بصوته الذي يعيدك إلى زمن البيادر، وإحساسه الذي يشدّك لتطرب لكلمات جاء بها من طواحين الذاكرة، إنه الفنان "غسان قدور".

موقع eSyria التقى به في بلدته "تل الدرة" يوم الأحد 11/12/2011، ليتعرف منه على تجربة بدأت في العام 1957 وما زالت حتى يومنا هذا تقدم لمحبي الفن الأصيل أمتع الألحان.

دخلت إلى المسجد وعمري ثلاثة عشر عاماً، التحقت بفرقة الإنشاد الديني، وحفظت سور القرآن الكريم، وانتقلت إلى مرحلة تجويده

لذلك قال عن بداية تعلقه بالغناء: «دخلت إلى المسجد وعمري ثلاثة عشر عاماً، التحقت بفرقة الإنشاد الديني، وحفظت سور القرآن الكريم، وانتقلت إلى مرحلة تجويده».

"غسان قدور" باحث في الفلكلور الشعبي

وعن أهمية التجويد بالنسبة لمن يمتلك خامة صوتية جميلة، قال: «يعمل التجويد على تقويم اللسان، ومرتل القرآن يجب أن يكون عارفاً في الأوزان الموسيقية، خاصة منها المقامات، بالنسبة لي ورغم دراستي الأكاديمية للتاريخ إلا أن اهتمامي باللغة العربية كان كبيراً، وهذا أيضاً كان له الدور في تقويم لغة "العتابا" والشعر الموزون».

والغناء بالنسبة له جمال، قال: «أشعر بروحي ترفرف بعيداً كلما غنيت، فالغناء يعبّر عن روحي الشاعرية، وجمالية الإنصات واللحن والقول وسبك الشعر، وهذا يمنح الجلسات التراثية جمالية خاصة، أضف إلى أنه امتداد لتراث الأجداد».

"غسان قدور" صوت جبلي مميز

ويضيف: «أنا لم أخترع بل أكملت ما بدأه الأجداد الشعبيون منذ أواسط القرن التاسع عشر حيث أعيد بناء "سلمية" بعد خرابها لأكثر من مرة».

أما عن الأصوات التي نالت إعجابه وكان لها الأثر الكبير في أدائه قال: «نحن على العموم "آل قدور" معروفون في بلدتنا بأننا مغرمون بصوت الكبير "فريد الأطرش" وأنا منهم، وهذا قبل اجتياح موجة الأصوات الجديدة ووضع الأصوات الكبيرة في الأدراج».

البحث عن كنوز السلف

وهذا ما يقودنا لنسأله عن واقع الأغنية السورية، قال: «بلا شك هناك أصوات غنائية مهمة، ومنهم من انطلق خارج حدود الوطن بصوته وحقق نجاحات مهمة، ولكن- ووراء لكن هذه عدة إشارات استفهام- لا اشك بوجود المقدرة على تطوير الأغنية السورية، ولكننا بحاجة إلى كتّاب وشعراء يقدمون المختلف، ربما يوجد ولكنهم مغمورون، لا أعرف بالضبط هذا التخفي».

ولم يكتف "غسان قدور" بما وهبه الله من صوت جميل، لكنه عمل على التقصي والبحث عن مخزون المنطقة التراثي، قال: «جاء اهتمامي بالتراث نتيجة ما لحق به من إهمال ونسيان، والذاكرة الإنسانية تفقد صدقيتها مع مرور الزمن وتبدأ بخلط المعلومات فتنسب هذا لذاك، وذاك لهذا، عند هذا الأمر يمكن أن يضيع كل ما قاله الأولون، وكثيراً ما يبخس حق ما قالوه خاصة إن كان القائل إنساناً فقيراً في فترة حياته، فعملت على هذا النحو لأنني أرى في حفظه خدمة للمنطقة، وتقديمه للأجيال القادمة حتى لا تقع القطيعة بينه وبين من سبقه».

أما "غسان قدور" الباحث فيمكن الاعتماد عليه لأنه يحب مهمته ويحاول إنجازها بكل الوسائل والسبل، قال: «يمكن القول إنني الباحث التراثي الأول في "سلمية" ولهذا تم اختياري كأحد أعضاء لجنة التراث على مستوى محافظة "حماة"، وقد مثلت شرقي المحافظة في هذا المجال، وهذا ما وفر لي الفرصة لحضور عدة مؤتمرات عنيت بالتراث الغنائي والتراث اللامادي».

ويتابع: «في العام 2008 شكلت مديرية الثقافة في محافظة حماة "لجنة توثيق التراث السلموني المادي واللامادي، وقمت بزيارة الكثير من كبار السن في عدد كبير من القرى، حاولنا أن نخرج من مخزونهم ما بقي وحفظوه، وهذا أمر أعتقد أنه في غاية الأهمية، وعمل يصرف عليه أموال طائلة في بلدان أخرى، لكننا نقوم به بأقل التكاليف، وهذا نتيجة حرصنا على تراث ومخزون سورية الفلكلوري والغنائي، وليس بإمكان احد القيام بذلك إلا من يحب هذا العمل، وأنا منهم والحمد لله».

ويختم: «لا أعتقد أن مثل هذا العمل ينقضي بمرور سنة أو عشرة، إنها حالة بحث دائم، فالتراث يشبه الكنز مدفون في ذاكرة البشر، بعضهم لا يعرف أنه يملك كنزاً، مهمتنا أن نظهر هذا الكنز، لذلك المهمة صعبة، لكنها مثيرة وممتعة».

المطرب "محمد صليبي" يعتبر الأستاذ "غسان قدور" معلمه، وعنه يقول: «يعتبر واحداً ممن كرس نفسه لخدمة الفن الشعبي من خلال متابعته الحثيثة لتوثيق ما قاله السلف، أضف إلى أنه يمتلك صوتاً متميزاً ونادراً، وما يدهش الجميع قوة صوته وهو في عمر يجب أن يأخذ الصوت منحى آخر، هو فخر لكل من تعرف عليه».

الجدير ذكره أن الباحث والفنان "غسان قدور" هو من مواليد 1944، درس التاريخ في "جامعة دمشق"، ودرّس هذه المادة في مدارس القطر وفي أكثر من محافظة، عضو في "لجنة التراث" على مستوى المحافظة، وعضو في "لجنة توثيق التراث السلموني المادي واللامادي". شارك في مسرحية "عرس المطر" عام 2003، وهي مسرحية فلكلورية غنائية، ومهرجان أيام سلمية الموسيقية عام 2009 التي نظمتها "جمعية أصدقاء سلمية". وهو عضو في "جمعية العاديات- سلمية".