على الرغم من التغيرات الكثيرة التي طرأت على الزي الشعبي في "السلمية" لكنه ظل محافظاً على روح الصحراء التي ميزت علاقة أهالي "السلمية" بالأرض، فمازال زيهم الخاص الفضفاض والطويل موجوداً كما كان في الماضي.

السيد "نصر الملا" من أهالي منطقة "السلمية" يعتقد أن في الملابس الطويلة والفضفاضة ما يقدم للجسد راحة، هذا ما تحدث عنه "لمدونة وطن - eSyria" بالقول: «أشعر بالراحة كثيراً بارتداء الجلابية، وهي تقدم البرودة للجسد في فصل الصيف، كما أن ارتداء "الفروة" في الشتاء يقي من البرد، ولكني لست ضد هذا التطور الجديد من اللباس، وخصوصاً في المناسبات الخاصة قد يضطر المرء لارتداء اللباس الإفرنجي كما يحلو للبعض تسميته، وإن أصبح من مفردات المجتمع، فقديماً كان الخياطون يميزون أنفسهم فيكتبون على واجهة محالهم "خياط عربي"، وآخر يكتب "خياط إفرنجي"».

لقد تخلى الرجل عن اللباس الجبلي الذي كان ملائماً للمناطق الوعرة والحراجية، وهي التي أتى بها من تلك المناطق، فاستبدلها بالعباءة القصيرة وعرف اسمها "العباءة الزنارية"، وفي وقت الراحة يرتدي "العباءة الطويلة" وتحتها سروال أبيض تسمى "شنتيان"، وفي العراء وخصوصاً في فصل الشتاء كثيراً ما ارتدى الرجل "الفروة" وهي من لباس البدوي المصنوع من جلد الغنم والقماش

الباحث في التراث وأستاذ مادة التاريخ السيد "غسان قدور" الذي عمل على تدوين تطور اللباس في منطقة "سلمية" تحدث في البداية عن التغيرات والتبدلات التي طرأت على الزي بالقول: «جغرافياً إن المكان منح سكان "سلمية" تنوعاً دائماً في اختيار اللباس، ابتداء من موقعها الذي يتوسط بين الحاضرة وبين البادية، أضف إلى ذلك أن تحرر ابن هذه المنطقة من أشكال الضغط التي كان يتعرض لها الإنسان في أماكن أخرى في زمن الاحتلال العثماني، فتغير لباس الرجل والذي تميز بلبس "الشروال الأسود" مضافاً إليه الصدرية، والكوفية التي توضع على الرأس كذلك "العقال"».

لباس المرأة قديماً

يتابع: «يعرف الجميع أن بناء "سلمية الرابعة" بدأ منتصف القرن التاسع عشر، وبما أن السكان المجاورين هم من البدو الرحل، أخذ الرجل في "سلمية" يرتدي "الزي البدوي" لما فيه من سهولة في الحركة وراحة للجسد خلاف اللباس الذي جاؤوا فيه من المناطق الجبلية، فأخذت "الجلابية" بالانتشار، ليصبح للرجل نموذجان من اللباس الأول اللباس العربي المؤلف من "الجلابية" وفوقها تلبس "جاكيت" وفوق الرأس "شماخ" أو "نقاب"، مثبت بعقال أسود رفيع، أما النموذج الثاني فهو ما عرف باللباس الإفرنجي المتعدد وهو عبارة عن "بنطال وقميص وجاكيت"».

يضيف: «لقد تخلى الرجل عن اللباس الجبلي الذي كان ملائماً للمناطق الوعرة والحراجية، وهي التي أتى بها من تلك المناطق، فاستبدلها بالعباءة القصيرة وعرف اسمها "العباءة الزنارية"، وفي وقت الراحة يرتدي "العباءة الطويلة" وتحتها سروال أبيض تسمى "شنتيان"، وفي العراء وخصوصاً في فصل الشتاء كثيراً ما ارتدى الرجل "الفروة" وهي من لباس البدوي المصنوع من جلد الغنم والقماش».

"العقال" و"الدامر" لباس الرجل

أما في الصيف، فيرتدي السلموني ما يناسب طبيعة المنطقة الحارة والجافة، حيث يركن "السلموني" عباءته الشتوية ليلبس "المزوية" الخفيفة وهي تقي من الشمس، كما أنها للتباهي والتزين أيضاً، وكان ملحوظاً انحسار السروال الأسود ليحل مكانه "الدراعة الصفرا" وأحياناً تكون ذات لون أسود، وهذه أيضاً جاءت من المحيط البدوي.

ولكن هذه الألبسة اختفت تدريجياً مع اتساع حركة التعليم في "سلمية" وظهر البنطال والجاكيت، وقلة من الرجال من الذين حافظوا على الزي القديم وهم خاصة من أهالي الريف، في حين أنه ظهر أيضاً "العقال الحجازي" الذي ارتداه رجال الدين».

الباحث "غسان قدور"

هذا ما كان يرتديه الرجل في منطقة "سلمية" وريفها، أما عن زي المرأة فهناك تطورات حصلت عليه ومازالت حتى هذه اللحظة، هذا ما أشار إليه الأستاذ "غسان" بالقول: «في البداية عرفت "المرأة السلمونية" بارتدائها "التنورة" وهي عبارة عن ثوب طويل يرتفع عن ملامسة الأرض بعدة سنتيميترات فقط.

حيث كانت المرأة ترتدي قطعة قماشية تغطي البطن لتصل إلى القدمين وتعرف عند العامة "الحلابة"، بينما ترتدي سروالاً يضيق من الأسفل حتى إنه يربط عند رسغ القدم، وللرأس نصيب أيضاً فتعارف عليه الجميع باسم "العصبة" وغالباً ما يكون لونها أسود.

إضافة إلى أنها كانت تتحلى بالذهب، ومعظم الألوان تكاد تكون زاهية وفاتحة في الصيف، وداكنة في الشتاء، ولحرارة الشمس دور في هذين الخيارين، إلى أن دخلت أزياء جديدة في مفردات لباس المرأة، ومنها "الترواك" وهو لباس أسود اللون تلبسه المرأة فوق ثيابها، وهذا خاص بالمناسبات والزيارات، ولكن لم يكتب لهذه الأزياء البقاء طويلاً لأن ابن هذه المنطقة عرف بحبه للبحث عن كل جديد، واختيار ما يناسب تطوره المجتمعي، وخاصة بعد الانتباه لأهمية التعليم، هذا الشيء أدخل مفردات جديدة على اللباس، وتطوراً ملحوظاً وسريعاً».

الأستاذ "حسن القطريب" الكاتب والباحث في الشأن الأثري والتراثي والذي يرى أن للمكان خصوصية تنعكس بالضرورة على المفردات التي يتناولها الفرد في واقع حياته اليومية، يتحدث بالقول: «بكل تأكيد تعد الملابس جزءاً من مكونات الثقافة التي تتحلى بها كل منطقة عن سواها، كما أنها تعكس حقيقة الجمال الذي يتمتع به سكان منطقة عن أخرى، ومن خلال هذا التميز يستطيع المرء معرفة إلى من تنسب هذه الأنواع من اللباس، وبنظرة سريعة نجد أن حب الإنسان للجمال جعله يبحث عن مدلولات جديدة في تميزه الخارجي من خلال الملابس التي تأخذ دورها في صبغهم بلون يعرفون به، وهم بالتالي يفخرون بها».

يتابع: «في الآونة الأخيرة غاب اللباس التقليدي لسكان منطقة سلمية، خاصة بعد دخول المدنية إليها منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، فبدت ملامح التغيير تطرأ على اللباس خاصة منها النسائية، وساعد في ذلك عدد من المغتربين في دول أوروبا، وبات اللباس التقليدي شبه مقتصر على الرجال ولكن في سن متأخرة، بينما الشباب هم أيضاً لحقوا ركب التطور المدني في اختيار نوع وشكل اللباس.

ويبقى الإنسان رهين ذاته وحاجته للظهور بأبهى حلّة أمام المجتمع، لذا إن زرت هذه المدينة لوجدت القديم والحديث من الأزياء يسيران في ذات الطريق يشكلان زخرفة متناغمة تعكس حقيقة مدينة نأت بنفسها عن النوم عند عتبات الماضي، ولكن لا بأس بالاحتفاظ بما يذكر بقيمة الأوليين الذين بنوا هذه المنطقة بعد هجر دام قرون طويلة».