في سعيها للحفاظ على التراث الثقافي قامت مديرية السياحة مؤخراً بافتتاح سوق للمهن اليدوية في "خان رستم باشا" الأثري، ومنحت أكثر من ثلاثين حرفياً محالاً برسم سنوي شبه مجاني.

وترتكز صناعة السياحة بشكل كبير على التراث الثقافي وهو اهتمام له مبرراته، ويتجلى ذلك من خلال العلاقة بين هذا التراث وصناعة السياحة، فهو يمدّ صناعة السياحة بعناصر جذب مميزة وموارد للمنتجات السياحية، في حين تعتمد صناعة السياحة على عرض ذلك التراث وتقديمه، والاهتمام اللازم لحمايته.

هذه الثروات الوطنية هي ثروات مقدّسة، لأنها تعبّر عن تراث لمجموعة من المجتمعات عاشت في فترة زمنية معينة، وأسهمت في الحضارة البشرية بشكل تراثي وحضاري، وإن روح هذه المجتمعات تكمن في تراثها الحضاري والثقافي اللامادي

عن ذلك يقول المهندس "مرهف خالد ارحيّم" مدير السياحة في "حماة" والذي التقاه موقع eSyria بتاريخ 31 تشرين الأول 2009: «تعدّ بلادنا واحدةً من البلدان المتميزة بغنى وتنوع موروثها الثقافي، فهي بحق متحف للتراث من أقصاها إلى أقصاها، ولما لهذا التراث من أهمية بالغة باعتباره ذاكرة الأمة، وتتعاظم أهمية الحفاظ عليه واستثماره بالطريقة المثلى بالاستفادة من تجارب الأمم والشعوب التي لها قصب السبق في ذلك، والسياحة الثقافية تعد في مقدمة هذا الاستثمار».

المهندس "مرهف أرحيم"

من هذا المنطلق تبنت العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم السياحة الثقافية كأحد أهم عناصر السياسات السياحية؛ وحسب تقديرات منظمة السياحة العالمية فإن السياحة الثقافية تمثل حوالي 37% من إجمالي سوق السياحة الدولية، أي ما يوازي ثلث إجمالي النشاط السياحي في العالم؛ كما تشير هذه التقديرات إلى أن السياحة الثقافية تنمو بمعدل 15% في العالم تقريباً.

وكما هو معلوم فإن السياحة الثقافية تعتمد على مكونات التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي.

سائحة في سوق المهن اليدوية

ويضيف المهندس "أرحيم": «بلادنا تمتلك تراثاً شعبياً أسهم في صوغ تراث لا مادي متميز، يتمتع بخصوصية تعكس الملامح المحلية، فهي غنية بالأشكال الثقافية الشفوية، وغير الشفوية من عادات وتقاليد وحرف ومهن، لا تزال متواصلة حتى اليوم، لذلك فإن مسألة الحفاظ على التراث مسألة ذات أهمية كبيرة، فالتراث الحضاري لا يزال محافظاً على خصوصيته، فلا تزال أوابدنا التاريخية شاهداً حياً على أهمية هذا التراث في تأريخ المنطقة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً.

وقد أسهب الكثير من الباحثين والمؤرخين في الحديث عن صور التراث الحضاري المادي، وأفردت له صفحات كثيرة من الكتب والموسوعات، وقد وجدنا أيضاً الكثير من المستشرقين الذين قدموا إلى المنطقة ودونوا هذا التراث الحضاري والثقافي، إلا أن الجزء الآخر والمكمل لهذا التراث والذي يعتبره بعضهم الأهم هو التراث الحضاري اللامادي، والذي يتمحور في عدة مجالات منها الفلكلور الشعبي، الموسيقا، القصص والأساطير، الأمثال الشعبية».

السياحة وسيلة للنهوض بالتراث

ويضيف السيد مدير السياحة في "حماة":

«هذه الثروات الوطنية هي ثروات مقدّسة، لأنها تعبّر عن تراث لمجموعة من المجتمعات عاشت في فترة زمنية معينة، وأسهمت في الحضارة البشرية بشكل تراثي وحضاري، وإن روح هذه المجتمعات تكمن في تراثها الحضاري والثقافي اللامادي».

وقال المهندس "أرحيم": «يبدو مطلب المحافظة على تراث كهذا مطلباً إنسانياً، وكل مجتمع لا يحافظ على ثروته هذه، فإنه يظلم نفسه، ويظلم أجياله القادمة التي تبحث في كثير من الأحيان في عصرنا الحاضر عن هوية، إن المقومات الحضارية والثقافية التي تكمن في التراث اللامادي هي بمنزلة الروح الناطقة التي تمرّ عبر الأجيال».

هناك عدد من الآباء والأجداد قد رحلوا دون أن يطلعوا أبناءهم أو أحفادهم على ما حفظوه أو تعلّموه من التراث، بالإضافة إلى التدفق الغربي الذي هجم وبشراسة على المنطقة، وأثّر بشكل كبير وتلقائي على الأجيال، لذلك فالمطلوب من المستوى الرسمي إدخال هذا المنجز الحضاري والإنساني في المسارات التعليمية المختلفة، سواء كانت مدارس أو جامعات، كليات فنية وما إلى ذلك. ‏