كان لاختصاصه في فرع يحبه أثر كبير في تميّزه ودقة ملاحظته المبنية على الرغبة بإحداث تغيير في المجتمع السوري، وتوظيف الكثير من الجهود لدراسته العميقة والفاعلة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "ياسر بازو" ليحدثنا عن رحلته في مجال العمل التربوي والنفسي، حيث قال: «أنا من الأشخاص الذين دخلوا مجال علم النفس برغبة قوية، حيث كنت أدرس الحقوق، ولم تكن لدي رغبة بها، فبقيت سنة واحدة فيها، ثم غيرت اختصاصي، على الرغم من معرفتي ووعيي أنه ليس من رعاية كبيرة في الثمانينات لعلوم الدراسات الاجتماعية، إلا أن توجهي كان أكبر من كل المعوقات، فانتسبت إلى كلية الآداب، قسم علم الاجتماع، وكنت حينئذٍ أعمل لأصرف على نفسي وأدرس، والعمل صقل شخصيتي، وأصبحت قدرتي أقوى على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، واتخاذ القرارات الصحيحة بعيداً عن رعاية الأهل المباشرة، حيث يصبح للإنسان قدوة ومثل يميزه عن أقرانه».

من الشخصيات المثابرة والمتابعة والمحبة للعلم، وصاحب باع طويل في تقديم خدمات متنوعة لشرائح كبيرة من المجتمع، وهذه من أهم السمات التي أحبها فيه

أما عن بدايات تكوّن الميل نحو الدراسات النفسية، فأضاف: «تكوّن شغفي بالدراسات النفسية نتيجة زياراتي المتكررة للمركز الثقافي في "مصياف"، حيث كان لدي حب للاطلاع بالمجال السياسي، وميل إلى الدراسات الاجتماعية والإنسانية، وكل ميل هو غير كافٍ ما لم يمتلك بيئة مجتمعية ترعاه وتقويه، فهو يبدأ عند الإنسان من سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة، فيكون هناك نوع من الاهتمام والمتابعة، ثم يبدأ الترسيخ بين الثامنة عشرة والعشرين، ويتثبت الميل عندها في الاتجاهات الأدبية أو العلمية أو الفنية، ويتم تعزيز الميل عبر البيئة الحاضنة والمتابعة والاختيار السليم المتوازن للموهبة والهدف المرافق».

د. آذار عبد اللطيف

وتابع بالقول: «بعد مدة طويلة من العمل والدراسة ضمن قطاعات متنوعة، كـ"أكاديمية الأسد"، وشعب التجنيد، و"أكاديمية التأهيل والقيادة"، راودتني رغبة بافتتاح مشروع تربوي خاص بي؛ لذا استعنت بأحد الأصدقاء لفتح مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، وقد عملت في المشروع ما بين عامي 2007 و2011، واستقبلت فيه المصابين بداء "داون، والتوحد، والتخلف العقلي، والأطفال الذين لديهم اضطرابات في التعلم"، وعملت حينئذٍ على دراسة سلوكيات الطفل وصعوبات التعلم وطرائق التدريس الحديثة، ومثّل التوحد حالة من التحدي في العمل، حيث إنه مرض غير قابل للشفاء، لكنه قابل للتأقلم، فهناك مستويات للتوحد، ويمكن أن يشارك المريض ضمن منظومة عمل تتضمن الموسيقا والرياضيات والرياضة وغيرها من العلوم، وكان هذا العمل بالنسبة لي متعة حقيقية، حيث اعتمدنا في نظام المركز عملاً شبيهاً بنظام الروضة، وتوافر فيه عدد كبير من الاختصاصيين والمدربين والمنهجيين والمختصين بعلم السلوك والنفس، لكنني اضطررت لإغلاقه نتيجة الأحداث الأمنية في "داريا"».

وأضاف عن أهمية علم النفس: «في المجتمعات المتطورة تسعى الدول إلى توفير مركز نفسي في كل منطقة تحوي خمسة آلاف نسمة، يختص بمعالجة المشكلات الزوجية، ويقدم نصائح إرشادية واستقصائية طبية، في حين تعاني الشخصية العربية مشكلات جمة تبدأ من مفهومها عن ذاتها، وتنتهي برغبتها بالتغيير من دون أن يكون هناك شرح كافٍ لطبيعة علم النفس، وأهمية تدعيم الفرد بطرائق حديثة لتثبيت وعيه وحلّ مشكلاته، وتوفير الدعم والإعلان لأهمية المراكز النفسية بحل العديد من المشكلات من دون الهمز والإيحاء السلبي، فالإنسان القادر على التأقلم مع ظروفه ومشكلاته هو الإنسان الناجح».

أما عن أبحاثه وتجاربه، فقال: «قمت بعمل تجارب وأبحاث في الاختيار الوظيفي والانتقاء الوظيفي، وتنظيم الموارد البشرية ضمن الخدمات النفسية والاجتماعية، وقمت بدراسة حول مشكلات الشباب وسمات الشخصية السورية عبر شرائح مختلفة من عمر 18 إلى 22 عاماً، وشريحة ثانية من عمر 24 عاماً فما فوق، ودراسة حول الطاقات البشرية وعلاقتها مع المشاعر الوطنية والخدمة الوطنية، ودراسة حول إعداد الكوادر القيادية وأهمية التجارب في اكتشاف الفرد وتسخيره لخدمة المجتمع وتعزيز ثقافة العمل التطوعي، ويمثّل الشباب شغلي الشاغل وحيزي الكبير بالاهتمام، فكل مراهق بحاجة إلى متابعة وإشراف وتوجيه، وما بعد ظروف الحرب سيكون أصعب بكثير مما يجري اليوم، فهناك الكثير من التداعيات الفكرية والنفسية التي تحتاج إلى المعالجة وبقوة».

الدكتور "آذار عبد اللطيف"، حدثنا عن تجربة الدكتور "ياسر"، فقال: «من الشخصيات المثابرة والمتابعة والمحبة للعلم، وصاحب باع طويل في تقديم خدمات متنوعة لشرائح كبيرة من المجتمع، وهذه من أهم السمات التي أحبها فيه».

أما عن تجربتهما في مركز المشروع التربوي، فقال: «كان الهدف من المشروع تقديم خدمات لشريحة معينة من المجتمع، وخاصة بعد اهتمام الحكومة وتوجيهها لرعاية المعوقين في تلك الفترة، وقد حرص على أن يرفد المركز باختصاصيين مميزين قادرين على اتباع أساليب علمية وطرائق تدريب حديثة، ودراسة كل حالة بتفرد لتحقيق أفضل رعاية».

بقي أن نذكر، أن الدكتور "ياسر بازو" من مواليد "مصياف"، عام 1961، وهو خريج جامعة "دمشق"، قسم الدراسات النفسية والاجتماعية، عام 1984، وحاصل على دبلوم تأهيل تربوي، وحاصل على درجة الدكتوراة بعلم النفس، اختصاص العمل في ظروف خاصة من "روسيا الاتحادية".