«نخّ الجمل قومي اركبي يا نايفة/ والخيل تعبت والأمارة واقفة/ حلفت العروس ما بتعلى جملكم/ إلا يجي بيّا كبير الطايفة/ يا بنت عمي اعطوني عروس خيي/ غابت الشمس وضم الليل عليّي».

بهذه العبارات التراثية الجميلة كانت تستقبل أخوات العريس عروس أخيهم، بينما تدعو أم العريس الناس بعبارات ولا أجمل تقول: (تفضلوا عقبال الفرح بدياركم)، وهذا كان فيما مضى من الزمن، حيث جمال الحياة ينبع من بساطة ناسها، ومحبتهم لبعضهم بعضاً، وتلاحمهم في كل المناسبات، فالعرس في "سلمية" لا يخص أهل العريس وحدهم، بل ينسحب الأمر على الجوار والأقارب، والمنطقة برمتها.

تتم "الخطبة" بعد اختيار أهل الشاب للفتاة التي يعتقدون أنها مناسبة له، وغالباً ما تكون ابنة عمه

مدونة وطن eSyria التقت السيدة "مها القطلبي" يوم الخميس 13/6/2013، وهي المجازة في التاريخ، والمهتمة بالتراث الخاص بمدينة "سلمية" وما يتبع لها من قرى حتى حدود "جبل البلعاس" شرقاً، و"خراب الأندرين" شمال شرق سلمية، فتحدثت عن الحياة الزوجية بترتيب أصبح عرفاً لدى الجميع، وهي مرحلة "الخطبة"، وهنا قالت السيدة "مها": «تتم "الخطبة" بعد اختيار أهل الشاب للفتاة التي يعتقدون أنها مناسبة له، وغالباً ما تكون ابنة عمه».

السيدة "مها القطلبي" باحثة في التراثيات

تضيف: «يفضل أهل الشاب البحث عن فتاة ذات بنية قوية، وتكون على قدر من الجمال، ولا شك في أن النسب مهم للغاية، فقد يكون أهم الأسباب لاختيارها».

من الأشياء المتعارف عليها بعد الموافقة من قبل أهل الفتاة على الخطبة أساسيات لا بد من الالتزام بها، وهنا تقول: «تذهب أم العريس بزيارة مفاجئة إلى بيت أهل العروس لترى على الواقع نظافة البيت وجَمال العروس على الطبيعة، وقد تترك منديلها تحت البساط أو الحصيرة دون أن ينتبه أهل البيت وتعود بعد أسبوع فإن كان المنديل غير موجود في مكانه فهذا يعني أن أهل البيت قد قاموا بتنظيف بيتهم وإن كان قد بقي في مكانه فلا نظافة في هذا البيت وتذهب أم العريس ولا تعود».

"مها".. البحث والتقصي مهمة صعبة

وتكمل: «بعد اختيار العروس المطلوبة يتم الاتفاق بشكل جانبي بين النساء من الطرفين، ثم يذهب والد العريس وإخوته ووجهاء العائلة والحي أحياناً وتتم الخطبة بقراءة الفاتحة والاتفاق على المهر "مقدم، ومتأخر" ويكون المقدم من الذهب والثياب وبعض الأثاث "خزانة- صندوق السَبَتْ (وهو مطعّم بالنحاس والنقوش الجميلة، يوضع فيه الثياب وهو ما يعرف بـ"الجْهازْ")، وبعد قراءة "الفاتحة" توزع الحلوى التي تتألف من "قضامة ملبسة- كعيبات- مربى- سكاكر". ويقال في هذه المناسبة على لسان "أم العريس" وعلى طريقة "الهلهولة": (عروس، عروس مدّي إيدك اليمين/ والجَبَره على رب العالمين/ وابني قدّملك التلبيسة/ وإن شاء الله بالسعادة والبنين)».

من الأشياء التي تميز فترة الخطبة هو أن الخطيب لا يستطيع رؤية خطيبته إلا في ليلة الزفاف، أو خِلسةً في أحد الأعراس حيث تشير له أمه همساً: "هذه هي العروس المُختارة".

"ناقد رحمة" عازف الزمر

ونتابع في مرحلة لاحقة التحضير للفرحة الكبرى، يوم العرس له طقوس يلتزم بها القاصي والداني، والجميع يأملون بعرس يحكى عنه لأيام طوال، عن الساعات التي تسبق يوم العرس "العزيمة"، قالت السيدة "مها": «(تفضلوا على عرس ابننا عقبال الفرح بدياركم) عبارة تنطقها أم العريس وهي تدق أبواب من تود دعوتهم للحضور، وكثيراً من المرات كان يرافق الأم "عازف الأرغول- الزمر" حيث يعزف أمام كل بيت من المعازيم فتكرمه صاحبة البيت بأن تعطيه قطعة نقدية أو بيضة أو رغيف خبز.

مع انتهاء "العزيمة" يبدأ أهل العريس بتحضير لوازم طعام العرس من "الرز- البرغل- السمن- والذبائح"، كما يقوم أهل الحي والأقرباء بإهداء أهل العريس جزءاً من هذه المواد كلٌ حسب مقدرته، وهذا نوع من التكافل الاجتماعي له خصوصيته وجماليته في مجتمعاتنا العربية».

وتضيف قائلة: «بعد ذلك يأخذون جهاز العروس من ملابس وذهب إلى بيت أهل العروس حيث تذهب مع قريباتها وقريبات أهل العريس إلى حمّام المدينة للاستحمام، ووضع "الحنّة" على الشعر واليدين هي ومن معها من الصبايا، وتأتي "الماشطة- الكوافيرة حالياً" لتزيّن العروس وتكون أجرتها محجوزة على حسب الحالة المادية لأهل العريس. في الحمّام يبدأ النقر على "الدربكة"، والرقص، والغناء على مصطبة الحمّام، وهناك أغنية سلمونية باللكنة البدوية تقول في دور منها: نُزُلمْ على الحمّام يا سلميى/ أوف وحلّوا شعرهُمْ/ كل البنات نجوم يا سلميى/ أوف وحبي قُمرهمْ"».

بعد الانتهاء من طقس "الحمّام" وعند مغيب الشمس يعود الجميع إلى بيت أهل العروس، تقول السيدة "مها": «من عادة المجتمع في "سلمية" أن يقام العرس على مرحلتين، في اليوم الأول حيث يقام في بيت أهل العروس، لينتقل الفرح إلى بيت أهل العريس في اليوم الذي يليه، ومن الأهازيج والهلاهيل التي تقال في كل خطوة من هذه الخطوات، منها على سبيل المثال عند زفة العروس، أو ما يعرف بعبارة "طلعة العروس": / تحَلحَل يا جَمل بالله تحَلحَلْ/ عِنّا بنّية اليوم بدها تِرحلْ».

خروج العروس من بيت ذويها يلزمه طقس تعارف عليه المجتمع، تقول السيدة "مها": «يأتي والد العروس، أو أخوها الكبير، يمسكها من يدها وسط الزغاريد والغناء ليوصلها إلى باب الدار، من ثمّ يذهب الموكب إلى بيت أهل العريس وعند الوصول تبدأ الأهزوجة التي يوجهونها إلى "أم العريس": / يا أم العريس قومي امشي ولالي/ جيتك كنّه يا بدر الهِلالي/ جيتك كنّه والأساور بيدها/ تقللّو للبدر ميّل من قبالي/ جيناكم جيناكم لا تقولوا ما جينا/ وجبنا معنا العروس ويا رب تهنينا/».

كما سبق في سياق هذه المادة ورد اسم "عازف الأرغول- الزمر" وهو الحاضر الدائم في مثل هذه المناسبات، وهنا نلتقي الفنان الشعبي "ناقد رحمة" الذي قال: «ما زالت هذه العادات متبعة في الريف فقط وعلى نحو ضيق، منذ عقدين من الزمن كان وجود "عازف الزمر" ضروري جداً، خاصة عند خروج العروس من بيت والدها، وهنا يجلس العازف على عتبة باب الدار وهو يعزف في الوقت الذي تزداد الأهازيج والهلاهيل».

يقول أيضاً: «ما زال البعض ممن يقيم الأعراس يبحث عنا خاصة في القرى، وبات عازف المجوز عملة نادرة لهذا يتحول إلى حالة متميزة في أعراس وحفلات هذه الأيام».

ما سبق شرحه كان يقدم لمحة عن الخطوات التي رافقت العروس حتى وصولها بيت الزوجية.

.......................

  • الصورة الرئيسية من أرشيف مدونة وطن eSyria.