خطيب مفوّه، ووطني عنيد، عبر عن محبته لمدينة "حماة" بالأعمال والأفعال والأقوال، ومدّ مع المسلمين أطيب الجسور للقاء والتعايش، وأعطى الثقافة جزءاً كبيراً من وقته.

أستاذ اللغة العربية الدكتور "راتب سكر" تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 أيلول 2014، عن المطران "أغناطيوس حريكة"، ويقول: «تلقى علومه الابتدائية في المدرسة الروسية في "طرابلس" وحاز الشهادة الإعدادية من مدرسة "البلمند"، واختير من بين ثلاثة طلاب لإرسالهم إلى مدرسة "خالكي" اللاهوتية في "الآستانة" لإكمال دراسته في علم اللاهوت، وفي عام 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى أُغلق مضيق "الدردنيل" ولم يعد قادراً على إكمال دراسة اللاهوت فتولى إدارة المدارس "الملية" في "حلب"، ليكون نائباً أسقفياً، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عُيّن رئيساً لدير سيدة "البلمند"، وبعدها عين وكيلاً بطريركياً لأبرشية "كيلكيا" عام 1921، ولكن لم يسعه الذهاب إليها بسبب الحوادث بين الأتراك والفرنسيين فبقي في لواء "الإسكندرون" مع صديقه الأرشمندريت "حنانيا كساب"، وقد أسسا أول مطبعة وأول جريدة في اللواء باسم "الخليج" تولى بعدها الوكالة البطريركية في "دمشق"، وفي 15 تموز 1925 دخل إلى "حماة" لأول مرة مطراناً عليها».

كانت أبرشية "حماة" الوحيدة في الكرسي الأنطاكي التي كانت دون مجالس ملية، لذلك كلف سيادته أمين السر كي يجمع قوانين المجالس الملية النافذة في الكرسي الأنطاكي، وبعد الانتهاء من العمل عرض القانون على أحد القانونيين، وفي عام 1955 قرر المجلس الملي بـ"حماة" التصديق على النظام بأكمله، الذي تألف من أربعة فصول وتسع وأربعين مادة، وقد صدق على النظام مجلس الوزراء السوري

وعن عمله الإنساني والخيري تحدث الدكتور "سكر"، ويقول: «اهتم كثيراً بالكهنة وحرص على تثقيفهم باللاهوت كي يكونوا خير سند له في عمله الإنساني، طلب من جمعية "عضد الفقراء" بناء كنيستين في "حماة" و"محردة" على اسم القديس "جاورجيوس"، وأسس عدداً من الجمعيات انتقل بعدها إلى رعاية جمعية "عضد الفقراء" الأرثوذكسية التي تهتم بالفقراء عموماً والتلاميذ خصوصاً، وقد أسس جمعية "نور الهدى" الأرثوذكسية التي تعنى باليتامى، وفي عام 1928 أسس جمعية "النادي الأرثوذكسي" التي أصبحت مكاناً لإقامة الاحتفالات لأبناء الطائفة وملتقى لأعضاء الحركة، وفي عام 1935 أسس جمعية "الطالبات القديمات" التي ضمت الطالبات اللواتي درسن في المدرسة الأرثوذكسية، وضمن عمله الإنساني أيضاً قام بالعمل مع مفتي "حماة" الشيخ "محمد سعيد النعسان" بتأسيس مأوى للعجزة يضم الطاعنين بالسن، وتم انتخاب سماحة المفتي رئيساً للدار والمطران نائباً له، وقد شهدت على عهده الأبرشية نهضة كبيرة على صعيد ازدهار الوقف واسترجاع بعض الأراضي المسلوبة، وفي ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيس جمعية "نور الهدى" الأرثوذكسية عام 1963 أنشأ ميتماً للجمعية».

الدكتور راتب سكر

ويضيف: «كانت أبرشية "حماة" الوحيدة في الكرسي الأنطاكي التي كانت دون مجالس ملية، لذلك كلف سيادته أمين السر كي يجمع قوانين المجالس الملية النافذة في الكرسي الأنطاكي، وبعد الانتهاء من العمل عرض القانون على أحد القانونيين، وفي عام 1955 قرر المجلس الملي بـ"حماة" التصديق على النظام بأكمله، الذي تألف من أربعة فصول وتسع وأربعين مادة، وقد صدق على النظام مجلس الوزراء السوري».

يشير الباحث والمؤرخ الراحل "وليد قنباز" في إحدى مقالاته التي كتب فيها عن المطران "حريكة" إلى أن نشاطه الإنمائي والخيري لم يكن ليبعده عن واجبه الوطني ويقول: «آزر "أغناطيوس" الحركة الوطنية في مقارعة الاحتلال الفرنسي لـ"سورية"، كما أن بعض المستشارين الفرنسيين حاولوا إعطاءه أراضي وامتيازات في "حماة" ولكنه رفض بثبات وإصرار، وقال لهم جميعاً: (إنني أعيش مع إخوة حمويين، ولا يمكن أن أتميّز عنهم، أو أخصص بأشياء من دونهم)، ومن جانب آخر تبحر في قراءة الشعر العربي القديم واطلع على أعمال الفلاسفة العرب، وقرأ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأتقن إلى جانب العربية؛ اليونانية والفرنسية، وكرمته أكاديمية "موسكو" ومنحته العضوية الفخرية فيها، في آواخر سنة 1968 بدأت صحته تتراجع وأثقل المرض حركته ونشاطه واستمرت حالته بالتدهور إلى أن انتقل إلى الأخدار السماوية في 3 شباط عام 1969.

وليد قنباز

الجدير بالذكر أن "أغناطيوس حريكة" هو "نجيب بن عبد الله حنا حريكة"؛ ولد في قرية "بترومين" بقضاء "الكورة" شمال "لبنان" في 6 آب 1894.