تميز "إبراهيم العظم" القاضي بشخصية فذة ومعروفة على مستوى "دمشق" و"حماة"، واشتهر كشاعر بموهبته التي حملت طابعاً كلاسيكياً، كما برع بدراسة العلوم الشرعية والعربية...

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 نيسان 2014 الشاعر الكبير "عبد الوهاب الشيخ خليل" الذي تحدث عن حياة الشاعر "إبراهيم العظم"، ويقول: «ولد في حي "البارودية" أحد أحياء مدينة "حماة" عام 1903 وبعد تلقيه التعليم العام في مدارسها، انتسب إلى معهد الحقوق في مدينة "دمشق" ونال شهادته عام 1928، فمارس المحاماة مدة وتولى أوقاف "حماة" و"حلب"، ثم عُين قاضياً استئنافياً في "دمشق" إلى أن توفي».

بقي "إبراهيم العظم" يزاول مهنة القضاء ويصوغ الشعر حتى ليل الثلاثاء المصادف 15 تشرين الأول 1957م؛ حيث استأثرت به المنية في منزله في "دمشق" إثر نوبة قلبية وحُمل إلى مدينته "حماة" التي خرجت في اليوم التالي تودع شاعرها وقاضيها إلى مثواه الأخير

ويتابع: «كان اهتمامه بالأدب الحديث واضحاً في كافة مراحل حياته، فقد كان جده "أسعد العظم" شاعراً وعرف عن أسرته الاهتمام بالأدب فظهر ولعه بالشعر حتى حفظ ديوان "المتنبي" وديوان "الحماسة" وغيرهما، اجتمعت في شعره الموهبة والثقافة والمعرفة الواسعة بالتراث الشعري، فجرت قصائده في قنوات الأقسام المألوفة: المديح، والرثاء، والغزل العفيف، وفيها جميعها مسحة صوفية صافية، وحسّ إيقاعي يستجيب للطرب، وكان يقوم بتلحين بعض قصائده في مجالس الأصدقاء، كما حفظ القرآن الكريم وأتقن تجويده على يد مشاهير القراء في مدينة "حماة"، وظل إعجابه بالشعر القديم واضحاً، وكان من أتباع المدرسة الكلاسيكية فنظم الشعر الموزون المقفى وكتب لمجلة "الرائد" وجريدة "العاصي" قبل تسميتها بـ"الفداء"».

عبد الوهاب الشيخ خليل

أما الشاعر والمؤرخ الراحل "وليد قنباز" فتحدث عن شعر "إبراهيم العظم" في إحدى مقالاته ويقول: «إن معظم شعره كان في الغزل بوصله وصده، في حنينه وشوقه، في هجرانه وعتبه، وهذه ومضة من ومضاته:

(قالت لواحظه لما رأت شغفي.. وصاحب الوجد باد منه خافيه

وليد قنباز

ما بال قلبك لا يهدأ؟ فقلت لها.. يا هذه، أنت أدرى بالذي فيه).

وكانت شخصيته وجوانب حياته واضحة بصورة صادقة في أغلب موضوعاته الشعرية، وها نحن نراه كهلاً وعاقلاً وملازماً للكتاب وهو لا يزال في مطلع شبابه حيث يقول:

(أنا كهلٌ في شبابي .. والحجا ملء إهابي

وأناتي لم يشبها.. طيشُ سكر من شرابي

ليس لي هم سوى العلم.. وإيثار كتابي).

أما مدينته "حماة" وطبيعتها الساحرة وعاصيها وكرم أهلها فكانت دائماً مواضيع حاضرة في أشعاره، وفيها يقول:

(وحماةُ شــعرٌ للطبيعة رائقٌ.. فيه عيون محاســن لا تنضب

أنشودةٌ، سحر العقول، تناسفت.. فيها لنادي الفن لحنٌ مطرب

وبها الندى الغربي ســام طرفه.. فكأنها أم القرى ويثرب).

وعن النواعير التي تبكي مع العشاق الباكين المتقاطرين إليها وتضحك وتمرح وتغني مع الضاحكين والسعيدين، يقول:

(رآكِ صبٌ نأى عنه الحبيب.. في شجيه الأنين، ودمعٌ منك منحدرُ

وإن يم بك الجذلان عنّ له... رنُ المثاني، وأن المطرب الوترُ).

أما حي "الحاضر" الحي الذي نشأ وترعرع فيه فقد نال من شاعرنا الفاضل أبياتاً رائعة، وعنه يقول:

(لا... بل لحاضرنا المفدى، والذي... تفديه من أبنائه أشلاؤها

أهل الندى، أهل الوفا.. أهل الحجا... حين الرجال تضاربت آراؤها)».

ويضيف "قنباز": «بقي "إبراهيم العظم" يزاول مهنة القضاء ويصوغ الشعر حتى ليل الثلاثاء المصادف 15 تشرين الأول 1957م؛ حيث استأثرت به المنية في منزله في "دمشق" إثر نوبة قلبية وحُمل إلى مدينته "حماة" التي خرجت في اليوم التالي تودع شاعرها وقاضيها إلى مثواه الأخير».

الجدير بالذكر أن الشاعر "إبراهيم العظم" ترك عدة مؤلفات مخطوطة منها: "عيون الحماستين" لـ"أبي تمام" و"البحتري"، و"نظم ثمار القلوب" لـ"الثعالبي"، و"مختصر موافقات" لـ"الشاطبي" في جزأين وغيرهما، ولا تزال أشعاره متفرقة لم تجمع في ديوان زهداً منه في حب الظهور، وهي مازالت مخطوطة عند أولاده وأقاربه.