قضى 8 سنوات من عمره في السجون، وأغلقت جريدته أكثر من مرة، لكنه لم يتراجع عن إيصال رسالته في الدفاع عن حق شعبه، كتب الشعر وخاض مجال الصحافة بجرأة وأسلوب خاص.

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور وعضو اتحاد الكتاب العرب "موفق أبو طوق" بتاريخ 15 كانون الأول 2014، الذي تذكر قصة مهمة من حياة الصحفي المشهور "نجيب الريس"، ويقول: «كان لا بد من اختيار الشخص المناسب لإلقاء قصيدة أمير الشعراء "أحمد شوقي" النونية المعروفة التي أراد أن يلقيها عندما زار مدينة "دمشق" عام 1925، وقد وقع الاختيار على الصحفي الشاب "نجيب الريس" الذي قبل بهذه المهمة، والحقيقة إن الخيار لم يكن عن عبث، فإضافة إلى كون "نجيب" صحفياً مرموقاً في تلك الأيام، كان شاعراً مجيداً يقرض الشعر وتميز بأسلوبه المتقن في الإلقاء».

توجه "الريس" إلى إصدار جريدة "القبس" عام 1928 فكانت ديواناً للحركة الوطنية، وسجلاً للنهضة الوطنية في "سورية" وفي الأقطار العربية، فكانت مقالاته تقض مضاجع السلطات الفرنسية، وكان نتيجة تلك المقالات أن "القبس" تعطل المرة تلو المرة من قبل السلطات الفرنسية

عن حياته يقول الدكتور "أبو طوق": «ولد "الريس" في مدينة "حماة" عام 1898 وتلقى علومه الأولية في مدارسها الخاصة، ثم انتقل مع والده إلى مدينة "حمص" الذي عمل هناك رئيساً لشرطتها، فتابع "نجيب" دراسته على أيدي كبار المعلمين، ومن الأمور العائلية التي تخصه أنه أخ غير شقيق للشاعر "بدر الدين الحامد" فهما أخوان من أم واحدة وعلى ما يبدو أن مورثة الأدب قد انتقلت إليهما عبر أمهما».

في سجن أرواد

ويتابع: «قصد "دمشق" عام 1918، ولم يكن قد تجاوز العشرين من العمر ليعمل في ميدان الصحافة السورية، فعمل مراسلاً ومحرراً في جريدة "المقتبس" التي كان يصدرها العلامة "محمد كرد علي" مع شقيقه، إضافة إلى تميزه في مجال الصحافة منذ بداية العمل فيه تميز أيضاً بنضاله الوطني ضد سلطات الاحتلال الفرنسي، فكتب العديد من الافتتاحيات والمقالات التي هاجم فيها السلطات الفرنسية، وكانت نتيجة تلك المقالات أن تم اعتقاله وسجنه في جزيرة "أرواد" عام 1922، وفي سجنه نظم قصيدة "يا ظلام السجن خيم" التي أصبحت نشيداً تصدح به حناجر الشباب أثناء تظاهراتهم ضد الاحتلال، ويقال إن الموسيقار "محمد عبد الوهاب" قد لحنه في صيف عام 1933 في "عاليه" بـ"لبنان" وسجله في أسطوانة خاصة من أسطوانات شركة "بيضافون"، وفيها يقول:

(يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلام

الدكتور موفق أبو طوق

ليس بعد السجن إلا فجر مجد يتسامى

أيها الحراس رفقاً واسمعوا منا الكلاما

متعونا بهواء منعه كان حراما

يا رنين القيد زدني نغمة تشجي فؤادي

إن في صوتك معنى للأسى والاضطهاد).

وفي الفترة الواقعة ما بين عامي 1920-1943 كان "الريس" نزيل السجون والمعتقلات والمنافي في عدد من القلاع منها قلعة "دمشق" و"حلب" و"بيروت"، حتى بلغ مجموع ما قضاه من عمره في السجون نحو ثماني سنوات».

ويضيف الدكتور "أبو طوق": «توجه "الريس" إلى إصدار جريدة "القبس" عام 1928 فكانت ديواناً للحركة الوطنية، وسجلاً للنهضة الوطنية في "سورية" وفي الأقطار العربية، فكانت مقالاته تقض مضاجع السلطات الفرنسية، وكان نتيجة تلك المقالات أن "القبس" تعطل المرة تلو المرة من قبل السلطات الفرنسية».

يشير الباحث والمؤرخ الراحل "وليد قنباز" في إحدى مقالاته عن عمل "الريس" في المجلس النيابي، ويقول: «كان "الريس" وفياً لوطنه حراً نبيلاً صاحب مبادئ مستقيمة، لذا انتخبه أبناء "دمشق" عام 1943 نائباً عنهم على قائمة الرئيس "شكري القوتلي" أربع سنوات، واشتهر في البرلمان خطيباً مفوهاً جريئاً في الدفاع عن قضايا البلاد ومصالح الشعب، ولم يرشح نفسه للانتخابات بعدها فانصرف لجريدته يكتب ويطالب بالمحافظة على الاستقلال وصيانته».

أما الشاعر "شفيق جبري" فقال عنه: «كان شاعراً في قلبه وكان يستطيع أن يلجأ في مقالاته إلى لغة الشعر أي إلى المبالغات التي تذهب بالأمور عن الحقائق فلا يكون لها تأثير بليغ ولكنه لم يلجأ إلى شيء من ذلك، فقد عاش في وطن تألم كثيراً وجاهد كثيراً وكان ألمه صادقاً وجهاده صحيحاً فلم يفتقر هذا الوطن في تصوير أموره إلى غلو قبيح، فيصور "نجيب الريس" في مقالاته صدق الألم وصحة الجهاد دون شيء من زخارف القول، لأنه عاش في غمرة هذا الألم وتقلب في شدة هذا الجهاد فظهر التناسب الرائع بين صدق شعوره وبين صدق ألم الوطن».

من الجدير بالذكر أن الصحفي "نجيب الريس" توفي عام 1952، عن عمر يناهز أربعة وخمسين عاماً إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة، وكان قد جمع ما كتبه من افتتاحيات لجريدته "القبس" في كتابين هما: "نضال"، و"جراح".