يفتخر ابن مدينة "سلمية" بتوفير نقوده كي يشتري كتاباً، فهو الحب الدائم للمعرفة لديه، وحب البحث عن الجمال في بطون الكتب من مختلف الأصناف، حتى قيل إن في كل منزل في السلمية توجد مكتبة.

الأستاذ "أمجد كلول" وفي بحثه الميداني عن المكتبات المنزلية قال لمدونة وطن بتاريخ 1/1/2013: «بقي الكتاب آلاف السنين المصدر الوحيد الذي يزود الإنسان بكل ما يحتاج إليه في شتى المجالات المعرفية، وهكذا توطدت العلاقة بين الإنسان والكتاب، فكان له خير جليس وخير أنيس في ساعة الوحدة، وخير صاحب في السفر والغربة، إن شئت ضحكت من نوادره، وإن شئت عجبت من غرائبه وفرائده، وإن شئت أشجتك مواعظه».

إذا أردت أن تدمّر بلداً، لا تحرق كتبه ومكتباته، بل دع أهله يكرهونها

ويتابع: «اليوم يئن الكتاب العربي تحت وطأة العزوف القرائي والأمية اللاحقة، وهو يكافح في مواجهة الإعلام المرئي المتدفق عبر الفضاء، مصراً على إزاحته عن منبر التثقيف والتعليم، ويدافع عن وجوده في صراع مرير مع الأقراص الممغنطة وشاشات الحواسب، وبذلك سيطوي الإنسان صفحة خمسة آلاف عام قضاها بصحبة الورق والحبر والقراطيس».

"مهتدي غالب" في مكتبته المنزلية

وينهي: «سؤال يحضر في جلسات الفئات المثقفة، هل نترك الكتاب الذي أدى الدور الرئيس في إنهاض الأمم وبناء الحضارات يخر صريعاً في معركته مع بدائل لم تثبت لنا جدواها وقدراتها بعد؟».

زرنا مكتبة الشاعر والمسرحي "مهتدي المير غالب" أحد المتمسكين بالكتاب مصدراً للمعلومة، ومتعة في القراءة، فحدثنا عن علاقته مع الكتاب والمكتبة على حد سواء، في وقت باتت فيه القراء الورقية عملة نادرة، وهو إذ يعترف بعشقه اللا محدود للكتاب، يقول: «بدأت رحلتي مع الكتاب منذ العام 1970 أشتري الكتاب لأقرأه، فلست ممن يجمعون الكتب لوضعها على الرفوف، ولو خيرت بين لقمة الطعام وشراء كتاب لفضلت الأخير، لأن زاد الكتاب لا ينقضي بمرور الساعات بل هو زاد دائم، لذا فإن متعتي تتجلى في القراءة ولا شيء آخر، مكتبتي تضم كنوزاً وفيرة من الكتب النادرة والمخطوطات التي تركها والدي الباحث الراحل "مصطفى غالب"».

كتب من شتى الأصناف

ومع انطلاق حملة "لا تترك الكتاب وحيداً"، قال: «الكتاب دائماً أمام ناظري، وما قيل ينطبق على شريحة واسعة ممن كانوا يجدون أنفسهم في مطالعة كتاب، ولكنهم اليوم هجروه. وأنا أعتقد أن التراجع في القراءة مرده إلى التدهور الثقافي العام، وأعتقد أن من هذه الأسباب هو تراجع دور المسرح، وغياب دور السينما، وما يحز في النفس أن مدينة صغيرة مثل "سلمية" كانت تمتلك داراً للسينما منذ أواخر الثلاثينيات، وفي مدينة "حماة" يوجد أربعة دور للعرض السينمائي، واليوم لا يوجد منها داراً واحدة».

ويتابع: «يعتقد البعض أن التعويض عن الكتاب أتى عبر الكتب الإلكترونية، بالنسبة لي لا شيء يعوض عن المعلومة التي يقدمها الكتاب، في حين تتضمن الكتب الإلكترونية بعض المعلومات غير الدقيقة، والأمر الآخر فإن الكتاب يحقق تماساً مادياً مباشراً أشبهه بحالة من يترك أعماله بغية مشاهدة عرض مسرحي حي».

الكتاب في كل مكان

من الجدير ذكره أن مكتبة "مهتدي غالب" تضم حوالي 4750 عنواناً متنوعاً بين الدراسات التاريخية، والفلسفية، والقصة، والمسرح. وكانت نشأة هذه المكتبة بدأت مع الباحث الراحل "مصطفى غالب" عام 1955.

من جانب آخر يجب الإطلالة على المكتبة الإلكترونية لأن لها رواداً يجدون فيها البديل الأفضل من الكتاب الورقي، خاصة من الناحية المادية، وهنا يتحدث إلينا الإعلامي "عدنان نعوف" حيث قال: «عند تناول موضوع الكتاب الالكتروني يتبادر إلى الذهن مباشرة فكرة ارتبطت بانتشار هذا المنتج المعرفي عالمياً ألا وهي "قدرة الإنسان على تعديل المفاهيم"، والمصطلح قد لا يبدو استثنائياً لكنه لا زال مقياساً لمعظم الحالات المشابهة لمعرفة إمكانية انتشار أية ظاهرة جديدة وكم ستلقى من القبول وبالتالي كم ستدفع الناس إلى تغيير عاداتهم ومنها "القراءة"، وبالتالي ليس السؤال كما يبدو بمفهومه الشعبي البسيط "مع أم ضد"، وإنما السؤال الجدي هو الصادر عن دراسات وأبحاث لمعرفة "كم سيطول الزمن حتى يسود المنتج الجديد ويأخذ مكانه الفعلي؟».

ويتابع: « شخصياً أرى أن المسألة تقاس بالغرض والاحتياج بعيداً عن الجدل الذي لا ينتهي حول كفاءة الالكتروني مقابل الورقي، فميزة الالكتروني من حيث توفير الحيز لاستيعاب عدد هائل من النسخ لا يمكن تجاهلها، إلى جانب تقليل التكلفة وإتاحة التفاعل المباشر بين الكاتب والقارئ، كلها عوامل تزيد الإقبال على تداول هذا النوع من الكتب. في المقابل فإن مثالبه التي أحدثت جدلاً دائماً لم تلغ دوره رغم الاتفاق على مدى سلبية القراءة باستخدام أجهزة تكنولوجية تجهد العين ولا تتوافر بمطلق الأحوال في كل وقت، فضلاً عن مشكلة إمكانية انتهاك حقوق الملكية الفكرية».

السيد "منذر كلول" أحد المثابرين على القراءة، وربما الوحيد الذي ما زال على علاقته بمكتبة المركز الثقافي يتزود منها بالكتب التي لا يستطيع شراءها، وهو يتحدث عن علاقته مع الكتاب، حيث قال: «الكتاب روح تنبض بالحياة، أقلب صفحاته بيدي ليمنحني المعلومة، الكتاب صديق وفي، أما القارئ فهو صديق جاحد، هو ينتظرني في أي وقت، بينما يمكن أن أتركه يوماً أو أكثر، أنا مع دعوة الناس جميعاً أن يكونوا أصدقاء أوفياء للكتاب».

ختاماً.. قد قيل يوماً: «إذا أردت أن تدمّر بلداً، لا تحرق كتبه ومكتباته، بل دع أهله يكرهونها».

الكتاب أياً كان ورقياً أم الكترونياً يمشي رويداً، لا يستعجل الرحيل، فلا ينبغي للمسرعين، والمتسرعين أن يتركوه وحيداً، لأن في طيات صفحاته تكمن المعرفة.