دخل مجال العمل الثقافي لتخفيف نفقات "ملجأ الأيتام" التي ربى فيها أجيالاً على مدى 26 سنة، فأصبح من رواد الحركة الثقافية المسرحية في مدينة "حماة"، وتابع نشاطه الوطني كمفوض عام لكشافة المدينة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 حزيران 2014، عضو اتحاد الكتاب العرب الدكتور "موفق أبو طوق" الذي تحدث عن حياة المربي "عبد الرحيم الغزي"، ويقول: «بدأ حياته العملية بتجارة الأقمشة، إلا أن تطلعه للعمل الثقافي لم يحده شيء، فمارس مهنة التعليم في أكثر من مدرسة، وعندما أُسست مدرسة "ملجأ الأيتام" عام 1920 عمل فيها معلماً ثم مديراً حتى رحيله، وسعى بكل ما لديه من جهد ووقت لإنجاح هذا الصرح التعليمي الاجتماعي، وهذا ما دفعه في البداية إلى تأليف وإخراج الروايات المسرحية منها: مسرحية "عنترة" لـ"أحمد شوقي"، ومسرحية "ميسلون" لـ"بدر الدين الحامد"، ليخفف بريعها المتواضع عبء النفقات الباهظة للمدرسة، وليصبح بذلك رائداً من رواد الحركة الثقافية المسرحية في مدينة "حماة"».

في عام 1940 شكل "الغزي" فرقة كشفية جديدة اسمها "فرقة سيد العرب" ضمت مجموعة من الشباب الواعي، وشاركت هذه الفرقة مع غيرها من الفرق الكشفية بـ"حماة" مشاركة مباشرة في ثورة "حماة الثانية" عام 1945، وكان قد أصبح مفوضاً عاماً لكشافة "حماة"

ويضيف: «حين دخل الجنرال "غورو" "سورية" على رأس حملة فرنسية عظيمة العدة والعدد، كان "الغزي" في طليعة من قاوم دخوله مع فرقته الكشفية الأولى "فرقة أبي الفداء" التي أسسها عام 1922 بدعم من الشريف "حسين بن علي" قائد الثورة العربية، والتي كان مقرها مدرسة "ملجأ الأيتام" وضمت عدداً من الفتيان واليافعين الذين تربوا على محبة الوطن وتحلوا بروح الجرأة والإقدام، وقد ساهموا بشكل أو بآخر في الثورة السورية الكبرى التي اندلعت عام 1925 ضد المحتل الفرنسي، وانتهت بحملة اعتقالات واسعة النطاق، وكان "الغزي" من بين المعتقلين فأمضى قرابة شهرين ونصف الشهر في السجن، وعندما خرج عاد إلى "ملجأ الأيتام" ليتابع إدارته».

موفق أبو طوق

ويتابع: «في عام 1940 شكل "الغزي" فرقة كشفية جديدة اسمها "فرقة سيد العرب" ضمت مجموعة من الشباب الواعي، وشاركت هذه الفرقة مع غيرها من الفرق الكشفية بـ"حماة" مشاركة مباشرة في ثورة "حماة الثانية" عام 1945، وكان قد أصبح مفوضاً عاماً لكشافة "حماة"».

أما المدرس "أحمد سعيد هواش" فتحدث عن "الغزي" في مقالة تحت عنوان "مجاهد من أبرز رواد النهضة في حماة"، ويقول: «كان خطيباً ورجل مجتمع، عارفاً باللغتين التركية والفارسية، ومتقناً للغة الفرنسية، له مجموعة من القصائد، وهو إضافة إلى أنشطته المتعددة ومواهبه المتنوعة كان شاعراً رقيقاً، لكنه كان مقلاً وضاعت معظم أشعاره، وما تبقى منها يدل على توجهه الوطني والقومي وعلى حضوره الاجتماعي وحسه الإيقاعي، وعباراته السلسة التي تظهر واضحة في قصيدته "لا تسكب الدمع"، التي يقول فيها:

(لا تسكب الدمع فالمقتول جذلان... وثر على الظلم إن وافاك عدوان

الموت في ساحة الإقدام مفخرة... تعلو به سماك المجد أوطان

هذي حماة تعبّ الكأس مترعة... في عزة ولها للسبق ميدان).

كتب "الغزي" عدداً من المسرحيات، منها: "نموت ولا نسلِّم" التي تتخذ من التاريخ موضوعاً لها، ولكنها تعد عملاً سياسياً إيجابياً في زمنها، ويظهر هذا التوجه القومي في بقية ما ألف من مسرحيات، منها: "طارق بن زياد"، "عمرو بن العاص"، و"فتح مصر"، "الرشيد والبرامكة"، "ثورة قريش"، كما أخرج ثلاث مسرحيات شعرية لأمير الشعراء "أحمد شوقي"، وقام بترجمة كتاب عن الفرنسية حمل عنوان "في لعبة كرة القدم" طبع في "حماة" عام 1933، وألّف نشيداً للكشافة بعنوان "سيد العرب"».

يذكر أن، "عبد الرحيم الغزي" ولد في "حماة" عام 1898، من أب متوسط الحال يمتهن صناعة الحدادة، تلقى تعليمه في البداية في الكتّاب، ثم انتسب إلى المدرسة الإعدادية بعد إتقانه القراءة والكتابة والخطابة وتعلمه القرآن الكريم وتجويده وفن ترتيله، وبعدها انتقل إلى "دمشق" ليتابع تعليمه في "مكتب عنبر"، لكن ضيق ذات اليد أجبره على العودة إلى "حماة" دون أن يتابع دراسته، توفي "الغزي" عام 1946 بحادث سير على طريق "دمشق"، وكانت معه زوجته وابنته.