ترسمُ "أمل أرملي"- ذات الأربعة عشر ربيعاً- ابتسامةً عريضةً على وجهها، وتشارك زميلاتها في لوحة دربتهنَّ عليها آنستهنَّ "هند"، ليرقصن على ألحان لا يسمعنها، إلا أنها تجيد مع زميلاتها الأداء الجماعي، ليكسبن جميعاً تصفيقاً حاداً لا يسمعنه أيضاً، في فضاءٍ كلُّ ما يعنيه لهن هو الحركة.

وعلى الرغم من الإعاقة السمعية، اقتربنا منها في مدونة وطن eSyria وطلبنا من إحدى مدرساتها أن تدير الحوار بيننا بلغة الحركة، تقول "أمل"- إن جاز التعبير-: «أنا أدرس في المعهد منذ ثماني سنوات، وأنا أحبُّ أن أتعامل مع مدربتنا "هند" التي تدربنا على أداء اللوحات، قدَّمنا اليوم فقرةً على خشبة المسرح ورقصنا ودققنا على المزاهر».

أشعر بأنني أقوى بعد أداء اللوحة، وأنني لا أخاف من أن أتعامل مع الآخرين، لأنني مثلهم

وتضيف "أمل": «أشعر بأنني أقوى بعد أداء اللوحة، وأنني لا أخاف من أن أتعامل مع الآخرين، لأنني مثلهم».

"أمل أرملي" مع مدرستها "سناء حيدر"

وعندما سألنا "أمل" عمّا تحبُّ أن تكونه في المستقبل، لم يخفَ علينا امتعاضها من سؤال ضلَّ طريقه على ما يبدو، فأجابت عنها المدرّسة التي كانت تترجم اللقاء معها، تقول المدرسة "سناء حيدر": «من المؤسف أن هؤلاء الفتيات تظل أحلامهن محدودة، لأن أعلى مرحلة تعليمية لديهنَّ هي الصف التاسع، والمركز الوحيد الذي يقدّم خدمات تعليمية لهنّ موجود في "دمشق"، نطالب الجهات المسؤولة بتأمين فرص عمل لهنّ وبإيجاد مركز للتأهيل المهني لتطويرهنَّ، فمن خلال خبرتي معهن لمدة اثنين وعشرين عاماً، عرفت أنّهن محباتٍ للعمل والإنتاج، لذلك نحن نعلمهنَّ بعض الأنشطة والأشغال اليدوية البسيطة».

وبعد قليل أطلت "أمل" والأمل يكسو وجهها وأخبرتني أنها تحب أن تعمل على "آلة كاتبة".

لوحة "السماح"

شاركت "أمل أرملي" وصديقاتها في مدرسة التربية الخاصة للإعاقة السمعية بحمص بلوحتين أمام جمهور "حماة" العريض الذي ملأ مدرجات دار الأسد للثقافة والفنون، في اليوم الأول من مهرجان "حماة" الأول لذوي الاحتياجات الخاصة.

الآنسة "هند مبيض" التي درّبت الفتيات على اللوحات قالت: «أعمل منذ سبعة وعشرين عاماً في مجال التدريب على الإيقاع للأطفال الصمْ، حزتُ على جوائز عديدة في "سورية" وفي "بيروت"، فأثناء درس الرياضة أختار الأطفال ذوي البديهة السريعة، ونحاول أن ننطق الأطفال ببعض الأحرف أثناء درس الرياضة، ويأخذ التدريب حوالي ثلاثة أشهرٍ بمعدل ساعتين في اليوم، وأحاول أن أجري بعدها بعض الدروس التذكيرية، لكيلا ينسوا ما تعلموه، وكل عام يكون لدينا أربع لوحات جديدة».

أطفال أخوية القديسين "بطرس وبولس"

وأضافت المدرّسة "هند": «هناك تنوع في أعمار الأطفال المشاركين، ونحن نعمل كفريق واحدٍ في المدرسة، حيث تخيط لي مدرّسات الفنية اللباس، بينما تصنع لنا مدرّسات الديكور إكسسوارات اللوحة».

وعن اللوحات التي قدمتها المدرسة أضافت "هند": «قدمنا اليوم لوحتين، الفقرة الأولى شاركت فيها تسع طفلات، وتحدثت عن حلم فتاة، تحلم باللعب مع الملائكة، ومغزى اللوحة هو الإيثار من خلال تخلّي الطفلة عن لعبتها لتلعب بها غيرها من الفتيات، أما اللوحة الثانية هي لوحة "السماح" وهي عبارة عن لوحة تقدمها عدد من الطفلات الراقصات وحملة المزاهر».

وعما تحققه هذه النشاطات لها وللأطفال المشاركين قالت المدرّسة "هند مبيض": «أنا أكون كثيراً سعيدة عندما أشاهد الابتسامة على وجوه هؤلاء الأطفال، حصلت عبر مسيرة سبعةٍ وعشرين عاماً على محبة الأطفال والناس لي وأنا فخورة بهذه المحبة، وهو ما أعطاني القوة حتى أستمر بالعمل، فأحد غايات هذه المشاركات هو سياسة الدمج التي تنحوها وزارة التربية، ففي مشاركتنا الأولى في مهرجان الطلائع، كان الطلائع يخافون من الصم، ومن ثم أحبوهم جداً، خاصة عندما حصلنا على الجائزة الأولى في ذلك المهرجان، وهو ما يعزز ثقة الطفل بنفسه، وبمن حوله ويتعاطى معهم بشكل اجتماعي طبيعي».

الأستاذ "محمد القاعي" عضو لجنة فنية للرياضات الخاصة قال: «دورنا كلجنة فنية هو دور رياضي بالتعاون مع الآنسة "هند"، الأطفال متعاونون جداً ومتفاهمون مع مدربتهم، ونحن نشرف عليهم كلجنة رياضية».

أخوية القديسين "بطرس وبولس" لرعاية المعاقين- فئة المنغوليين- الخاصة في مدينة "السقيلبية" كانت لها مشاركة أيضاً

تقول المدربة الآنسة "لودا دعبول" خريجة علم اجتماع: «قدّمنا لوحة "قال الأرنب لأمو" وهي لوحة تعتمد على الحركة، أطفالنا إصابتهم المنغولية ليست متقدمة لذلك تكون استجابتهم جيدة نسبياً، فنركز على الأشياء البسيطة المعبرة، فمجرد خروجهم من مدينة "السقيلبية" للمشاركة في لوحة في مكان آخر يعطيهم شعوراً بالفرح، وأنهم متميزون».