عمل اجتماعي، تراثي بوجوده، اقتصادي بمردوده، امتهنته عائلات معينة من أهالي قرية "دير ماما"، حتى أصبح حرفتها المتناقلة فيما بين أفرادها، كتركة الأب للابن، وهي "الشعارة".

بمعلومات بسيطة خاض بعض أهالي قرية "دير ماما" الذين التقيناهم حديثهم عن حرفة "الشعارة"، هذا العمل الذي لا يدركه بعض أبناء الجيل الحديث في القرية، لكن من هذه المعلومات وخلال عملية بحث معمقة محرضة للذاكرة مع بعض المعمرين، أكد الجد "عباس إبراهيم شمسو" أن حرفة "الشعارة" حرفة تميز بها أبناء القرية قبل ما يزيد على ثمانين عاماً، وإثرها أطلق على أبناء القرية اسم "الطير الناطق"، وهنا أضاف إلى مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2014: «قرية "دير ماما" لقبت بـ"الطير الناطق" في سابق الأزمان، وهذا لم يأت من عبث الكلام وإنما كان نتيجة فطانة أبنائها وذكائهم ونطق بعضهم للشعر الزجلي الشعبي الذي أبهر المجتمعات القروية المحيطة بنا، حيث ذاع صيتهم فيها حتى وصل إلى الساحل السوري، ونتيجة ذلك بدأت دعوات هؤلاء المحترفين للشعر الزجلي أو الغناء باللغة المحكية القريبة من الواقع وإدراك الجميع، لإحياء المناسبات العامة والخاصة».

لقد احترم "الشعارة" بعضهم بعضاً، وخص كل منهم منطقة نفوذ له، واعتمدت منطقة النفوذ هذه على المعجبين الراغبين بـ"شعار" دون الآخر

ويتابع الجد "عباس": «تميز أبناء القرية عن باقي محيطهم من المجتمعات البشرية في حرفتهم "الشعارة"، وبرأيي هي نتيجة البيئة التي تربوا فيها، هذه البيئة المفكرة المنتجة المعطاءة، المتكيفة والمتأقلمة مع مختلف الظروف الحياتية لتحويلها إلى إنتاجية ذات مردود اقتصادي مادي، يمكن الاعتماد عليه في الحياة المعيشية».

المختار أحمد عباس

المدرسة "سهام مصطفى" من أبناء وسكان القرية أكدت أنها تذكر جيداً كيف كان السوق القديم منذ حوالي ما يزيد على ثمانين عاماً، الذي تم تحديثه في الوقت الحالي، وعنه قالت: «أتذكر أن منطقة سوق القرية أو ما كنا نطلق عليه اسم الزاروب، كان أشبه بسوق عكاظ، حيث نجد مجموعات من الرجال والعجائز منتشرين فيه وعلى طوله يمارسون هواياتهم وألعابهم التراثية كالضاما والطاولة والمحابرة الشعرية أو ما عرف بالشعارة، إذاً هي لغة تحدثوا بها فيما بينهم حتى أتقنوها ووظفوها في حياتهم اليومية كمهنة أو حرفة.

حتى إنني أذكر تماماً السيدة "رحمة الراشد" وهي صديقة والدتي، كيف كانت تمارس هذه الحرفة في القرية وخارجها، حيث كانت تتجول في القرى المحيطة بنا، لتحيي أفراحهم ومناسباتهم، بما تحفظه أو تبدعه من الزجل أو الشعر المحكي، وكان يرافقها ولدها العازف الماهر على الربابة، وكانت تحصل على أجرها من فائض الإنتاج الزراعي في القرية المضيفة».

محمد حسن

أما المختار "أحمد حامد عباس" فيذكر أسماء بعض من امتهن حرفة الشعارة في القرية، وهنا قال: «"محمد الأسعد" أبو "فجر"، و"محمد الشاعر"، والسيدة "رحمة الراشد" أبرز من نطقوا بالشعر المحكي في القرية، وباعتقادي أنهم ورثوا حرفتهم هذه من أسرهم، وحافظوا عليها حتى وقت قريب، ومنهم حتى الآن، حيث قالوا الشعر المرافق للعزف بأجمل صوره، وتجولوا مع من أتقن العزف على الزمر أو الربابة حتى وصلوا إلى الساحل، وأذكراً أيضاً أنهم كانوا يتقاضون أجورهم قمحاً أو زيتاً».

ولهذه الحرفة "الشعارة" طقوس تراثية مارسوها في القرية فقط، وهنا قال المختار: «لغة الزجل المحكي كانت لغة أبناء القرية في حياتهم اليومية، وقد وظفها بعضهم كحرفة لهم وأورثوها لأبنائهم، لكنهم لم يبتعدوا بها عن حياتهم الواقعية، حيث كانوا يجلسون بتجمعات اجتماعية حول النار المشتعلة، ليتحابروا فيما بينهم الزجل».

تركي الشامي

المهندس "محسن عباس" من أبناء القرية، قال: «برأيي لم تنحصر كثيراً حرفة "الشعارة" بعائلات معينة، إنما كانت لكل من يملك صوتاً جميلاً يطرب السامع، وأذكر منهم السيد "خليفة اليونس" والسيد "نجيب حسن"، اللذين تميزا بأجوائهما الفكاهية المرحة بما يحفظانه من زجل محكي، وأقول هذا لأؤكد أن "الشعارة" أو قول الشعر تناقلته الجينات الوراثية بين أبناء القرية».

لم تكن المنافسة سيدة هذه الحرفة إنما الاحترام، وهنا قال الأستاذ "محمد حسن": «لقد احترم "الشعارة" بعضهم بعضاً، وخص كل منهم منطقة نفوذ له، واعتمدت منطقة النفوذ هذه على المعجبين الراغبين بـ"شعار" دون الآخر».