من يقرأ التاريخ بصورة صحيحة يقبض على مستقبله بقوة، وكل حبة تراب من "سورية" ممزوجة بقطرة دم أو فكرة.

مدونة وطن "eSyria" تلقي الضوء على رحلة الباحث "نزار مصطفى كحلة" في مجاهل التاريخ، هذا التاريخ المملوء بالحقائق المطموسة قصداً، ومن مصلحة كل إنسان أن يعرف التاريخ الحقيقي لإنسان الأرض التي ينتمي إليها. هو دارس للتخدير، كما أنه دارس للتاريخ في كلية الآداب، وله تجربة في كتابة القصة القصيرة منها ما نشر في "مجلة المعرفة" السورية، أقام العديد من المحاضرات في المراكز الثقافية والجمعيات الأهلية، هو عضو مجلس إدارة "جمعية العاديات - سلمية"، وكان اللقاء معه في 1 كانون الأول 2014:

لم يكن ملكات في التاريخ الإسلامي؛ وإن كلمة ملكة عندما تحضر فإنها تعني ملكة أجنبية، بيزنطية، أوروبية

  • ما الذي استهواك في دراسة التاريخ؟
  • الباحث "نزار كحلة"

    ** أنا بوجه عام قارئ، وما لفت نظري هو الظلم الذي وقع على تاريخنا العربي، وهذا أهم الأسباب التي دعتني إلى الغوص في التاريخ، أضف إلى ذلك أن التاريخ هو بحر من المعرفة، والذي يحسن قراءة التاريخ، يحسن قراءة المستقبل.

  • يبدو أنك طرقت أبواباً لم يصل إليها أحد بعد، لم هذا الاختيار؟ وكيف استطعت الوصول إلى المعلومة الدقيقة؟
  • في إحدى المحاضرات

    ** لا شك أن التاريخ علم كباقي العلوم؛ وينسحب عليه ما يخص هذه العلوم من حيث تصحيح الأفكار الخاطئة والمتداولة فيما سبق من الدراسات والأبحاث، أو حتى الاكتشافات. أنا ممن يتابعون كل جديد من هذه الدراسات، التي تعتمد عادة على الدليل المادي الملموس من نقوش وآثار واضحة المعالم التي لا تقبل الريبة والشك؛ كما أنني أبتعد عن الروايات التاريخية التي لا تستند إلى أدلة علمية بل إلى الرغبة الذاتية لدى الكاتب.

  • "سورية" بلد الإنسان الأول، ماذا يمكن أن نكتشف الجديد في هذا التاريخ رغم الاكتشافات السابقة الهائلة؟
  • ** لقد قالها عالم الآثار الإيطالي "باولو ماتييه" مكتشف مدينة "إيبلا" العظيمة، قال: "لو تحول الشعب السوري كله إلى منقبي آثار فنحن في حاجة إلى أكثر من مئة عام لاكتشاف آثار سورية". انطلاقاً من هذه المقولة لعالم خبر آثار هذا البلد، ندرك تماماً أن "سورية" ما هي إلا صندوق مملوء بالجواهر الأثرية، كل جوهرة فيه تنم عن إبداع حضاري خلّاق. وللعلم إن في "سورية" عشرة آلاف موقع أثري لم يجر التنقيب فيها، فقط أربعمئة موقع هو كل ما تم الكشف عنه حتى اليوم.

  • ما الذي يميز "سورية" في الجانب الأثري؟
  • ** "سورية" ملأى بالتلال الأثرية، هناك ما هو ظاهر للعيان، وهناك ما هو تحت الأرض، وكلها تحتاج من يخرج كنوزها، أضف إلى ذلك أن العديد من الرُقُمْ المسمارية المكتشفة عندنا لم نعلم محتواها حتى الآن.

  • الرغبة أساس العمل، والعمل يحتاج إلى جهد، هل توفر لنفسك المساحة اللازمة لمثل هذه الأبحاث؟
  • ** نعم، إنني أحاول بقدر ما تسمح لي طبيعة عملي الوظيفي، لدي متسع من الوقت للقيام بما أراه مطلوباً مني، حتى لو كان ذلك على حساب الوضع المعيشي، لقد تخليت عن أي دخل إضافي من خلال طبيعة عملي في التخدير، تخليت لأجل البحث، فأنا أعيش روحيّاً في البحث، وحكمتي في الحياة: "البحث عن الحقيقة أجمل من إيجادها".

  • "ملكات عربيات".. كتاب من تأليفك، ماذا يقول؟ وما الهدف منه في هذه الظروف؟
  • ** كنت مرة أقرأ كتاباً لـ"فاطمة المرنيسي" فمرت فيه مقولة للكاتب الأميركي "برنارد لويس" قال فيها: «لم يكن ملكات في التاريخ الإسلامي؛ وإن كلمة ملكة عندما تحضر فإنها تعني ملكة أجنبية، بيزنطية، أوروبية». مؤكداً أن العرب لم يعرفوا من تاريخهم ملكات، وحينها كنت قد انتهيت من كتاب موسوعي لم يتسن لي طباعته بعد وهو تحت عنوان "المرأة في التاريخ بين التأليه والتوبيخ"، يلحظ الكتاب وضع المرأة العربية في بلاد الشام والرافدين ومصر وشبه الجزيرة العربية خلال عشرة آلاف سنة، وعلى اعتبار أنني باحث في تاريخ المرأة لمدة تزيد على أربع سنوات أدركت مدى الجور الذي لحق بالمرأة العربية من هذا التصنيف، وكتابي هذا "ملكات عربيات" مأخوذ من كتاب "المرأة في التاريخ" تحدثت فيه عن خمسين ملكة عربية، ست وأربعون منهن قبل الإسلام، وأربع ملكات في العصر الإسلامي.

  • ما الجديد الذي قدمته في هذا الكتاب؟
  • ** اتبعت في صياغة هذا الكتاب منهجاً أن كل ملكة حكمت على الأرض العربية، فهي عربية ما لم يثبت عكس ذلك، وأيضاً تم اختيار الملكات اللواتي حكمن بشكل مباشر أو غير مباشر في ظل غياب أزواجهن لأسباب منها: المرض - الحروب - وصية على ولي العرش ريثما يبلغ سن الحكم.

  • هذا يعني أن المرأة ما زالت قادرة على الحكم؟
  • ** بالتأكيد، متى توافرت لها الظروف.

  • أيهما واقعها أفضل، امرأة التاريخ، أم امرأة الحاضر؟
  • ** لا شك أن واقع المرأة العربية يختلف من بلد لآخر، وإذا ما أردنا الحديث عن المرأة في "سورية" فإن وضعها يشبه ما كان سائداً في الألف الثاني قبل الميلاد وخاصة في مملكتي "ماري"، و"أوغاريت"، لكنه يعتبر متراجعاً عن وضعها في الألف الثالث والرابع والخامس قبل الميلاد، كما أنه متراجع جداً عن وضعها في الألف السابع والثامن قبل الميلاد حيث كانت سيدة المجتمع والقطب الأوحد في مجمع الآلهة في تلك الفترة. لكنها بكل تأكيد أفضل من وضع المرأة في العهد العثماني الذي يعد أسوأ مراحل مرت فيها المرأة السورية.

    في الختام نستمع إلى رأي الكاتب "مهتدي مصطفى غالب" حول أعمال الباحث "نزار كحلة"؛ الذي قال فيه: «ظهرت مجموعة من الباحثين في "سلمية" تحاول إعادة قراءة التاريخ ضمن حقائقه البعيدة عن المستشرقين الذين حولوه إلى تاريخ أقرب إلى المشوّه أو المزور».

    ويضيف: «قراءة التاريخ بصورة حضارية تعيد الألق للتاريخ العربي، أجد في الأستاذ "نزار كحلة" أحد هؤلاء الذين يتبعون منهج الكشف عما هو مستور في التاريخ، وهذه أهم مزايا الباحث بوجه عام، وإلا لما سميّ باحثاً».

    من كتاب "ملكات عربيات" نقدم للقارئ ما تناوله الكاتب حول الملكة "شيبتو" يقول فيها: «هي ابنة الملك "يا ريم ليم" ملك "مملكة يمحاض - حلب" من زوجته الملكة "جاشيرا" ذات الشخصية المهمة في القصر الملكي الحلبي، كما كانت أمها "جاشيرا" ذات نفوذ واسع في القصر الملكي الحلبي التي كانت تساعد زوجها في الحكم، فلا بد أن هذا الإرث الكبير قد انتقل مع ابنتها "شيبتو" أثناء انتقالها وزواجها من أقوى وآخر ملوك "ماري" الملك "زمري ليم" (1782ـ1759ق.م). فقد تزوج من "شيبتو" وفق مراسم الزواج الحلبي والسوري عامة».

    ــ مؤلفات الباحث "نزار كحلة":

  • "المرأة في التاريخ بين التأليه والتوبيخ"، قيد الطبع.

  • "إبداعات حضارية في تاريخ العرب قبل الإسلام"، قيد الطبع.

  • "التخدير والإنعاش عبر التاريخ".

  • "ملكات عربيات عبر التاريخ".

  • - "الطوفان".. مسرحية.

  • "المدارس والتعليم في بلاد الشام والرافدين".
  • يذكر أن، الباحث "نزار مصطفى كحلة" من مواليد "سلمية"، عام 1970.