كانت قرية يتغنى بها الأولون، فتحولت وبفعل التغييّر المناخي إلى منطقة مهددة ببقاء سكانها فيها وهذا ما بدا واضحاً أن شاعراً من هذه القرية قد يأتي يوماً لتنطلق قريحته على أطلال دارسة.. باختصار اسمها "الشيخ هلال" وجغرافيتها على خط التصحر، والمهمة الموكولة لأصحاب الشأن العمل على إبقاء من بقي فيها وتحفيز من تركها على العودة اليوم أو في وقت لاحق، ما يهمنا اليوم أن هذه القرية وجدت لنفسها سبيلاً للحياة من خلال مشاريع صغيرة تضمن لنسوة القرية أن يجدن دخلاً معقولاً يقيهن فاقة العوز.

"عاشق ومعشوق" هو مشروع وجدته السيدة "نداء الصيّوم" مثلها "ماجدة العلي" طريقة لكسب الرزق، تقول "نداء": «لم أكن بوارد أن أصبح صاحبة مشروع ولكن سمعت أن "جمعية أصدقاء سلمية" جاءت إلى القرية وهي تحمل مشروعاً لسكان القرية خاصة منهم النساء، وبمساعدة من ابن عمي اخترت تربية "طيور الزينة"، وافقت اللجنة المشرفة على التنمية في القرية وبدأنا بإعداد المكان اللازم برفقة سيدة أخرى، واليوم نربي/72 زوجاً/ من هذه الطيور».

أقامت لجنة التنمية في القرية وبإشراف الجمعية دورة تدريب على الأعمال اليدوية

وحول إمكانية سد العوز من خلال هذا المشروع تقول: «كما أسلفت فلابن عمي خبرة في هذا الشأن خاصة أن ثقافة شراء طيور الزينة باتت منتشرة بشكل واسع، كما أننا ارتبطنا مع تجار يأتون إلينا من قرى مجاورة "تل عبد العزيز" ومن "صبورة" و"تل الدرة" يشترون ما لدينا من طيور، والأسعار جيدة، ولا نخاف عليها من الأمراض لأننا نتابعها صحياً من خلال زيارة طبيب بيطري وبشكل منتظم».

السيدة "نداء الصيوم"

بعيداً عن تربية الطيور وجدت السيدة "سمر أكرم محمد" في بيع الألبسة المستعملة سبيلاً للعيش ورد شبح الكآبة، تقول: «باشرت منذ شهرين بمساعدة من صندوق التنمية الذي جاءت به "جمعية أصدقاء سلمية" والتي قدمت لنا مبلغاً معقولاً كبداية للعمل، وبدوري قمت بتجهيز المكان الموجود في بيتي، ومن خلال تجار في المدينة وما تقدمه أيضاً الجمعية من مساعدة بدأت بهذا المشروع، والانطلاقة جيدة تبشر بالخير».

تتابع: «بالنسبة لي وجدت في هذا المشروع مصدر كسب يمنحني ما أنفقه على أسرتي بشكل يومي وهذا ما كنا نفتقده سابقاً، الأمر الآخر أن المرأة هي المشرفة على تداول هذه المبالغ، وهذا أيضاً ما لم يكن معهوداً لدى الرجال، ولكنهم تقبلوا هذه الفكرة والأمور تسير بنحو جيد».

السيدة "سمر محمد"

ولأن القرية باتت قبلة للسياح القادمين من أوروبا وجدت لجنة التنمية أن مشروع الأعمال اليدوية أمراً مناسباً وهذا ما دعا فريقا من النسوة وصل عددهن إلى ثلاث عشرة بإنشاء ورشة لهذا الشأن، وعنهن تتحدث السيدة "وفاء صيّوم" فتقول: «مشروعنا يعتمد على السائح الأجنبي والذين باتوا يقصدون قريتنا ويبيتون فيها ليوم أو أكثر، فوجدنا نحن النسوة أن نجد ما يمكن أن نقدمه لهم مقابل مبالغ تساعدنا وهذا أمر طبيعي في كل مناطق السياحة في العالم، بالتأكيد نحن نشكر كل من وجد في مساعدتنا هدفاً له».

تضيف: «أقامت لجنة التنمية في القرية وبإشراف الجمعية دورة تدريب على الأعمال اليدوية».

الأستاذ "علي الجندي" منسق لجنة التنمية

وهذا ما أكده الحاج "عبد المنعم سلهب" عضو لجنة التنمية في القرية وهو مشارك في مشروع تحسين سبل العيش في قرية "الشيخ هلال" والذي وجد في هذه المبادرة سبيلاً لتمكين السكان في بيوتهم وعدم التطلع إلى الهجرة، ويضيف: «كثيرة هي اللجان التي زارتنا ومن مختلف الجهات دون فائدة ترجى رغم أننا كنا نعقد الكثير من الآمال، كذلك هذه اللجنة واجهت نفس النفور من قبلنا في بداية الأمر لأننا فقدنا الثقة، لكنهم أثبتوا عكس توقعاتنا».

لمعرفة المزيد عن أهداف هذا المشروع وآلية قبول المتقدمين توجه موقع eSyria بعد زيارته لهذه القرية إلى الأستاذ "علي الجندي" منسق لجنة التنمية في "جمعية أصدقاء سلمية" والمشرف العام على هذا المشروع، يقول: «جاء مشروع تمكين المرأة الريفية في قرية الشيخ هلال بناء على الدراسة التي وضعتها لجنة التنمية في جمعية أصدقاء سلمية ووافقت على الدعم وتقديم المنحة اللازمة "الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون SDC" وتتضمن المنحة عنصرين أساسيين هما تعزيز قدرات المجتمع المحلي وتمكين المرأة الريفية».

وأضاف: «قدمت الوكالة السويسرية ما قيمته/ 15 ألف فرنك سويسري يعادل 600 ألف ليرة سورية/ استخدم قسم منها لتدريب لجنة التنمية في القرية وتدريب مجموعة الأعمال اليدوية ومجموعة النساء المرشحات لتنفيذ المشاريع الخاصة، واستخدم جزء منه في تمويل مشاريع وزّع على ثلاث عشرة سيدة تقدمت كل منهن بمقترح لعمل تراه مناسباً وضرورياً وتستطيع من خلاله الكسب المادي الذي يساعدها».

أما عن كيفية اختيار النساء فقال: «هناك معايير وضعت لاختيار النساء القادرات على الاستمرار في العمل كذلك الرغبة والاستعداد لديهن، وأن تكون المرشحات من خارج الفئة المستهدفة بمشروع السياحة التضامنية وذلك بهدف توسيع قاعدة المستفيدين من المشروع في القرية، وقامت المدربة المهندسة "نجوى محفوض" من لجنة التنمية في الجمعية والمشرفة على تمكين المرأة في المشروع بتدريبهن على كيفية تأسيس مشاريع متناهية الصغر بناءً على الإمكانيات المتاحة، بعد ذلك قامت لجنة بتقييم المشاريع المقدمة والمقترحة، وتمت الموافقة على ثلاثة عشر مشروعاً بإشراف لجنة مالية ومحاسب».

ويتابع: «من الشروط الواجب الالتزام بها من قبلهن هو دفع مبلغ/1000ليرة سورية/ مرة واحدة كل سنة توضع في صندوق القرية بغية دعم مشاريع صغيرة أخرى لنساء أخريات يرغبن في دخول مجال الاستثمار الصغير كذلك ضماناً لفكرة هذا المشروع الذي نعمل على تطويره بكافة السبل».

وعن فوائد هذا المشروع قال: «هذا ليس المشروع الأول فقد سبقه مشروع السياحة التضامنية البيئية من خلال مشروع "تحسين سبل العيش في قرية الشيخ هلال" وهو الذي جعل من هذه القرية محط أنظار السياح بعد أن كانت قرية مهملة على ضفاف الصحراء، ومن الأمور التي استفاد منها سكان هذه القرية هو الاستفادة من توسيع قاعدة المستفيدين ليشمل ثلث سكان القرية بحدود ثلاثين أسرة مستفيدة ونحن نطمح إلى المزيد».

ــ قرية "الشيخ هلال" في سطور:

ــ تقع مباشرة على الطريق الدولي الذي يصل مدينة "سلمية" بمدينة "الرقة" على بعد/60 كيلو متراً/، وتبعد /95 كيلو مترا/ عن مركز المحافظة.

ــ إجمالي عدد سكانها/ 4500 نسمة/ منهم /800 نسمة فقط/ مقيمين في القرية.

ــ تتميز بعدد البيوت الطينية على شكل "القبب" والتي وصل عددها إلى/ 348 قبة/ منها /100 قبة/ قيد الاستخدام، و/12 قبة/ وضعت في خدمة مشروع السياحة التضامنية البيئية.

ــ زارها حتى تاريخ هذا المقال/ 650 سائحاً أجنبياً/. أسفرت عن دخل للعائلات بحدود /600 ألف ليرة سورية/ إضافة إلى الدخل المتحقق من الأعمال اليدوية والذي وصل إلى ما يزيد على/50000 ليرة سورية/.