لم يمنعه الفقر من البحث عن ذاته واكتشاف مواهبه الفذّة، فقادته خطواته إلى نادي "الفارابي" بمدينة "حماة"؛ حيث كانت انطلاقته الأولى نحو الفن والأدب، فأثبت مقدرة عالية على النجاح في كافة صنوف الإبداع الفني، وبات مرجعاً ومرشداً للكثيرين من المواهب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 كانون الأول 2018، الأديب الفنان "مصطفى صمودي"، ليحدّثنا عن طفولته وانطلاقته الأولى، فقال: «نشأت في بيئة ممحوقة، فأبي كان أوّل سائق سيارة بوسطة على خط (حماة - حلب)، وجلَّ وقته مسافراً، وأنا كطفلٍ لا أدري من أنا. أحسُّ بأشياء كثيرةٍ في داخلي تدفعني إلى المعرفة، حتّى قادتني خطواتي إلى نادي "الفارابي" بـ"حماة"، حيث كنت في الثّالثة عشرة من عمري خجولاً أسير خطوة إلى الأمام وعشر خطوات إلى الوراء، لكن دخلت وجلست، وطلب مني أحدهم أن ألعب الطاولة أو الورق معه، فأخبرته أنني لا أعرف، وعندما استفسر مني عن هواياتي أسمعته كلماتٍ كتبتها، حينئذٍ سألني بدهشة: (هل تمثّل؟) وهو ما كان؛ حيث أعطوني دوراً نسائياً بمسرحية عُرضت في "حماة"، فقال لي المخرج "رجاء الشريف": (أنتَ لك مستقبلٌ بالتمثيل). وبدأتْ تكتب عني الصّحف والمجلات. وفي عرض آخر انتقلت من الدّور النّسائي إلى الذكوري في مسرحية "دون جوان"، وبعد سنة اشتريت عوداً وتعلّمت العزف خلال ثلاثة أشهر، يساعدني في ذلك شابٌ بسيطٌ من "آل العجم"، وبدأتُ التّلحين ولحّنت (أوبّريتْ) في الثانوية، وكتبت مسرحيات كان أولها "الخالدون" ومثَّلتْها فرقة "فداء"، ثم انتقلت إلى الإخراج، وأخرجت مسرحيّة بدلاً من المخرج "عمر زكية"، وكان آخر الرعيل الأول في الإخراج بـ"حماة"، وكتبت القصّة للأطفال، لكنها لم تستهوني، بل استهوتني النصوص المسرحية وإخراجها».

هو مثل (الصّحن الصّيني)؛ يجيد كتابة الشعر والبحوث والفن في المسرح والموسيقا، إنه موسوعة ثقافية متكاملة، إضافة إلى مقالاته السياسية، وهو صديق الطفولة على مقعد الدراسة منذ كنّا في المرحلة الإعدادية، يتقن عمله بكل احتراف، ويساعد المواهب على البروز

وعن مشاركاته المسرحية، قال: «شاركت بأول مهرجان لوزارة الثّقافة، وحصلت على أفضل ممثّل، ولثلاث سنوات متتالية 1973-1974-1975، وقد كتبت عني مجلة "الصياد" اللبنانية المتخصصة أنني وجه سينمائي متميز؛ وهذا قلّما يحظى به أي إنسان بوضعي المادّي.

من أعماله الأدبية

لم أتابع التمثيل بسبب عدم رغبة والدتي، حيث انقطعتُ نحو ثماني سنوات، وعدت بعد وفاتها، وقدّمت ألحاناً موسيقية أثناء خدمة العلم. في أواخر التسعينات كنت قد بلغت الثالثة والثلاثين تماماً، حصلتُ على جائزة أفضل مخرج عن نص "كريستوفر مارلوم" معاصر "شكسبير" بعنوان: "يهودي مالطا"، ومثّلت دور "باراباس"، وقدّمنا العمل في مهرجان "حماة"، لكن -يا للأسف- لم أسجّله بسبب الضّعف المادي، فقد كان يحتاج إلى خمسة عشر ألفاً في ذاك الوقت، وحصلت على أكثر من جائزة محلّية وعربية بالشّعر، والجائزة العربيّة كانت في مسابقة "الطائف" في "السعودية"».

وعن إنتاجه في الشعر والمسرح والموسيقا، قال: «ديواني الأول "شموع الذكريات"، حيث كنت طالباً في الصف الثالث الثانوي، والديوان الثاني "الانشطار"، والثالث "القناع"، والرابع "الشام أنت"، والخامس "من عليها السلام"، وأيضاً سبعة عشر نصاً مسرحياً طباعة اتحاد الكتّاب العرب. وحالياً يُدرَّس أحد نصوصي في المنهاج الدّراسي الثانوي الأدبي "بين الصمت والصوت".

الشاعر معاوية كوجان

ألّفت ولحّنت مئة وخمسين أغنية لمطربي "حماة"، وكوّنت فرقة المركز الثقافي الموسيقيّة والمسرحيّة لعام 1982 حتى عام 1992، وقدّمَت الفرقة الأغاني من تأليفي وتلحيني في مراكز "سورية" الثقافية جلّها إن لم أقل كلّها، وحتى في المركز الألماني في "دمشق".

ومن كتبي المطبوعة كتاب "من جلجامش إلى نيتشه"، وكتاب "في رحاب النص المسرحي"، و"اليهود في التوراة والتلمود"، وآخر "يسعد مساكم"، وكان ديوان زجل، وأيضاً "أول الرقص حنجلة"، وهي من النصوص الساخرة».

الشاعر رضوان الحزواني

المربّي الشاعر "معاوية كوجان" تحدث عن الأديب "صمودي" قائلاً: «أعرفه منذ أكثر من عشرين عاماً، وأعجبت بمواهبه المتنوعة، ومن النادر أن تجتمع في شخص واحد كلها، فلديه مواهب مختلفة في الميادين الأدبية والفنية، حيث كتب الشّعر والقصة والمقال الأدبي والبحث والزجل، وفي ميدان الفن هو فنان شامل، مثّل على خشبة المسرح، وألّف الأغاني ولحّنها، وربما اجتماعها في شخصٍ واحد لا يصل إلى قمة تليق بواحدة من هذه المواهب».

وأكمل المربّي الشاعر "رضوان الحزواني" ما يعرفه عن الأديب "مصطفى صمودي" قائلاً: «هو مثل (الصّحن الصّيني)؛ يجيد كتابة الشعر والبحوث والفن في المسرح والموسيقا، إنه موسوعة ثقافية متكاملة، إضافة إلى مقالاته السياسية، وهو صديق الطفولة على مقعد الدراسة منذ كنّا في المرحلة الإعدادية، يتقن عمله بكل احتراف، ويساعد المواهب على البروز».

يُذكر، أن الأديب والفنان "مصطفى صمودي" من مواليد "حماة"، عام 1953.