عاشق مولع بعمله، صانع للجمال بفنه، هذا الفن الذي جعله أكثر قرباً من أحاسيس ومشاعر الناس، فتارة تجده يدمج الموسيقا مع الطب، وتارة أخرى يلجأ إلى الرسم ليعالج مرضاه.

هو الطبيب والموسيقي والرسام "جمال سكاف" الذي التقته مدونة وطن " eSyria" بتاريخ 5 كانون أول 2013، الذي حدثنا عن أول اهتماماته الموسيقية بقوله: «ولدت في أسرة تحب الموسيقا، فكان فنانو جيلنا هم الحاضر الغائب كل يوم، ومنذ ذلك الوقت بدأت أتعلم العزف على العود، فحفظت بعض الأغاني البسيطة وأخذت أتدرب عليها بمفردي، وبسبب الأوضاع المادية آنذاك لم أستطع تأمين تكلفة دروس تعليم العزف على آلة العود إلا مؤخراً».

هناك ترابط بين الفن والعلم لذلك لا أرى تنافساً بينهما على صعيد الأهمية بل على العكس فالطب يعالج أعضاء الجسد والفن يعالج روح تلك الجسد، فيكمل أحدهما الآخر، وأرى الانسجام بينهما أكثر من المنافسة

لم يتمكن "سكاف" من أن يكون موسيقياً أكاديمياً، وبجهوده الخاصة استطاع أن يكون له لون خاص في العزف والتقاسيم، يقول: «تدربت كثيراً على بعض الأغاني والمقطوعات الموسيقية، فعندما أذهب لحضور الحفلات الموسيقية أنشغل بمراقبة أصابع العازفين لأعود إلى منزلي وأكرر ما فعلوه، وقناعتي أنني إن لم أكن عازفاً ماهراً فيجب أن أكون متلقياً جيداً، وإلى الآن أحاول أن أطور نفسي باستمرار، وقد سجلت ألبوماً خاصاً بي يحتوي التقاسيم التي ألفتها، كذلك شاركت عازف التشيللو "علاء يعقوب آغا" في عدة حفلات أجدها قد أضافت إلى تجربتي».

مع الفنان نزيه عيسى

الموسيقا بالنسبة لـ "سكاف" لا تتوقف، فلا تقتصر على العزف فقط، يقول: «توسعت معرفتي عندما قرأت في تاريخ الموسيقا العالمية وفي تاريخ الفن والنقد الفني، أيضاً استمعت إلى أهم الأعمال الموسيقية في الوطن العربي والعالم، فقد أدركت أهمية الفن في حياة الإنسان منذ وجد على الأرض ليجعله أكثر قدرة على الالتقاء بالآخرين وتبادل تجاربهم».

يربط "سكاف" بين عمله كطبيب جراح وبين اهتماماته الفنية، لينعكس الفن على أدائه الطبي، وهذا ما يميزه عن غيره من الأطباء في مدينته، وفي ذلك يقول: «لقد رسمت وجوهاً ضاحكة على البالونات لبعض المرضى من الأطفال، وهذه البالونات كنت أصنعها من القفازات الجراحية التي نستخدمها في عملنا، غير أني رسمت لبعضهم على الجِبار المصنوع من الجبصين، وقد رافقتني الموسيقا والأغاني داخل غرف العمليات فغنيت أثناء إجراء العملية، ليترك هذا أثره في كادر الأطباء والممرضين الذين يعملون معي ويشعر المريض بالاسترخاء ليخفف ذلك من التوتر الذي يرافق العملية، فأنا أمتن إلى الفن لأنه قربني من مشاعر الناس أكثر، حتى إنني بكيت عدة مرات وأنا أسمع آلام المرضى التي لا تحتمل، فالأهم بالنسبة لي مشاركة الناس مشاعرهم وأحاسيسهم».

الدكتور سكاف مكرماً

عمله كطبيب أخذ من الوقت الكثير، فكان مقلاً في الرسم لما يتطلبه ذلك من التحضير والمتابعة المستمرة، ويتابع "سكاف": «في مجال الرسم تأثرت بالمدرسة الانطباعية والتعبيرية، ولضيق الوقت لا أمسك فُرَش الرسم الخاصة بي إلا في أوقات متقطعة، ولكنني أوظف موهبتي هذه قبل العمليات الجراحية، فعادة ما أرسم مخطط ومراحل العمل الجراحي بشكل يدوي، وهذا ما يساعدني أثناء العملية ويعطيني أداءً أفضل، وفي الحقيقة بعض العمليات يحتاج تحضيرها إلى رسم هندسي يزيد من ثقة الطبيب بنجاح العمل الجراحي».

الفن هو طريقة للمعرفة شأنه شأن العلم والفلسفة، وهو طريقة موازية ومتميزة لهما، -حسب "سكاف"- ويضيف: «هناك ترابط بين الفن والعلم لذلك لا أرى تنافساً بينهما على صعيد الأهمية بل على العكس فالطب يعالج أعضاء الجسد والفن يعالج روح تلك الجسد، فيكمل أحدهما الآخر، وأرى الانسجام بينهما أكثر من المنافسة».

قلعة شميميس من لوحاته

كثيرون من الأطباء الذين يهتمون بتعلم الموسيقا وفي هذه الظاهرة يرى "سكاف": «انتشار الإنترنت في الفترة الأخيرة كان له دور كبير في سهولة الوصول لما نرغب في تعلمه، وهذا أثر إيجاباً في حياة الناس لذلك ازداد عدد رواد ومحبي الموسيقا والرسم والشعر والأدب وغيرها ومنهم الأطباء، وأنا أشجع على هذا المزج بين المهنة والهوايات فهي تغني الإنسان ثقافياً وتجعله أكثر نجاحاً».

للدكتور "جمال سكاف" أصدقاء كثر من أوساط الفنانين والكتاب، التقينا منهم الصحفي والكاتب "رضوان السح" الذي تعرّف على "سكاف" في الثمانينيات عندما كان طالباً في كلية الطب، يقول عنه: «ما جمعنا وجعلنا صديقين هو شغفه بالفنون الجميلة عامة كالموسيقا والشعر والأدب والفن التشكيلي وبالثقافة عموماً، فهو يختلس الأوقات من عمله ليرسم ويعزف، فلا يترك مجالاً للوقت إلا ويستغله، وما زاد إعجابي به روحه الجميلة والحس الفكاهي الذي يمتلكه ليكون أقرب إلى القلب، وعلى صعيد عمله نراه يبتكر أساليب جديدة، وأكثر فعالية في معالجة المرضى فشهد له الكثيرون من الخبراء على الصعيد الطبي».

جدير بالذكر أن الطبيب "جمال سكاف" قد تميز بعلاج تشوهات الأطفال فامتلك أكثر من مئة ملف لأطفال تمت معالجتهم وحصلوا على نتائج جيدة، ليس هذا فحسب فهناك ملف إنقاذ الطرف السفلي الذي اشتهر به، قدم العديد من المحاضرات عن هذه المواضيع وغيرها ليوسع المعرفة لدى الأطباء ويجيب عن تساؤلاتهم، غير أنه أشرف على لقاء خاص عن أحدث مستجدات الجراحة العظمية كان يقدم كل شهر واستمر أربع سنوات، وهو من مواليد "حماة" 1960، متزوج ولديه ثلاثة أولاد "كرم ونغم وشهد".