كان زعيماً بارزاً التف حوله الشباب المتحمسون في فترة عصيبة على البلد، تلقى العديد من الصدمات السياسية.. مات فقيراً ووحيداً رغم الشعبية الكبيرة التي حظي بها...

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "موفق أبو طوق" عضو اتحاد الكتاب العرب بتاريخ 1 تموز 2014، الذي تحدث عن حياة السياسي والحقوقي الدكتور "محمد السراج"، ويقول: «منذ أن كان "السراج" طالباً في الجامعات الفرنسية تميز بنشاطه الوطني، وقد كانت الصحف السورية تنشر بعض الأخبار عن أنشطته السياسية في بلاد الغربة بصفته رئيساً لمنظمة الطلاب العرب في مدينة "تولوز"، كما أن بعض الإذاعات كانت تبث خطبه الحماسية التي يلقيها هناك، والتي كانت تصب لمصلحة بلاده وشرح قضيتها أمام العالم، وخاصة أن "فرنسا" كانت جاثمة فوق صدر الشعب العربي في "سورية" وبعض الأقطار العربية الأخرى، ولعل قضية صحيفة "القبس" الوطنية الدمشقية التي عطلها المندوب السامي الفرنسي، كان لها دور أساسي في إشهاره، وكانت قد تعطلت بعد أن هاجمت الأوضاع التعسفية التي كانت من قبل السلطات الفرنسية ضد الوطنيين الأحرار وخصوصاً عندما تدخلت في الانتخابات في جميع المناطق الانتخابية السورية، وقامت بمساندة أنصارها من الموالين لها في سياستها الاستعمارية، حيث قدم "السراج" احتجاجاً إلى رئيس لجنة الانتداب في عصبة الأمم بـ"جنيف" يشرح الإجراءات التعسفية التي تقوم بها السلطات الفرنسية في "سورية" منذ قيام الحرب العالمية الأولى حتى عام 1933، وعندما عاد "السراج" إلى "سورية" واستقر فيها احتضنته الكتلة الوطنية التي كانت ممثلاً حقيقياً لحركة المقاومة السياسية والعسكرية ضد الاستعمار، والتفت حوله الأوساط المختلفة وبدأت شعبيته تزداد يوماً بعد يوم، وخاصة بعد أن أصبح عضواً في اللجنة العليا "للشباب الوطني"، وهو التنظيم الذي أعطاه الكثير من جهده ووقته».

بعد الاستقلال جرت انتخابات لاختيار أعضاء في المجلس النيابي الجديد، واستطاع "السراج" الفوز بمقعد في المجلس الذي استمر حتى قيام "حسني الزعيم" بانقلابه عام 1949، وكان "السراج" قد قدم مشروع قانون يتيح للحكومة أن تشارك الورثة في تركة المتوفى، لكن المجلس لم يقره وتم صرف النظر عنه نهائياً، إلا أن "حسني الزعيم" أقر القانون في الوقت الذي كان فيه صاحب الاقتراح مبعداً عن الساحة السياسية نهائياً

ويتابع: «في كانون الثاني من عام 1936 وإثر تأجج الشعور الوطني ضد استفزازات المستعمر الفرنسي قام تجار وأصحاب الحوانيت في مدينة "دمشق" بالإضراب عن العمل، ولكن بعد مرور عدة أيام خاف "شكري القوتلي" من تراجع التجار لذلك أرسل سراً "السراج" إلى "حماة" لكي يشجع أهلها على الانضمام إلى الإضراب، ومنها سافر إلى "حلب" ليدعو إليه أيضاً، هناك وفي اليوم التالي انضمت "حماة" و"حلب" إلى "دمشق"، فتم القبض على "السراج" من قبل السلطات الفرنسية ونفي إلى "تل أبيض"، واستمر الإضراب مدة ستين يوماً انتهى بالتوصل إلى اتفاق بين الوطنيين والسلطة الفرنسية، بموجبه صدر قرار بالعفو عن "السراج"».

الدكتور موفق أبو طوق

الحاج "رشيد سلورة" البالغ من العمر 80 سنة والمعاصر لأحداث تلك الفترة تحدث عن "السراج"، ويقول: «بعد الاستقلال جرت انتخابات لاختيار أعضاء في المجلس النيابي الجديد، واستطاع "السراج" الفوز بمقعد في المجلس الذي استمر حتى قيام "حسني الزعيم" بانقلابه عام 1949، وكان "السراج" قد قدم مشروع قانون يتيح للحكومة أن تشارك الورثة في تركة المتوفى، لكن المجلس لم يقره وتم صرف النظر عنه نهائياً، إلا أن "حسني الزعيم" أقر القانون في الوقت الذي كان فيه صاحب الاقتراح مبعداً عن الساحة السياسية نهائياً».

ويضيف: «عاش "السراج" بقية حياته بعيداً عن الأجواء السياسية ينمي علاقاته الاجتماعية بحضور المناسبات والمآتم في "حماة"، ثم انتقل إلى "دمشق" ليعيش فيما بعد معتزلاً الناس كلهم حتى أهله وأقرباءه، عاش وحيداً يجتر آلامه ويصارع أزماته النفسية ويستعيد ذكرياته السياسية، لم يخّلف ولداً يحمل اسمه لأنه في الأصل لم يتزوج؛ والسبب في عدم زواجه أنه في شبابه تقدم لخطبة فتاة لبنانية فرُفض طلبه لسبب أو لآخر؛ فأصيب بصدمة عاطفية وخاصة أنه كان معتداً بنفسه جداً، لحقه مرض الموت وهو في الفندق لكنه لفظ نفسه الأخير في أحد بيوت أقربائه في "دمشق" أواخر الثمانينيات، وقد مات فقيراً معدماً بعد أن عاش في أواخر حياته على نفقة بعض من أهله وأصدقائه، فقد كان هادئ الطباع طيب المعشر حلو المعاملة، وعلى الرغم من منبته الرفيع إلا أنه كان مشبعاً بروح التواضع، وكانت علاقته متينة مع أفراد الطبقات الفقيرة والمسحوقة».

يذكر أن الدكتور "محمد السراج" ولد في حي "المرابط" أحد أحياء مدينة "حماة" عام 1910، وكان جده "محمد بكري السراج" المكنى بـ"أبي بكري" صاحب الخان المعروف باسمه وهو من أثرياء المدينة ووجهائها، وقد احتضنه بعد وفاة والده فأنفق عليه الكثير في سبيل تربيته وتعليمه، فأرسله إلى "فرنسا" لمتابعة تحصيله العالي هناك، فنال شهادة الدكتوراه في "الحقوق" وكانت شهادة نادرة في تلك الأيام.