اعتز بأصالة بلده والتراث الريفي العريق الذي ينتمي إليه، وتنامى شعوره بضرورة حفظه لما يمتلكه من بصمات إرث ضاربة في التاريخ، فقرر أن يحول منزله متحفاً لأكثر من ثلاثة آلاف قطعة من كافة الحرف والمهن التراثية.

مدونة وطن "eSyria"، وبتاريخ 22 نيسان 2014، التقت السيد "علاء زهور"؛ ليحدثنا عن بداياته وتأثير البيئة المحيطة من حوله في اهتماماته: «ولدت في قرية "بيرة الجرد" التابعة لمنطقة "مصياف" ضمن أسرة ميسورة الحال، وتلقيت مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية وبعدها انتقلت إلى مدينة "دمشق" بحكم عملي فيها، وظلت الطبيعة الريفية والأدوات التي كانت تستخدم في نشاطات القرية الزراعية والصناعية راسخة في ذاكرتي».

عبق الماضي يعيش في داخله ويخدم كل من يقصده، وأحياناً يبادر بالمساعدة من تلقاء نفسه كما ساهم في تأمين فرص عمل لعدد من أبناء القرية

وبداية الشرارة التي كان لها وقع مؤثر جعله يمضي في حفظ التراث غليون من جده: «تلقيت هدية من جدي، وهي غليون خشبي وكنت آنذاك في الحادية عشرة من العمر، وهذا الغليون أشعل بداخلي الرغبة في اقتناء القطع المميزة البسيطة، كما آثرني جدي بممتلكات بيته المتواضعة، ومن أثنائها بدأت جمع كل ما يخص القرية وأولها محتويات البيت العتيق، ومنها: المنارة، الساموك، المكواة الخشبية النادرة، السراج أو البصبوص، "المكبة" وهي وعاء من القضبان وعيدان الريحان كانت تقوم بمقام البراد، "السمندرة" وتعد بمنزلة الخزانة مخصصة للآنية المنزلية وتعرف بـ"النملية"، سريجة خابات الماء الفخارية، وكل لوازم المنهاج المدرسي منذ الستينيات موجودة لدي من قلم رصاص، دفاتر، مساطر، حقائب مدرسية».

جانب من المعرض

ويتابع السيد "زهور" عن مجهوده وحرصه في الحصول على أغلب التحف القيمة ذات الإرث الشعبي: «سعيت لامتلاك كل أداة من صنع الإنسان في شتى الحرف ومن مختلف المناطق السورية، ومنها: اليدوية كالحداد والنجار العربي، الحلاق، الكهربائي، الدباغة، وقمت بجولات وزيارات للقرى المجاورة بحثاً عن المزيد من الأثريات النادرة، ومن النهفات الجميلة التي أذكرها عندما كنت في القرية لشراء "الساموك الخشبي"، وهو جذع شجرة كبير يوضع منتصف البيت تحت السقف الترابي لرفعه وتثبيته، اجتمع معظم أهالي القرية تعجباً وللتساؤل عن اقتناء هذه القطعة التي سادت قديماً، ثم بادت حالياً، وتمت مساعدتي من قبل الأصدقاء والمعارف ومنهم من قدم لي بعضها كهدية أو أرشدني إلى مكان وجودها فاشتريتها من مالي الخاص، وأجمل هدية آلة حاسبة ميكانيكية، وأغلى قطعة دفعت ثمنها حوالي 50000 ليرة سورية لبيانو صالون، وأضفت إلى مجموعتي السابقة ما يخص عمل الفلاح، ومنها: "الصمد الخشبي" كان يستخدم لحراثة الأرض، و"الحيلان" لدراسة القمح والشعير، منجلي الحطب والحصيدة، "الخرج" لنقل الحجارة، النول العادي، مشاطة خيط القنب».

وعن اهتمامه بمجالات أخرى وتنوع مواهبه، يضيف: «أعشق الخط وخاصة الكوفي ولدي ما يقارب الأربعين لوحة زجاجية بخط يدي. إضافة إلى هواية الرسم والتصوير الفوتوغرافي، كما أحب تذوق الأنغام الموسيقية باستمرار وأحياناً أعزف على آلة الغيتار، ما دفعني لجمع الآلات الموسيقية قدر المستطاع، الوترية، النفخية، الإيقاعية وعدة المصور من الكاميرا المائية حتى مستلزمات التحميض، وأقلام الحبر في بداية الأربعينيات، وآلة عرض سينمائية، والطابعة المعدنية، ومناظير موشورية يعود تاريخها إلى عام 1889 إضافة إلى مختلف أنواع القبعات، الراديوهات، الساعات الشمسية والمائية، ومصابيح أديسون، وزينة نسائية طقم فضة من عام 1930م».

السيدة سامية زهور

وعن علاقته الاجتماعية والأسرية، حدثتنا زوجته السيدة "سامية زهور": «يتمنى الخير للجميع ويحب أن يرى الناس متكاتفين مع بعضهم بعضاً، وهو محبوب من قبل أصدقائه، وضمن العائلة يتمتع بشخصية عاطفية وأبوية في تعامله مع أفراد الأسرة، وأنا أقاسمه عشق التراث ومن الداعمين له في جميع مواهبه وهواياته، وهو متمسك بكل قطعة ولا يفرط بها مهما قدمت له من المغريات المادية التي يعرضها بعض الزائرين».

ومن أحد أصدقائه السيد "غسان سلامي" قال: «عبق الماضي يعيش في داخله ويخدم كل من يقصده، وأحياناً يبادر بالمساعدة من تلقاء نفسه كما ساهم في تأمين فرص عمل لعدد من أبناء القرية».

من مقتنياته

وعما يطمح إلى تحقيقه في المرحلة المقبلة، يضيف السيد "علاء": «حلمي الوحيد بعد مسيرتي الطويلة التي استغرقت أربعين عاماً في جمع المقتنيات المتجذرة بالماضي الجميل، إنشاء معرض يتسع لكل الموجودات والحفاظ عليها من الاندثار، بغض النظر عن التكلفة الباهظة وضعف الإمكانيات، على الرغم من العروض المالية التي تلقيتها من زوار خارج البلد لبيع بعض القطع النادرة إلا أنني رفضت قطعياً، وأي قطعة لدي تساوي عندي كنوز الدنيا لرمزيتها ودلالاتها القديمة».