٌ وهدفٌ أسمى، حيث قال: «في بداية نشري للمنشورات والفيديوهات كان هدفي أن أترك شيئاً لبنات أخي للذكرى، لأنني مولع بهن، فكان ذلك شيئاً سلبياً لأنني عددتُ هذه الأشياء هي نهاية حياتي، إلى أن بدأ صديقي "أديب السيد" بتوثيق حالتي ومرضي وجرعاتي، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال رسالتي في نشر التوعية لمرضى السرطان بأنهم قادرون على مواجهة الحياة ومحاربة المرض بطريقة إيجابية، وأن هذا المرض هو مشكلة حياتية تشبه الكثير من المشاكل التي تواجهنا وأننا قادرون على الاستمرار رغم كلّ الظروف الصعبة، وحاولت من خلال خبرتي بعلم الحركة والصحة النفسية العقلية مساعدة أشخاص مصابين باليأس والاكتئاب إضافة لمرضى السرطان، فكان لا بدّ أن أوسع آفاقي بالدراسة والبحث لأساعد نفسي والآخرين».

"أديب السيد" صديق "قصي" والموثق لأحداث حياته قال: «هو إنسان استثنائي، رأيت فيه أشياء لم أرها في أي شخص آخر، هو بطل بكل ما تعنيه الكلمة، وعلى الرغم من توثيقي لحالات إنسانية كثيرة في عملي يبقى أثر "قصي" وحبّه للحياة وإرادته دافعاً لأرافقه بكل خطوة في علاجه من السفر للمحافظات، والجرعات والأطباء ولساعات طويلة. ورغم أنه مريض ومتعب وقد عانى الكثير، لكنه اكتسب الكثير من العطاء مقابل هذا الألم والتعب والمعاناة، فقد أصبح محارباً للمرض، وملهماً لغيره، يبادر دائماً للدراسة والبحث من أجل مساعدة الآخرين على تجاوز مشاكلهم وأمراضهم ونشر الوعي».

وفي الختام وجّه "قصي" من خلال مدوّنةِ وطن رسالةً قال فيها: «الألم أمرٌ لا يمكن تجنبه ولكن المعاناة اختيارية، انطلاقاً من فكرة أننا جميعنا نمرُّ بظروفٍ صعبة، هذا الواقع، ولكن يجب ألا نسمح للظروف أن تتحكم بمسير حياتنا لأنّ 90 بالمئة من الحياة المستقبلية هي نتيجة ردود فعلك على ظروف وأشياء تعيشها أنت وحدك، وعلينا أن نتذكر أنّ الرصاصة التي لا تقتلنا تجعلنا أقوى».

يذكر أن "قصي اليوسف" من مواليد "حماة" عام 1988.