هناك حدث يعود بنا إلى الوراء، وآخر يدفع بنا إلى الأمام، الزمن وحده يقرر ما نحن عليه، ولكن علينا أن نتعظ من أشياء تمر علينا، هل نستثمرها؟، أم تستهلكنا؟، هي جاءت بفعل اللحظة الغافلة، جاءت ولا راد لها، ولكن ما يهم في الأمر هل يمكننا تجاوزها لما هو أبعد من ذلك؟

هذا هو حال الشاب المندفع "بشار أحمد عمران" سائق الدراجة في بلد الاغتراب، هناك حيث يعمل لمستقبل كان يستشف منه بناء أسرة، فكان ما كان، وعاد شبه جثة، تحولت بفعل القدر، إلى جثة تنبض بالحياة، ولكنها مقعدة.

أتمنى أن أرتقي في عملي الوظيفي ضمن مؤسستي التي أعمل فيها

هو من مواليد "سلمية" في العام 1976 كان قد اكتفى بإنهاء المرحلة الابتدائية إلى أن وقع الحادث، ونجا منه بأعجوبة.

نالها في لحظة غفلة

موقع eHama زار السيد "بشار" في منزله وذكر لنا تفاصيل الحادث بمرارة: «كنت أعمل في لبنان، ويومها قررت أن أسافر على دراجتي الجديدة وهي من نوع GB2 كانت وجهتي مدينتي "سلمية" وكان انطلاقي عند الساعة السادسة صباحاً للقاء والدتي وأهلي، غير أن مشروع لقائي بها تأجل إلى وقت كنت فيه في وضع لا يسر، فبدل أن أرى دموع أمي فرحة بلقائي، شعرت فيها تنساب على خدي وأنا على فراش المرض. الأمور تمت بسرعة كتلك التي كانت سبباً في فقد السيطرة والتحكم بمقود الدراجة لحظة توقف مفاجئ لسيارة كانت تسير أمامي، فكان الحادث، ولم يستقر وضعي إلا بعد عدة عمليات جراحية، ومن يومها لم أعد أستطيع ثني ركبتي التي أصبحت ثابتة، وعاهة دائمة».

وعن الأسباب والدوافع التي جعلته يتجه إلى الدراسة بعد هجرها، يقول: «من طبعي كان النشاط والحركة وعضلاتي أصابها الضعف وأخرى الضمور نتيجة جبار الكسور، فكنت أتسلى بتعليم أبناء أختي المقيمة في "حمص"، وعندما أعود إلى "سلمية" أجلس في ورشة أخي الأكبر "صلاح" وهو لتصليح الجرارات الزراعية، في هذا الوقت كنت أنشغل بالقراءة، في نفس الوقت كان لي أخ أصغر مني يتحضر لتقديم امتحان الشهادة الإعدادية، فخطر لي أن أتقدم للامتحانات من خارج أسوار المدرسة (دراسة حرة)، كنت أقوم بتلخيص المنهاج المقرر، من كتب أخي، ذلك في وقت متأخر من الليل عندما ينام هو، تعرضت لسخرية بعض الأقرباء، كذلك الأصدقاء، وكان هذا مؤسفاً بالنسبة لي، لكنه كان يزيد رغبتي في المضي قدماً نحو هدف وضعته نصب عينيّ، وكان النجاح الأول بداية لمرحلة جديدة ولاحقة سطرت في يوم 31/7/2003 عندما حصلت على الشهادة الإعدادية، كان ذلك الأصعب في حياتي، وأنا الذي كنت أمقت الدراسة، لكن هذا النجاح علمني أن لا شيء مستحيل أمام إرادة الإنسان»

الحياة كلها تحديات

ويتابع السيد "عمران": «في 30/7/2004 كانت الشهادة الثانوية/ الفرع الأدبي لكن في هذه السنة استندت على دورات التقوية في مادتي اللغة الإنكليزية، والعربية، ومادة الفلسفة، ولكن تزامن وقت الامتحان ومكانه مع إتمامي لأوراق الوظيفة من دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل في مدينة "حماة"، فأنتهي من الإجابة على الأسئلة بأقل من نصف الوقت كي لا أتأخر عن مواعيد الموظفين في مديرية الشؤون ثم ألاحق أمور الشاغر الوظيفي في مؤسسة كهرباء "سلمية" والتي بت أحد موظفيها». يتابع "بشار": «نجحت في امتحان الثانوية العامة، واخترت كلية الحقوق في جامعة "حلب" للتعليم المفتوح وذلك بحسب درجات المفاضلة وأنا الآن في السنة الثالثة من الدراسة، وإن شاء الله سوف أسعى على أن يكون تخرجي في السنة القادمة».

وعن سؤالنا إلى أين سوف يحلق بأحلامه في سماء الواقع بعد الحصول على إجازة الحقوق يجيب السيد "بشار عمران": «أتمنى أن أرتقي في عملي الوظيفي ضمن مؤسستي التي أعمل فيها».

النجاح دافع لنجاح آخر

هذا هو من غير القدر طريق وجهته، فمن شاب مندفع، إلى إنسان واع يدرك جيداً أن الحياة يمكن أن تكون أجمل عندما نفكر بها بالطريقة الأجمل والأمثل.