«اشترى لي والدي ملابس جديدة منذ أيام، وأنا انتظر صباح العيد لأرتديها وأتوجه إلى الألعاب». هذا هو لسان حال كل الأطفال في مثل هذه الأيام، وقد عبر عنه هذه المرة الطفل "محمد مصري" عند سؤالنا له عما اشتراه بالعيد، وكيف سيقضي أوقاته خلاله، لعله روتين كل عيد أو ما يفكر فيه جميع الأطفال وخاصة فيما يخص "العيدية"، فماذا لو غاب رب العائلة لسبب من الأسباب؟ فكيف سيفكر الأبناء عندها، وماذا لو كان سبب الغياب هو إنساني بكل معنى الكلمة والهدف منه إبقاء الابتسامة في أيام العيد؟.

جنود مجهولون تخلّوا عن فرحتهم الشخصية وعن سعادة أولادهم وعائلاتهم ووهبوا عيدهم لغيرهم من الناس، هذا ما فكر به eSyria وتوجه للقاء أشخاص من الممكن أن يُنظر إليهم بشكل اعتيادي في باقي الأيام، أما في ليلة العيد فلابد من تسليط الضوء عليهم وعلى إنسانيتهم، منهم "يوسف طباع" رئيس زمرة إطفاء مناوب في ليلة العيد تحدث عن مناوبته، وكيف هيّأ أهله وأبناءه لقضاء أول أيام العيد من دونه حيث يقول:

عملنا هنا لا يعني أننا نقصر في تأمين متطلبات العيد للعائلة من ثياب وطعام وحلويات، وعادة ما يساعدني إخوتي بتأمينها لي عن طريق اتصال هاتفي معهم، فهم يقدّرون طبيعة عملي وانشغالي الدائم، أما أفراد عائلتي فيكفيهم أن أقضي معهم يوماً أو يومين من أيام العيد بعد انتهاء مناوبتي

«طبيعة عملنا منذ أن انضممت لسلك الإطفاء تتطلب دواماً مستمراً دون انقطاع، ليس في العيد فقط بل هناك جميع العطل الرسمية حيث نكون مناوبين فيها تحسّباً لأي خطر محتمل لا قدر الله، وخاصة أيام العيد فأنا لاحظت زيادة في عدد العمليات التي نقوم بها بسبب المفرقعات والألعاب النارية العشوائية، أما فيما يخص عائلتي فأنا متزوج ولدي أبناء، قمت بتأمين جميع مستلزماتهم قبل بدء مناوبتي والتي تستمر لثلاثة أيام، وإذا حصل أي نقص أو متطلبات جديدة فيكفي اتصال منهم كي أحضر المستلزمات معي عند انتهاء مناوبتي، ولا أجد أي حرج لكوني سأقضي أول أيام العيد دونهم فقد اعتدت على ذلك وعائلتي متفهمة بأن عملي لا يحتمل أي تهاون».

يوسف طباع

وأضاف "محمد القاسم" سائق سيارة إطفاء من قرية "كازو" متزوج وله بنت وولد: «عملنا هنا لا يعني أننا نقصر في تأمين متطلبات العيد للعائلة من ثياب وطعام وحلويات، وعادة ما يساعدني إخوتي بتأمينها لي عن طريق اتصال هاتفي معهم، فهم يقدّرون طبيعة عملي وانشغالي الدائم، أما أفراد عائلتي فيكفيهم أن أقضي معهم يوماً أو يومين من أيام العيد بعد انتهاء مناوبتي».

ومن ناحيته "كنان يوسف" جندي إطفاء غير متزوج قال: «أنا من "سهل الغاب" الذي يبعد عن محافظة "حماة" (50) كم، طبيعة عملي تطلبت مني الغياب في كثير من المناسبات عن عائلتي، وليست لدي مشكلة في قضاء أول أيام العيد بعيداً عنهم، لكن ما أود الحديث عنه هو مشكلة النقل التي أعاني منها في أول أيام العيد، فمن الصعب جدا أن أجد حافلات تقلني إلى قريتي، مما يضطرني للانتظار ساعات في الكراج ومن ثم ساعتين في الحافلة للوصول إلى بيتي».

نوح الرجب

بعد مركز الإطفاء توجهنا إلى قسم الإسعاف في بعض مستشفيات مدينة "حماة" والتقينا أيضاً أشخاصاً آثروا الواجب على قضاء أول أيام العيد مع عائلاتهم، منهم "حسام اليوسف" ممرض مناوب في مستشفى "المركز الطبي" قال:

«إن عملنا قولاً واحداً هو عمل إنساني يتطلب منا التواجد في كل الأوقات، وكل الحالات التي تأتي إلى قسم الإسعاف هي حالات لا تحتمل الانتظار أو التلكؤ، مناوبتي هذه تنتهي في الساعة الثامنة من صباح أول أيام العيد ولدي مناوبة أخرى مدتها 24 ساعة ثالث أيام العيد، ولكوني أعرف أنني سأقضي أول أيام العيد بعيداً عن زوجتي وأولادي قمت بتأمين جميع متطلبات هذا اليوم قبل أسبوع من هذه الليلة لذا لم أواجه أية مشاكل».

رجال الاطفاء

ويضيف: «يستقبل قسم الإسعاف في أيام العيد حالات كثيرة ناتجة عن حروق بمختلف الدرجات ناتجة عن الألعاب النارية، وأيضا إصابات خطيرة وخاصة في العين ناتجة عن "مسدسات الخرز"، نوجه الشكر الكبير لقيادة الشرطة في المحافظة التي قامت بمكافحة المفرقعات والمسدسات، حيث عدد الحالات في العيد الماضي كانت أخفض من السنة التي قبلها، ونتمنى ألا نرى حالات خطيرة في مثل هذه المناسبة، ونسأل الله أن يمتع جميع الناس بالصحة والعافية وألا يحتاجوا لنا في مثل هذه الأيام الجميلة».

أما "نوح الرجب" ممرض مناوب في قسم الإسعاف في مستشفى "العموري" فقال: «أن أكون سبباً في تخفيف آلام وأوجاع مريض أفضل بكثير بالنسبة لي من قضاء أول أيام العيد مع عائلتي، وأتمنى أن أرى جميع الناس بصحة وعافية فهذه هي السعادة الحقيقية، خاصة أنه في العيد تكثر حالات الإسعاف لذلك يكون مستوى الجاهزية أكبر أيضاً، نتيجة الفوضى الناتجة عن انتشار الأطفال في الشوارع وبين الألعاب، والشباب الذين يبدون مهاراتهم على الدراجات النارية بسرعات هائلة».

لعله يطول الحديث لو أردنا تناول كل من يحتم عليهم عملهم أن يبقوا بعيدين عن عائلاتهم في الأيام التي تكون عنواناً للمّ شمل الأهل والأصدقاء، مهن تحت عنوان الواجب يرتقي ممتهنونها إلى درجة يتجسد فيها العطاء بأجمل صوره.. وفي أحلى الأيام، كأيام العيد.