يعرفه كل من ولج عالم الموسيقا في محافظته، إنه صانع ماهر لآلة "العود"، ولكن الطموح الذي لا يروي "نزيه عيسي" جعله يقتحم الآلة الغربية ليكون السباق عربياً في صناعة أول "كمان" بروح عربية، ربما يجب منحه براءة إنجاز لم يسبق لغيره التجرؤ على ذلك خوفاً من الفشل.

مدونة وطن eSyria في يوم الاثنين 30 تموز 2012 تلقي الضوء على إنجاز غير مسبوق من فنان أطلق عليه كل من عرفه أنه استثناء في هذا المجال. عشرون عاماً والهاجس ذاته حتى تسنى له الوقت ليضع نقاط هواجسه على أوتار "الكمنجة" وهنا يقول: «كان لي محاولات عدة، لكن كانت تنقصني الخبرة، حتى قررت أن أحقق حلمي هذا، وبأدوات صممتها بنفسي قد لا تشبه نفس الأساليب المعتمدة في صناعة هذه الآلة».

كل محاولاتي هذه لم تحقق غاياتها ما اضطرني أن أتوقف هنا لانتقل هناك، مثل راقص على جراح الإبداع

هذا يقودنا لمعرفة الإضافة الجديدة التي قدمها في تحدّيه هذا، قال: «أولاً لا يمكن العبث بآلة لها حضورها وانتشارها الواسع، ولكن ما اقتنعت به وهو ليس موجوداً في الصناعة الغربية هو سماكة الجدار، لأن آلة "الكمان" تمتلك رقة في حجمها ووزنها، فوجدت أن زيادة السماكة تزيدها متانة، لكن تنفيذها يكون أصعب بكثير لأنني أتعامل مع خشب يحتاج لعناية في ثنيه».

آلة "الكمان" التى عدلها

ويكمل قائلاً: «استخدمت خشب شجر "الجوز" وقد أجرب نوعاً آخر، ولكن ما يصادفنا أن مرور الزمن يأخذ من قيمة هذه الأخشاب ما يؤثر سلباً على جودة أداء هذه الآلة».

وبحث "نزيه عيسي" على شبكة الانترنت فلم يجد أن أحداً في بلاد العرب حاول صناعة "الكمان" ويعود السبب كما قال: «تحتاج صناعة "الكمان" لدقة عالية تراعي المقاييس العالمية، وصبر طويل، أضف إلى أنها ذات مردود مادي قد لا يلبي الطموح، أو ربما الحاجة، لأن "الكمان" موجود في الأسواق بكثرة، وتبدو كلفتها على الصانع أكبر بكثير مما هو سعرها في الأسواق، فلذلك لم يغامر أحداً في هذا المجال، ولكنني غامرت».

الفنان "نزيه عيسي" في مشغله

لم يسع للشهرة، ولم يبحث عن مردود مادي، لكنه تمنى من المعنيين الاهتمام، قال: «بعد نشر خبر صناعة "الكمان" تمنيت لو أن موسيقياً واحداً أثاره هذا الخبر، حتى نقابة الفنانين في محافظة "حماة" لم تعر الأمر اهتماماً، ربما لا يعنيهم هذا الأمر، ولست بوارد أن أعلن عن نفسي أمامهم، فقط كنت أحب أن أشعر بإنجازي هذا من خلال بعض الاهتمام ولو كان مجاملة ليس أكثر».

نعرج قليلاً على صناعة "العود" وهو ما عرفه الناس عنه، ما أكسبه شهرة وصلت خارج حدود وطنه الأم سورية، لنعرف ما التجديد الذي منحه لهذه الآلة، قال: «لقد جددت بالمظهر الخارجي، وعملت على صناعة آلة مخصصة للطفل دون تعديل على الأبعاد ليعتاد على "الدوسات" النظامية للدرجات الموسيقية».

بعض من مشغولاته

ويضيف: «بعيداً عن "العود" جددت في صناعة آلة "الربابة" هذه الآلة التراثية المهملة، ربابتي لا تشدها المسامير، وعدّلت من شكل "قوس الربابة"، وأعتبر تجربتي هذه بمنتهى الأهمية ووفاء مني لهذه الآلة التي نشأنا على سماعها من كبار المطربين الشعبيين على مستوى القطر وأخص الراحل "محمد صادق حديد"».

أما الجوانب المخفية الأخرى في حياة الفنان "نزيه عيسي" أنه يكتب الشعر العمودي، والشعر الغنائي، والزجل، وله ألحان كثيرة، وكتب في الدراما التلفزيونية، ولكن كما قال هو عن نفسه: «كل محاولاتي هذه لم تحقق غاياتها ما اضطرني أن أتوقف هنا لانتقل هناك، مثل راقص على جراح الإبداع».

أمنيته أن توجد المؤسسات والهيئات التي تعمل على تبني أعمال المجتهدين وأصحاب المواهب، فالموهبة تحتاج لحدائقي يعرف كيف وأين ومتى يسقي زهور حديقته، لأن مشوار الفن صعب ويجب مد يد العون لأعداد لا متناهية من المبدعين المغمورين.

الموسيقي "محمد السلوم" يرى في موهبة "نزيه عيسي" أنها قد تصل للكمال لأسباب كثيرة، منها دراسته الموسيقا بشكل أكاديمي، ودراسته الثانية في الأدب العربي الذي شكّله شعرياً، عدا كونه صانعا ماهرا للآلات الموسيقية، ويضيف: «يؤخذ عليه إهماله للناحية التسويقية، لاعتقاده أن الفن ليس لجمع المال، وهذا ما جعله يعتقد لاحقاً أن ترك المكان قد يكون أحد خياراته، لاقتناعه أخيراً أنه لا يمكن الفصل بين الفن ولقمة العيش، هو يمتلك من الكلمة الشيء الكثير، ومن اللحن ما هو جميل وخلاق، فقط يجب عليه أن يحدد ماذا يريد من الفن كي يستمر، أما الفن فلا مشكلة له مع "نزيه" لأنه أخذ الكثير منه».

وكان قد أنجز "ربابة" على شكل "كمنجة"، وآلة إيقاع "طبلة" من الخشب بدلاً من "الفخار"، أو "الفونت"، وبحثه عن كل ما هو جديد ومختلف لا يتوقف أبداً.

نترك "أبا الطيب" يستمع لأغاني "فيروز" فقط هي من يسمع، كذلك عمالقة الغناء العربي.

ـ بطاقته: هو "نزيه محمد عيسي" من مواليد "سلمية" في العام 1963، مدرس لمادة التربية الموسيقية، متزوج ورزق بثلاثة أبناء أكبرهم "الطيب"، والصغرى "فيروز" وأوسطهما "نبيل".