في زمن يعج بالرجال ذوي الشوارب المفتولة، تبقى الكلمة الحق سيدة الموقف، وهكذا هي كلمة وجهاء قرية "دير ماما" وعلى رأسهم مختار القرية الذي جمع على مر السنين كلمة أبناء قريته.

ففي أغلب الأوقات لكل فرد كلمته، وقلما نسمع في وقتنا الحالي مع دخول ثورة الاتصالات والتقانة عن مجتمع يجتمع على سماع كلمة وجهاء مجتمعه، أو كما يقال "كبارية مجتمعه"، وهذا ما أكده المهندس "محسن إبراهيم" من أهالي قرية "دير ماما" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 تشرين الثاني 2014، حين قال: «اعتدنا في قرتنا "دير ماما" أن لكبير القرية كلمة على الجميع الإنصات لها ومحاكمة عقله فيها وتجريدها من كل شيء لمعرفة اقترابها من الواقع والحق والمنطق، لتكون بعد ذلك كلمة فصل في حل كل ما يؤرق عمق العلاقات بيننا، وأذكر أن لمختار القرية وعلى الدوام كلمة حق نسمعها بعقل ومنطق، هي عادة وطقس توارثناه من الأجداد، ونحن نفخر بهذا الطقس التراثي، وهذا لا يعني أننا لا نحكم عقولنا في حياتنا اليومية وهمومها ومشكلاتها، بل على العكس نحافظ على قيم ومبادئ لم تكن يوماً سبب مشكلة أو هماً ينغص علينا حياتنا».

مجموعة وجهاء القرية كانت تضم سابقاً مختار القرية وخطيبها، ومن يكون له باع طويل في تسيير أمورها، ومن له كلمة حق أو من يعرفون بذوي السمعة الحسنة اللذين فرضوا احترامهم من خلال تعاملهم مع أمور المواطنين الحياتية، وكل هذا دون وجود مصالح شخصية أو أي مقابل مادي

ويتابع السيد "محسن" بتوضيح صفات وجهاء القرية، فيقول: «مجموعة وجهاء القرية كانت تضم سابقاً مختار القرية وخطيبها، ومن يكون له باع طويل في تسيير أمورها، ومن له كلمة حق أو من يعرفون بذوي السمعة الحسنة اللذين فرضوا احترامهم من خلال تعاملهم مع أمور المواطنين الحياتية، وكل هذا دون وجود مصالح شخصية أو أي مقابل مادي».

المختار مع الجد عباس

الجد "عباس إبراهيم شمسو" من أبناء وسكان القرية قال: «قريتنا "دير ماما" تختلف عن باقي محيطها من القرى في نظرتها لوجهاء القرية، وكيف تقيمهم ولماذا يجب أن تكون كلمتهم مسموعة، وأعتقد أنه لا توجد قرية تقيم وزناً لوجهاء القرية في وقتنا الحالي كما قريتنا، علماً أن في بعضها -ومن خلال علاقاتي الشخصية وبعض أصدقائي من القرى المجاورة- بقي دور وجهاء القرية، ولكنه ليس بقيمته وقدره وتأثيره السابق أو كما في قريتنا.

وأعتقد أن السبب الأساسي في هذا الأمر التفاهم بين أبناء القرية، والصفات التي يتحلى بها الوجهاء ومنهم المختار كابن القرية بغض النظر عن اسم هذا المختار، والدليل على فاعلية هذه الظاهرة الاجتماعية المتوارثة من القدم، عدم وجود خلافات متوارثة بين أبناء أو حتى دعاوٍ قضائية في وقتنا الحالي».

جانب من قرية دير ماما

ويضيف السيد "عباس" لتأكيد دور الوجهاء في القرية: «في الفترة السابقة خلال أيام المختار السابق "أبو أحمد" كان أبناء القرية لطبيعة هذا المختار ورجالاته من الوجهاء، يجتمعون على كلمة هؤلاء الوجهاء، وهي مرحلة أستذكرها جيداً، وقد دامت عدة عقود، ولم نسمع عن خلاف أو مشكلة تدخل فيها الوجهاء إلا وكان الحل السلمي الصائب هو المخرج المرضي للطرفين، وهنا يجب أن أؤكد أن طبيعة أبناء القرية المسالمة المبنية على الفكر والثقافة، لها الدور الأساسي في تقوية دور الوجهاء، وكانت سبيلاً لممارسة هذا الدور على جميع أبناء القرية».

وفي لقاء مع السيد "أحمد حامد عباس" مختار قرية "دير ماما" تحدث عن دوره الاجتماعي والإنساني كما وصفه فقال: «دور المختار في قرية "دير ماما" كأحد وجهاء القرية، دور مهم وله تأييد من جميع أبناء القرية، لأنهم مدركون بأننا كوجهاء منهم ولهم ولا يمكن أن نكون إلا معهم مع الحق، ومن الهموم التي تدخلنا فيها وقمنا بحلها عند نقاش مطول، أنه في إحدى المرات تخاصم رجل وزوجته لأسباب شخصية، واجتمع مختلف رجال القرية من الأقارب لإعادة المياه إلى مجاريها، ولكنهم لم يفلحوا، وجاءت وجاهة من منطقة "القرداحة" وأخرى من منطقة "حورات عمورين" من الأقارب والأصدقاء لهم، وفشلوا وعجز الرجل عن إعادة زوجته، لتعنت والدها بإلزام الزوج بتسجيل مبلغ مالي باسم ابنته لضمان حقها، وبعد تدخلنا بطلب من الزوج حلت القصة بإذن الله وعادت الزوجة إلى أبنائها في مساء ذات اليوم، وذلك بعد مرور عام كامل على الخصام».

دير ماما