لامس الناس البسطاء في كتاباته، وصاغ قصائد يفوح منها عبق الوطن، ربّى جيلاً كبيراً تربيةً فاضلةً، حيث تخرّج على يديه أشخاص لهم شأنهم في الحياة الاجتماعية والأدبية اليوم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 آذار 2015، الإعلامي "هشام عدرة" ابن الأديب الكبير "إسماعيل عدرة" الذي تحدث عن جوانب متعددة من حياة والده، ويقول: «عاش أبي عصامياً من المستوى الرفيع، عمل في مهن مختلفة إلى جانب دراسته، فقد بدأ العمل في مكتب عقاري بمدينة "سلمية" ثم شرطياً، وبعد أن حصل على شهادة الكفاءة عيّن مدرّساً وبعد ذلك نال شهادة الثانوية ليدخل جامعة "دمشق" قسم اللغة العربية، وتخرّج فيها سنة 1961، وفي مهنة التدريس بدأ مربياً فاضلاً يتابع طلابه في منازلهم ويدرّسهم مجاناً، وأصبح اليوم العديد من طلبته لهم مكانتهم وتبوؤوا مناصب مهمة، ومنهم شعراء وأدباء وصحفيون وأطباء ومهندسون».

لقد كان الأديب والمربي الفاضل مؤمناً كل الإيمان برسالته كمعلم ومربٍّ ثائر، حمل كنانة نذوره وراح يطوف بها ليغسل النفوس ويطهر الأرواح ويغذي العقول، فهو أمة في فرد وإنسانية في كيان وفراديس في قارورة عطر

ويضيف: «شارك وهو يافع بالمظاهرات ضد الانتداب الفرنسي، وبدأ في الخمسينيات من القرن الماضي نشر القصائد الشعرية والمقالات في المجلات التي صدرت آنذاك في "سورية" و"مصر"، منها: "الغدير"، و"الرائد العربي"، و"الطالب العربي"، و"الثقافة الوطنية"، وكتب قصائد للثورة "الجزائرية"، وكان من مناصري الوحدة السورية المصرية، فكتب عنها قصيدة حماسية ألقيت بمناسبة قيام الوحدة في حفل جماهيري أقيم في مدينة "سلمية"».

الصحفي "هشام عدرة"

ويتابع: «تفرّغ في الستينيات للتدريس أكثر، وكتب عدداً من القصائد ضمها ديوانه الشعري الصادر حديثاً؛ التي تناولت سير الامتحانات في المدارس التي أشرف عليها، سماها من "أدب الدواوين الرسمية"، كما نشر العديد من المقالات الأدبية والشعر تطرق فيها إلى القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية في مجلتي "الأديب" و"الآداب" اللتين تصدران في "بيروت"».

ويوضح "هشام" أن مرحلة السبعينيات كانت منعطفاً كبيراً في حياة الأديب "إسماعيل عدرة" حين توفي ولده البكر الشاعر "نزار عدرة" المشارك في حرب "تشرين" بحادث أليم وهو في طريقه إلى العائلة في إجازة قصيرة، فتحولت معظم قصائده إلى رثاء فلذة كبده "نزار" الذي كان يعدّه ليكون خليفته في الشعر، ويضيف: «من جانب آخر كانت علاقته معنا تتضمن الكثير من الحنان وخاطبنا دائماً بعبارات تنم عن مدى حبّه لنا، مازلت أحتفظ بمعظم رسائله أرسلها لي وأنا في الجامعة، حيث لديه العديد من الأشياء بخط يده مع مكتبة قيّمة جمعها عبر حياته منذ الأربعينيات، تضم أمّات الكتب الأدبية والتاريخية والدينية واللغوية يبلغ عددها حوالي 2000 كتاب، مازالت كما هي وسنعمل على تخصيص جزء من منزل العائلة القديم ليكون متحفاً شخصياً له».

من مؤلفات "إسماعيل عدرة"

من جانب آخر يقول: «سافر "إسماعيل عدرة" عدة مرات إلى "فرنسا" و"بريطانيا" و"سويسرا" حاملاً معه الهم القومي والاجتماعي، حيث كتب عدة قصائد في "لندن" و"باريس"، ومنها قصيدة جسد فيها أحوال بعض الشبان العرب وهم يدرسون هناك وقد ابتعدوا عن انتمائهم وهويتهم الوطنية والقومية».

وأنهى "هشام عدرة" حديثه بالقول: «لأديبنا مخطوط بعنوان "الإسماعيليون عبر التاريخ وفي العصر الحديث" ما يقارب مئتي صفحة سنعمل على إصداره قريباً، وهو مخطوط مهم يضم معلومات تاريخية ومعاصرة موثقة وذات مصداقية؛ لكونه ضمن منصبه الديني واهتماماته ويمثل جانباً من ثقافته التي استمدها من كتب ومخطوطات تاريخية وقديمة بحثاً وتدقيقاً».

الشاعر "سعيد قندقجي" يقول في مقال له نشر في مجلة "الثقافة" آب عام 1981 ضمن ملف عن "إسماعيل عدرة": «لقد كان الأديب والمربي الفاضل مؤمناً كل الإيمان برسالته كمعلم ومربٍّ ثائر، حمل كنانة نذوره وراح يطوف بها ليغسل النفوس ويطهر الأرواح ويغذي العقول، فهو أمة في فرد وإنسانية في كيان وفراديس في قارورة عطر».

ويضيف: «كنا نلتقي في نهاية كل عام بعد الامتحانات العامة لننظر فيما صنع طلابنا، ونصحح ما كتبوا ونضع التقدير المناسب لعطاءاتهم، فكان الوجدان الحي والضمير النقي والخلق القويم، يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ما بين يديه من أوراق، ويشعر بالمسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه أمام مستقبل الأجيال، انطلق من القوقعة الضيقة إلى المعرفة فخاض ميدانها واقتحم غمارها، ولم يكن يهمه ما قيل أو يقال ولم تمنعه القيود أن يحطمها والصخور أن يتجاوزها».

يذكر أن الشاعر والأديب والمربي "إسماعيل عدرة" ولد سنة 1926، نال العديد من الجوائز داخل وخارج "سورية" خلال مسيرته، ونشر في الصحف السورية كثيراً، وأصدرت له "الهيئة العامة السورية للكتاب - وزارة الثقافة" المجموعة الكاملة لقصائده، كما كتب العديد من النقاد عن أدبه وشعره، ومنهم: الدكتور "سعد الدين كليب" في مجلة "الفيصل"، والكاتب "رياض محناية"، وآخرون. كما ضم معجم "البابطين" الشعري ملّفاً عنه ونماذج من قصائده، وتوفي 10 أيار عام 1981 تاركاً خلفه إرثاً أدبياً كبيراً.