كثيراً ما يتبادر إلى أذهاننا "الدون كيشوت" الرواية العالمية للكاتب الإنساني الكبير "ثرفانتس"، أيضاً رواية "الوله التركي" للكاتب "أنطونيو غالا"، والكثير من الروايات العالمية "الخطة اللانهائية" للكاتبة "إيزابيل أليندي" لكن هل تساءلنا يوماً عن الجندي المجهول الذي يقدم لنا هذه الروايات من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية؟

إنه الأديب الكبير "رفعت عطفة" مواليد "مصياف" عام /1947/، القاص، ابن مدينة "مصياف" البار، لم يهجر مدينته بالرغم من أنه عاش متنقلاً بينها وبين اسبانيا، وهو يختلف عن بعض الأدباء أن في استطاعة الإنسان أن يصل إلى مدارج معينة من المعرفة والعلم وهو في قريته، ولنا في "أبي العلاء المعري" أسوة حسنة لأنه أمضى عمره في مدينة "معرة النعمان" فعرفت به وليس العكس. وهو دائماً يردد "انتماؤنا إلى أرضنا وأهلنا يجب أن يترجم واقعاً عملياً".

"رفعت عطفة" عبر ترجماته، أسس أسلوباً خاصاً به، أصبح الآن مدرسة لابد من الإطلاع عليها، فهو يؤمن بأن لكل مترجم أسلوبه الخاص، كما أن اللغة العربية مطواعة لدرجة كبيرة، وبما أن العمل أدبي، فإن الأسلوب هو عنصر مهم جداً في العمل الأدبي.

غلاف إحدى المجموعات القصصية

عندما نال "رفعت عطفة" الشهادة الثانوية تقدم بطلب منحة دراسية إلى إسبانيا فحصل عليها، وعن ذلك يقول: "توغلت في الثقافة الإسبانية، وفي نفوس الإسبان، وكان اكتشافي المدهش أن هناك الكثير من الملامح الطيبة الموجودة عند إنساننا السوري موجودة عندهم لأننا ننتمي إلى بحر واحد، فنحن صفحتان في كتاب البحر المتوسط ويفتح بأربعة اتجاهات شرقه سورية وغربه إسبانيا، ومازالت العلاقة قائمة بيني وبين الكثير من الشخصيات الإسبانية ضمن مودة لا تنتهي".

تسلم مهامه كمدير للمركز الثقافي العربي السوري في "مدريد" منذ عام /2005/م ولعدة سنوات ساهم من خلالها في خلق عدد من النشاطات التي حققت موقعاً مهماً على الساحة الثقافية الإسبانية، وقد نال المركز الثقافي السوري في اسبانيا جائزة أنشط مركز ثقافي في "مدريد".

وقد قام بتأسيس الملتقى الثقافي السوري مع مدينة "المنكب"، كما أسس الحدائق النحتية السورية، إضافة إلى المعارض والتصوير الفني والمهن اليدوية والزجاج والمطبخ السوري والموسيقى السورية، وكرم عدد من الأدباء منهم: "نزار قباني"، "نازك الملائكة"، كما كرم مستعربين أيضاً من أمثال "بدرون مارتينس مونتالس". كما ساهم من خلال عمله في اسبانيا في إقامة أسابيع الآثار السورية، وقد أنهى عمله في اسبانيا في بداية عام /2008/، ليعود إلى مدينته "مصياف" مجدداً.

"رفعت عطفة" سبق له إدارة المركز الثقافي العربي في مدينة "مصياف" لمدة /27/ سنة، تحولت خلالها "مصياف" إلى بؤرة استقطاب للنشاطات الثقافية من "سورية ومن العالم العربي، وقد كان له شرف تكريم أدباء أثناء حياتهم، حيث كرّم "مظفر النواب"، "وجيه البارودي"، وأسس لأول ملتقى نحتي يقوم به مركز ثقافي عربي، أحد الشعراء المكرمين أيضاً كان الشاعر "نديم بيطار" الذي قال في حفل تكريمه "وصيتي، إذا متُّ فأدفنوني في "مصياف"".

صورة مع العائلة

وعن الترجمة فقد ساهم في ترجمة العديد من الكتب من اللغة "الإسبانية" إلى العربية نذكر منها:

1-بابلو نيرودا: كتاب التساؤلات(ويضم كتاب التساؤلات والوردة المفصولة و2000) وزارة الثقافة /1978/. إضافة إلى ديوان حجارة السماء في ملحق الثورة الثقافي عام /1977/.

2-رامون دل بالييه- إنكلان: مسرحيات ثلاثية الكوميديات البربرية، وجه الفضة، النسر، نشيد الذئاب. صدرت عن وزارة الثقافة /1982/، وكذلك أضواء بوهيمية في مجلة الحياة المسرحية /1979/.

3-رينيه ماركس: مسرحية لن يدخل الموت القصر. صدرت عن وزارة الثقافة /1983/.

4-إيغون وولف: مسرحية الغزاة. صدرت عن وزارة الثقافة /1983/

5-مانويل روخاس سيبّولبيدا: ابن لص، (رواية) صدرت عن وزارة الثقافة عام /1984/

6-ماريو بارغاس ليوسا: البيت الأخضر(رواية) صدرت عن وزارة الثقافة عام /1991/

7-مجموعة باحثين: أيام الثقافة الإسبانية في دمشق. صدرت عن وزارة الثقافة عام /1991/

9-خيسوس ريو ساليدو: ركان شكوكا...(شعر باللغتين العربية والإسبانية) صدر عن دار طلاس /1991/

10-إلسا لوبِّثْ: الميسرة المظلمة(شعر بالعربية والإسبانية) صدر عن دار بالما في مدريد /1991/.

11-أنطونيو بوربتّا: الذاكرة والحضور(شعر) صدرعن دار أرواد طرطوس /1996/.

12-أنطونيو غالا: المخطوط القرمزي(يوميات أبي عبد اللّه الصغير) رواية صدرت عن دار بترا /1997/.

15-فدريكو غارثيا لوركا: قصائد حب(مختارات شعرية بمناسبة الذكرى المئوية لولادته) صدرت عن دار أرواد، طرطوس /1998/.

أما عن الترجمة المعاكسة فقد ترجم عدد من القصص والمختارات إلى اللغة الأسبانية كانت أبرزها ترجمة مختارات للقاص السوري "زكريا تامر"، و "محمد الماغوط"، و"أدونيس"، وعن سبب عدم الإنتشار الكبير للمترجمات العربية يقول: "هناك الكثير من الأعمال الأدبية العربية ترجمت إلى اللغات الأخرى، لكن المشكلة الأساسية هي ضعف دور النشر وبالتالي فإن هذه المترجمات لم تصل القارئ الإسباني، بل وصلت فقط إلى المستعربين الذين هم بالأساس يعرفون العربية".

موقع eHama زار الأديب رفعت عطفة في منزله في مدينة "مصياف" بتاريخ 30/9/2008 ووجهنا له السؤال التالي:

*لماذا هذا التفوق الدائم الذي نراه لقصص أدباء أمريكا الاتينية؟

**ما ساعد أمريكا اللاتينية وجود عدد كبير من الدول التي تتكلم اللغة الإسبانية، وحين نشر "غابريل غارسيا ماركيز" روايته الشهيرة "مئة عام من العزلة" تم الإنتباه إلى أن هناك أدب غير غربي مهم، فبدأ الإهتمام بأدب أمريكا اللاتينية، خاصة وأن أوربة كانت قد استنفذت طاقاتها الأدبية، نحن العرب أيضاً لدينا أدباء لا يقلون أهمية عن أدباء أمريكا اللاتينية، دعني أذكر منهم "عبد الرحمن منيف" في روايته "مدن الملح"، أيضاً "حيدر حيدر"، ولكننا مغيبون لأسباب عديدة لعل أهمها هي الأسباب السياسية وهي نفس الأسباب التي مازالت تمنع أهم شاعر سوري و عالمي الآن وهو "أدونيس" من نيل جائزة "نوبل" في الآداب، وهي نفس الأسباب التي جعلت "نجيب محفوظ" ينال هذه الجائزة بعد توقيع معاهدة "كامب ديفيد" بالرغم من أن "نجيب محفوظ" كان يستحقها.

و"رفعت عطفة" أيضاً يكتب القصة القصيرة عبر اسلوب واقعي، وهو صاحب شعور مرهف، وربما دون أن ينتبه ركز في أغلب قصصه على وصف المكان بما يوحي أنك هنا في "مصياف"، من أبرز مجموعاته "الرجل الذي لم يمت"، ومجموعة "قربان".

بقي أن نشير أن الأديب "رفعت عطفة" يقوم الآن بترجمة عدد من الأعمال لأدباء من أمريكا اللاتينية وهم من أصل عربي، وأنه قد بدأ بترجمة رواية "نعيمة" للكاتبة "إديت شاهين" وهي من أصل حمصي.