يزرع من دون أن ينتظر حصاداً؛ عُرف بإنسانيته وعطائه اللا محدود لأكثر من عشرين عاماً ومن دون مقابل، فهو طبيب نفسي بالرياضيات؛ إذ يكتشف نقاط ضعف الطالب ويعالجها؛ هكذا قالوا عنه.

مدونة وطن "eSyria" التقت مربي الأجيال "عبد الله العوف" بتاريخ 25 حزيران 2015؛ الذي درس الطالب ليصبح أباً، ودرس الابن ويدرس الحفيد حالياً، وعن بداياته وسبب اختياره لتدريس مادة الرياضات حدثنا قائلاً: «تميزت باللغة الفرنسية واللغة العربية، إلا أنني تفوقت بمادة الرياضات، وأنا في الصف السابع طرح علينا الأستاذ مسألة رياضية، فتمكنت من حلها كنوع من التحدي لنفسي وهو ما أدهش أستاذي، وهذا ما عزز ثقتي بنفسي لأتمكن من تدريس أبناء حارتي الأصغر مني سناً، وفي امتحان شهادة التعليم الثانوي أحرزت المركز الأول على محافظة "حماة"، وهو ما أهلني لأدخل كلية الطب البشري؛ ولكن شغفي بمادة الرياضيات ساعدني لأتخذ من التدريس مهنتي، ولم أندم يوماً أنني لم أدخل كلية الطب، على الرغم من تبرع أحد الأطباء من أصدقائنا لدفع تكاليف دراستي، وذلك لضيق الأحوال المادية التي عانت منها أسرتي بحكم أن والدي توفي وأنا في الصف العاشر، فبدأت إعطاء الدروس أثناء دراستي الجامعية؛ ونتيجة تفوقي كوفئت بتعيني في منطقة "مصياف" القريبة من مكان ولادتي والمعروفة ببساطة أهلها وحبهم للعلم».

لدي حب الاطلاع على الجديد في علوم الرياضيات لكل المناهج التعليمية لأن لغتي الفرنسية قوية بسبب سفري إلى الجزائر لعدة سنوات، وهو ما مكنني من إعداد تمارين لطلابي من المنهاج الفرنسي تمكنهم من فهم المادة فمنهاجنا شبيه بالمنهاج الفرنسي

ويستكمل حديثه بالقول: «بدأ مشوار الثقة بيني وبين الطلاب والأهل يتكون من أول درس أعطيته، لأنه كان كنوع من التحدي، فإن نجحت ستصبح مهمتي المستقبلية أسهل، ومهنة التدريس تختلف عن غيرها من المهن، فهي تحتاج إلى هدوء داخلي وصبر وقدرة تحمل لتحافظ على طاقتك الإيجابية وأنت داخل الصف، سعة أفق المدرس تمكنه من النزول إلى مستوى الطالب لرفعه، فلكل طالب تميز علينا أن نكتشفه؛ إذ لا يوجد طالب غبي وإنما هناك طالب لا يحب العمل أو لم يكتشف الطريقة الملائمة له، وهذا ما أبعدني عن الشعور بالملل على الرغم من أنني لم أغير من طريقة تدريسي، ولكنني أجددها، فمن يعمل في مهنة التدريس يجب أن يتمتع بشخصية محبوبة ليجذب الطالب، والعبارات التشجيعية تعمل عمل السحر مع الطالب ليستمر بالعمل، فقد رأيت أن الطريقة الأنجع لتدريس الرياضيات هي الطريقة التفاعلية، إذ أبدأ بسؤال بسيط لأشجع الطلاب على التفاعل».

المهندس شريف ناصر

ويتابع: «لدي حب الاطلاع على الجديد في علوم الرياضيات لكل المناهج التعليمية لأن لغتي الفرنسية قوية بسبب سفري إلى الجزائر لعدة سنوات، وهو ما مكنني من إعداد تمارين لطلابي من المنهاج الفرنسي تمكنهم من فهم المادة فمنهاجنا شبيه بالمنهاج الفرنسي».

من طلاب الجيل الأول للمربي "العوف"؛ الموجه الاختصاصي للتعليم الفني المهندس "شريف ناصر"، والمتقاعد حديثاً من مواليد 1954، يقول: «الأستاذ "العوف" قدوتي، فقد تعلمت منه مبادئ الحياة وليس فقط مبادئ علم الرياضيات، وهو دائم التواصل والسؤال عن زملائه؛ فلا يبخل ولا يوفر جهداً لمساعدة طلابه، وتحسين مستوى الطلاب هاجسه الدائم، فاليوم الذي لا يعطي فيه درساً يشعر بالمرض فهو صاحب مدرسة أخلاقية تربوية، وما زلت أذكر كيف كانت حصصه الدرسية تغص بالطلاب لدرجة أن الطلاب الواقفين أكثر من الجالسين، ولا تشعر بضجة أو مللٍ على الرغم من شرحه للدرس باللغة الفصحى، وإنما تجده ساحراً بإعطائه، فهو قادر أن يشد انتباه أكبر عدد ممكن، وكان يفهم حركة شفاه الطلاب في الصف، وهناك عدد من طلابه أحبوا أن يمارسوا مهنة التعليم لإعجابهم بشخصه، أصدقاؤه حشد كبير من طلابه حيث خرَّج المهندسة والطبيب، ولا يقصد مكاناً إلا ويصادف طالباً علمه، وأذكر أنه ذهب إلى المستشفى ليضع سماعة أذنية لأنه يعاني من "نقص سمعٍ"، وفور وصوله خرج الطبيب وقبله فهو أحد طلابه القدامى».

المربي عبدالله العوف مع أحد طلابه

ويتابع: «حل مشكلة مادة الرياضيات في المنطقة فأغلب مدرسينا نمطيين أو غير مؤهلين لتدريس هذه المادة التي تعتمد صعود الدرج درجة درجة، استفدت منه كثيراً في مهنتي كموجه اختصاصي، فهو مثلي الأعلى لأكثر من 35 سنة، لأنه لم يغب أو يتأخر عن حصة درسية، يحضر درسه دائماً، عرف بإنسانيته وعطائه اللا محدود، إذ عمل لمدة تزيد على عشرين عاماً من دون أجر، وكان يعطي في فترة الأعياد وأيام الجمعة وحصص الفراغ، وكان يذهب إلى بيت الطالب حتى لا يضيع وقته في الطريق، في ظل هذه الظروف الصعبة فإنه لا يأخذ أجراً إلا بعد أن يسأل عن إمكانيات الطالب المادية، وحالياً يعطي في المعاهد والمدارس الخاصة، فإن سمع أن طالباً لا تسمح إمكانياته المادية التسجيل بدورة صيفية فإنه يطلب من الإدارة مسامحته من المقابل المادي لحصته وهناك أساتذة يقتدون به».

المهندسة الدكتورة المغتربة "يسرى شحادة" تقول: «يدخل إلى الصف بابتسامة هادئة وأناقة تامة وسترة بيضاء؛ ومازلت أحتفظ بذكرى طيبة وجميلة عن دروس مادة الرياضيات التي كان يعطيها أستاذي القدير "العوف"، ومن حسن حظي أنه علمني هذه المادة المهمة والشيقة من الثالث الإعدادي إلى الثالث الثانوي، وأحببت المادة من طريقة شرحه، فدرسه كان مفيداً متجدداً وممتعاً يعطيه بضمير المربي الفاضل، يشرك الطلاب معه ويساعدهم على الفهم ويحرض تفكيرهم من خلال طرح الأسئلة الذكية، هو أحد الأساتذة والمعلمين الكبار الذين نقدرهم ولا ننسى فضلهم علينا، ما زال يعطي بإخلاص وهمة عالية على الرغم من عمره الذي تجاوز السبعين، واسمه أشهر من اسم أي طبيب في المنطقة وفضله على أهل المنطقة كبير».

شهادات تقدير وثناءات من وزارة ومديرية التربية.

يذكر أن المربي "العوف" من مواليد 1964، يحب الأدب القديم وكتابة الشعر، ويتحدث اللغة الفصحى واللغة الفرنسية بطلاقة، حاصل على ثناءات من الوزارة ومن مديرية التربية، متزوج و لديه ثلاثة أولاد.