كثيرة هي القصص الشعبية التي تناولت النواعير، فعلى الرغم من المكانة الكبيرة التي تحتلها "الناعورة" في المجتمع الحموي، والحب الكبير والحنين إليها، إلا أنها تحمل في وجهها الآخر خوفاً منها، هذا الخوف متعلق بـ"الجن" في كثير من الأساطير، فكم هي كثيرة القصص والروايات عن تحركات "الجن" حول "النواعير"، وكم من شخص قتل بسبب غضب "الناعورة" منه على حد زعم هذه الأساطير.

أشهر هذه القصص هي تلك التي تحدث فيها الحاج "حسين الرفاعي" لموقع eSyria عن ناعورة "المأمورية" والتي كان يسمعها عندما كان صغيرا فيقول: «هذه الناعورة تقتل في كل عام رجلاً عند مروره بجوارها، بواسطة إحدى الصخور المكونة لقنطرتها، وأن العفريت هو الذي يوقف الناعورة عن الدوران إذا انزعج لأي سبب فيضع رجله بين أخشابها فتقف، أو أنه يقف فوق الناعورة رجل عليها ورجل على القنطرة بجوارها».

وإذا الظلام بدا وألقى وألق وأديك الجران مثلت عفريتاً يزمجر محنقاً ما بين جان فالأشوس الصنديد إن لاقاك في الأسحار هان

أما "محمد الأشرم" فيذكر قصة سمعها من كثير من الناس فيقول: «تتناول القصة محاكمة الجن لشخص ضرب إحدى الجنيات، فقاموا باختطافه باليوم التالي، وأخذوه إلى ناعورة "المحمدية" أكبر نواعير المدينة، وأدخلوه من باب سري تحت الناعورة وقاموا بحبسه وتعذيبه لسنوات طويلة ثم أعادوه».

حسين الرفاعي

أما الأستاذ "محمد شقفة" أحد أدباء المدينة الذين تناولوا هذا الموضوع في كتبهم يقول:

«تعتبر النواعير من أهم مصادر القصص والروايات والأساطير عند الحمويين، فأسطورة العفاريت ما زالت في خيال الكثير من الناس بأن لكل ناعورة عفريت يقوم على حراستها ودورانها، ولكل عفريت اسم كالناعورة فهناك عفريت "البشريات" وعفريت "العثمانيات" وعفريت "الجسرية" وعفريت "المأمورية" وغيرها، والعفاريت الثلاثة الأخيرة هي الأشهر وخاصة العفريت الكبير أبو العفاريت جميعاً الذي يضع إحدى رجليه على ناعورة "الجسرية" والأخرى على ناعورة "المأمورية"، وكم كنا نخوف بعضنا ونحن أطفال في سن السادسة أو السابعة بعفاريت النواعير ومنهم من يقسم بأنه شاهده وهو كبير جداً ومنهم من يقول إنه ليلة أمس سمع صوته، حتى كنا نفزع من النوم خشية رؤية أحلام مخيفة حول جن النواعير، ومنهم من يقول إن لكل ناعورة أكثر من عفريت».

عبد الوهاب شيخ خليل

يتابع قوله: «وطبعاً هذه كلها أساطير وخيالات لتخويف الأطفال الصغار حتى لا يقتربوا من الناعورة مخافة السقوط تحتها فيهرسون أو يخرجون قطعا، وجاء اعتقاد الناس بوجود العفاريت بسبب الجهل أولاً، وبسبب قدرة النواعير على العمل فترات طويلة دون توقف إلا عندما يتعب أو ينزعج العفريت فيكسر الناعورة أو يوقفها ثانياً، أما ثالثاً فهو صوت الناعورة في الليل وخاصة عندما يكون الظلام دامساً فلهذا الصوت خشعة لمن لم يعتد عليه لأنه قد يشبه زئير الأسود أو عواء الذئاب فيتحول الزئير والعواء إلى صوت العفاريت».

ومن ناحيته الأستاذ "عبد الوهاب شيخ خليل" مؤرخ المدينة وأشهر أدبائها كذب قصة جني ناعورة "المأمورية" حيث أنه كان يعرف مصدر هذه الأسطورة فيقول: «كان يقوم على صيانة هذه الناعورة مجموعة من العمال الفقيرين، قام هؤلاء بإقناع الناس من جوار "الناعورة" بأن الجني الحارس للناعورة سوف يغضب وبأنهم يجب عليهم أن يقدموا له في كل فترة الذبائح كي يتجنبوا غضبه، وفعلاً حصل ما أرادوا وتمتع عمال الصيانة باللحوم وصاروا يطلبونها بحجة الجني كلما جاعوا، وانتشرت هذه الأسطورة».

محمد الأشرم

ويرجع الأستاذ "عبد الوهاب" هذه القصص إلى عدة أمور فيقول: «تنشأ الأساطير عن غياب الفكر العلمي، بسبب تفاوت نسبة الذكاء بالمجتمع، فيقوم الأذكياء بتضليل من هم أقل درجة في الفهم منهم لتضليلهم وجعلهم تحت سيطرتهم وتسخيرهم لمصالحهم، فيقومون بتخويفهم بالعفاريت أو ببعض القصص الخيالية لدوافع مادية أو معنوية أو الاثنين معاً، وبغرائز الإنسان أن يكون متفوقاً على من حوله، فيلجأ إلى مثل هكذا أمر وتنتقل هذه القصص جيل بعد جيل، لكن عندما تنتشر الثقافة العلمية الحقيقية تبطل هذه الخرافات».

ويضيف: «فمثلاً يقال إن لناعورة "المأمورية" مأمور من الجن يتحكم بها حسب مزاجه، دون أي تفكير بمعنى كلمة مأمور الذي هو الشخص الذي أمره من هو أعلى منه لتنفيذ أمر ما، والماء الكثير والآلة المصوتة لها رهبة ليلاً، فمثلاً تأتي الإنسان إذا كان منفرداً على شاطئ البحر أصوات لا يعرف صوتها، ربما تكون من تلاطم الأمواج أو من احتكاك الريح بسطح الماء فتؤوّل هذه الأصوات بغير حق، ومن هنا تنشأ الأساطير والخرافات حول مظاهر الطبيعة».

والشاعر "بدر الدين الحامد" في قصيدته "الناعورة" يصف حالة النواعير وهي تزمجر في الظلام الدامس فأصبح الحال كحال العفريت من الجان والشجاع البطل من يلاقي الناعورة في تلك الساعة من الليل ويقول:

«وإذا الظلام بدا وألقى وألق وأديك الجران

مثلت عفريتاً يزمجر محنقاً ما بين جان

فالأشوس الصنديد إن لاقاك في الأسحار هان».