يعرف الحرير يديها جيداً، فلطالما ولد على يديها منذ أن كان شرنقة، إلى أن تتشح به سيدة أو تتباهى به عروس، الرحلة الطويلة لخيط الحرير الطبيعي تمر عبر "يسرى عيد" المرأة التي تصرف جلّ حياتها على طريق الحرير.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 حزيران 2014 السيدة "يسرى عيد" لتحدثنا عما فعلته أناملها، وما أبدعته أفكارها، فانطلقت من بداياتها مع هذه المهنة بالقول: «هي مهنة صعبة وحساسة ومتوارثة في قريتنا منذ مئتي عام، وقد ورثتها عن والدتي منذ أكثر من 30 سنة تقريباً، فالأب ورثها عن الجد الذي بدوره يورثها للابن وهكذا، حيث كانت كل القرى في المنطقة الواحدة تشترك في معمل واحد أو ورشة كبيرة واحدة لإنتاج الحرير الطبيعي، وهو ما نشأنا عليه، ولكن للأسف بدأت المهنة التراجع والتناقص، فاليوم وصل عدد البيوت في قريتنا ممن يعملون بها إلى خمسة بيوت فقط مشتركة في ورشة واحدة».

أطلب الدعم المادي والمعنوي من كل من وزارات الصناعة والزراعة والثقافة، فكل منتج من الحرير الطبيعي يشترك فيه عدة أشخاص (الفلاح والرجال والنساء)، ويستمر لأكثر من شهر حتى يصل إلى شكله النهائي، فمن الضروري أن يكون لدينا معمل صغير خاص بإنتاج الحرير الطبيعي، والاهتمام أكثر بهذه المهنة التراثية من ناحية الترويج لها والتسمك بها حتى نحافظ عليها

من خلال عملها استطاعت أن تتميز من غيرها من النساء، فهي تقضي بعض أوقاتها في تربية دودة القز التي تعدّ الركيزة الأساسية لإنتاج الحرير الطبيعي، تقول "عيد": «في الأول من نيسان من كل عام، وبعد أن نحصل على دودة القز من وزارتي الصناعة والزراعة أقوم بتربيتها لمدة من 40-50 يوماً، فأقدم لها وجبات منتظمة من ورق التوت الناعم ثم الأخشن والأخشن حتى أطعمها ورقة التوت كاملة في الأسبوع الأخير من التربية تنتج مادة تدعى "الشرنقة"، وهنا تأتي مهمة الرجل عندما يضع الشرانق في الماء المغلي من أجل حلها وسحب الخيط منها على دولاب كبير لإنتاج شلة الحرير التي نحولها إلى مواسير صغيرة نغزلها على المغزل اليدوي؛ لينتج الخيط الذي أقوم بوضعه على النول اليدوي وأشكل القطعة التي أريد إنتاجها».

شال حرير طبيعي

تلعب السيدة "عيد" أدواراً متعددة في حياتها، فتارة مصممة الأشكال النهائية للحرير الطبيعي، وتارة تكون البائعة التي تروج للقطع التي تنتجها، تقول: «أعمل على إحداث تصاميم متنوعة من الشالات يأخذ بعضها الشكل التراثي المتعارف عليه قديماً الذي مازال مرغوباً حتى الآن، وأقوم بإحداث أشكال مبتكرة وحديثة بما يتناسب مع الموضة وحسب رغبة الزبون، إضافة إلى أشكال أخرى كالبلوزة والبنطلون والحزام (القشاط) وأغطية الأسرة وغيرها من التصاميم التي أنجز بعضها يدوياً (السنارة والكروشيه)، وبعضها على النول اليدوي التي نزينها بكروشيه من نفس الخيط، ولأن هذا النوع من المهن حساس جداً ويحتاج إلى خبرة طويلة في التعامل معه لا أترك للتجار عملية التسويق بل أقوم بها بنفسي حتى أكون على مقربة أكثر من الزبون وذوقه، فأكون حاضرة في أغلب المعارض التي تقام في أسواق "دمشق القديمة" وغيرها من الأسواق».

تتشبث السيدة "يسرى" في مهنة تكاد تتناقص وتندثر كل يوم، وفي هذا تقول: «نعم إنتاج الحرير الطبيعي يقل كل عام، وذلك بسبب حساسية تربية دودة القز وغلاء سعر المادة، ولكنني أعمل على توريث المهنة لأولادي حتى تبقى حاضرة في سوقنا السورية، فأبدأ من المادة الخام لأقدم منتجاً صحياً مئة بالمئة يدوم خمسين عاماً مع الاستعمال المتواصل، فضلاً عن رقيه وجماله، وله خصوصية تراثية وعادات وتقاليد في مجتمعنا وقد نشأت وتربيت عليها».

السيدة يسرى عيد

الجهد الكبير الذي تقوم به السيدة "عيد" ومن يساعدها عمل تستحق عليه التقدير والثناء، وهنا تتوقف لتقول: «أطلب الدعم المادي والمعنوي من كل من وزارات الصناعة والزراعة والثقافة، فكل منتج من الحرير الطبيعي يشترك فيه عدة أشخاص (الفلاح والرجال والنساء)، ويستمر لأكثر من شهر حتى يصل إلى شكله النهائي، فمن الضروري أن يكون لدينا معمل صغير خاص بإنتاج الحرير الطبيعي، والاهتمام أكثر بهذه المهنة التراثية من ناحية الترويج لها والتسمك بها حتى نحافظ عليها».

"سارة عيد" طالبة هندسة بتروكيمياء، تكون مع والدتها في المعارض، تقول عنها: «هي امرأة مكافحة لا تكل ولا تمل العمل، بجهدها وصبرها الكبير تتحمل أعباء العمل والمنزل دون أي تقصير، فإضافة إلى واجباتها المنزلية تجدها تعمل في صناعة الحرير الطبيعي وإنتاجه من المادة الخام وحتى المرحلة النهائية، خبرتها الطويلة في المهنة وضعتها موضع معلمة الأجيال، فهي اليوم تعمل على توريث المهنة لأولادها للمحافظة عليها من الاندثار بعد زمن طويل».

من صنع يديها

جدير بالذكر، أن "يسرى عيد" من مواليد 1956، من قرية "دير ماما" في مدينة "مصياف".