لم تدخل الحداثة إلى العرس في مدينة "سلمية" دون أن تأخذ معها شيئاً من مفرداته وطقوسه وعاداته، كما أنها أبقت على الكثير من خصائصه وميزاته.

فعلى الرغم من أن العرس ما زال محافظاً على وقعه الاجتماعي المفرح والمؤثر إلا أنه تغير بين الأمس واليوم، فأفرز مهناً متخصصة فيه، لم تكن قديماً كذلك، فمن مكان إقامته الذي فازت به صالات الأفراح المتخصصة إلى تزيين العروسين، إلى تفاصيل العرس الأخرى، فهل أخذت من العرس دون أن تعطيه؟ أم أضافت إليه أيضاً بعض الميزات؟

في التقاليد لم يكن أحد من أهل العروس يحضر عرسها إلا خالتها أو عمتها أو أحد الأقرباء ممن يقع عليه الاختيار، أما بقية أفراد عائلتها فيبقون في منزلهم، هذا التقليد تغير بالتدريج لكون صالة الأفراح مكاناً محايداً فأصبح العرس للجميع

مدونة وطن "eSyria" بحثت بتاريخ 11 كانون الأول 2013 في التغييرات التي طرأت على العرس المحلي، فالتقت السيد "إسماعيل هاشم" (66 عاماً) الذي عبر عن انحيازه إلى العرس القديم كما كان، يقول: «كان العرس قديماً مناسبة حقيقية للفرح، ليس للعروسين والمقربين منهما فقط، بل كان فرحاً يخص كل أهالي القرية أو الحي، حيث يفرض نفسه في منطقة إقامته، بينما عرس الصالات اليوم لا أحد يشعر به، فتجده محصوراً بين جدران الصالة، حيث كان سابقاً يقام في ساحة من الساحات الواسعة أو في بيت الشَعر».

العرس السلموني القديم

ويضيف "هاشم": «مشاركة الناس في العرس كانت أوسع، فالشباب ينشغلون بتجهيز العريس، وحمامه، ولباسه، والصبابا ينشغلن بتزيين العروس، ويقيمون حفلة قبل العرس بيوم واحد، بينما تسلّمت هذه المهام اليوم صالونات التجميل، فتضاءلت الحالة الجماعية التي كانت جزءاً من فرح العرس، على حساب بروز مهن باتت متخصصة في التحضير للعرس، ورغم اللمسة الحديثة التي أضافتها إلا أن تكلفتها باتت تشكل عائقاً أمام العروسين قبل أن يقدما على الزواج».

مرحلة تزيين العروس حافظت على حالها بالشكل العام، إلا أن التفاصيل تقول غير ذلك، تقول السيدة "إلهام الآغا" (49 عاماً): «تزيين العروس كان مهمة صبايا الحي، وغالباً لم يكن عملاً مأجوراً بل طوعياً، تنبري له عدة صبايا عرف عنهن اهتمامهن بتزيين رفيقاتهن وجاراتهن، فيجتمعن لتدلو كل واحدة منهن بدلوها واقتراحها، فهذه تتولى تصفيف الشعر وتدعى "الماشطة"، وتلك تتكفل بالمكياج، فيما تهتم أخرى بالحلي والطرحة، أما اليوم فتحولت تلك الحالة الاجتماعية إلى مهنة، فعلى العريس أن يحجز لعروسه موعداً عند أحد صالونات التجميل المشهورة في المنطقة والصالون يتكفل بالباقي، ولأنها أصبحت مهنة فإن ذلك يرتب مقابلاً مادياً يدفعه العريس».

من أعراس سلمية

ولا تخفي السيدة "إلهام" إيجابيات الاتجاه نحو التخصص في هذا الجانب من العرس، حيث بات التزيين أكثر احترافية من ذي قبل، ما يجعل العروس على ثقة بأنها ستكون الجميلة الأولى في تلك المناسبة الأهم في حياتها، وهذا ما توافقها عليه السيدة "رهام شما" (25 عاماً) فتقول: «الجيل الجديد يفكر بطريقة مختلفة، عينه دائماً على آخر صيحات الموضة وموديلات التصفيف والتزيين في العالم، فتجد العروس منشغلة في مواكبة ومتابعة برامج التزيين في التلفزيون والمواقع الإلكترونية والمجلات، لتختار لنفسها شكلاً تظهر به في ليلتها المرتقبة، من الجيد أنني أعيش في جيل نعطي فيه خبزنا للخباز».

صالات الأفراح باتت المكان الأثير لكل مقدم على الزواج، فانتشرت في "سلمية" حتى تجاوز عددها 12 صالة، حتى باتت سوقاً يشهد منافسة شديدة لاستقطاب أصحاب الفرح، يقول "حسين الحركة": «العرس قديماً كان يقام في ساحة أو شارع قريب من منزل العريس، أو في ساحة المنزل نفسها في حال كانت واسعة بعض الشيء، فيما تحولت اليوم إلى صالة مجهزة بكل ما يخدم الفرجة البصرية من إضاءة، وتهوية، ومكان "صمدة العروسين"، الصالة التي تقدم أفكاراً جديدة عادة ما تلقى إقبال الناس عليها، عدا مواكبة آخر صيحات الديكور وأجهزة الصوت والإضاءة، والمنافسة تنحصر في مستويين: مستوى يقدم مكاناً أفضل، وخدمات أفضل، ومستوى يقدم سعراً أقل على حساب اهتمام أصحاب الصالة بالديكورات مثلاً وعملية تجديدها، ولكل منها جمهوره بحسب الإمكانات المادية».

نموزج العرس الحديث

ويضيف "الحركة": «من سلبيات هذه الصالات برأيي أنها توحد الذاكرة، حيث تصبح الأعراس مستنسخة عن بعضها وكأنها عرس واحد، بينما كانت فيما سبق تترك أثراً في الذاكرة بحسب المكان الذي تقام فيه، ويبقى كل موقف يواجه أي شخص في العرس مرتبطاً في أحاديثه بتفاصيل المكان، إلى درجة أنه يتحول إلى موثّق له».

فيما ترى "عبير طنجور" أن الصالة وفرت على الأهل عبء استقبال المدعوين والانهماك في تحضير الطعام بكميات كبيرة على حساب تفرغ الأهل للفرح، تقول: «هندسة البيوت الآن اختلفت عن الماضي، فتحولت إلى شقق صغيرة لا تتسع إلا لعدد قليل من الناس، بينما كانت البيوت العربية سابقاً التي تتوسطها فسحة كبيرة تحتمل أن تحتضن عرساً بكل بساطة، عدا أن البيوت غير مجهزة لإقامة حفلة وخاصة الإضاءة، فباتت أجواء الصالات تناسب الجيل الشاب العصري واهتماماته».

إضافة إلى ذلك فإن "طنجور" تنظر إلى الصالة كمكان محايد استطاع تغيير بعض العادات الاجتماعية السائدة: «في التقاليد لم يكن أحد من أهل العروس يحضر عرسها إلا خالتها أو عمتها أو أحد الأقرباء ممن يقع عليه الاختيار، أما بقية أفراد عائلتها فيبقون في منزلهم، هذا التقليد تغير بالتدريج لكون صالة الأفراح مكاناً محايداً فأصبح العرس للجميع».

وكان لخياطة فستان العروس أهمية خاصة وما يرافقه من شعور جميل، وتضيف "طنجور": «تفصيل فستان العروس اختلف كلياً، فكانت في الحي امرأة تقوم بهذه المهنة فتصمم الأثواب بيضاء اللون لكل بنات الحي، أما الآن فقد كثر مصممو ومصممات الفساتين غير أن الكثيرات يعتمدن على القطع الجاهزة لتشتري الفتاة أو حتى تستأجر فستانها».

جدير بالذكر أن المهن التي ترتبط بالأعراس في ازدياد؛ إضافة إلى ما ذكرناه هناك مهنة التصوير (الفوتوغرافي والفيديو)، مهنة مهندس الصوت وهو الذي يدير الحفلة وأغانيها، ومزين الورد الخاص بسيارة العروسين ومكان جلوسهما في الصالة، شيف المطبخ ومن يعمل معه... وغيرها من المهن التي ترتبط بالعرس.