دفع الشاعر "خالد الخطيب"عمره القصير بين السجون والمنفى لنتعلم منه كيف يصبح الفرد رمزاً عندما تتهاوى حدود شخصه لتبقى حدود وطنه وأمته، إنه الشاعر الذي لم ينسَ رغم مرور سنين على وفاته.

الشاعر "مدحة عكاش" صاحب مجلة "الثقافة" بدمشق تحدث عن قريبه الشاعر الثائر "خالد الخطيب"، فقال: «ولد "خالد بك الخطيب" في مدينة "حماة" عام 1900، ووالده المحامي "محمد الخطيب" أحد الرجال البارزين في القانون؛ الذين شغلوا مراكز سامية في القضاء، تلقى دروسه الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة "حماة" ثم انتقل إلى كلية الطب في جامعة "دمشق" وتخرج فيها طبيباً جراحاً، وأثناء تحصيله في "دمشق" ساهم في الحركة العربية فانتسب إلى النادي العربي وكان بين أعضائه مثالاً للتضحية والجرأة وله في تلك الأيام مواقف خطابية كلها حماسة وإخلاص فكانت باكورة جهاده في سبيل "سورية" حين دخل الجيش الفرنسي المستعمر بقيادة الجنرال "غورو" إلى "دمشق"؛ حيث ألقى "الخطيب" خطاباً حماسياً في ساحة "المرجة" بجموع محتشدة من المواطنين ندد فيه بالاستعمار الفرنسي الغاشم واقتيد من منصة الخطابة إلى سجن "القلعة" مكبلاً بالأغلال وبعد محاكمته التي حضرها "غورو" شخصياً أودع في سجن "أرواد" مع المناضلين "عبد الرحمن الشهبندر"، والصحفي "نجيب الريس"، وبعد الإفراج عنه بدأ يخطط مع رفيقيه الثائرين على الاستعمار الفرنسي المجاهد "سعيد العاص"، و"فوزي القاوقجي" لنقل ثورة جبل العرب إلى مدينة "حماة"».

فتاة البلاد متى تصبحين فتاة هي المثل الأعجب فلا الشرع يفتي بأن تحرمي من العلم كلا ولا المذهب متى تدخلين عراك الحياة فيزدان عجباً بك المنصب

وتابع: «انفجرت الثورة وحكم عليه بالإعدام واستطاع الهرب خفية إلى حدود "فلسطين" حيث جاهد هناك بقيادة المجاهد "عبد القادر الحسيني"، وعاد بعدها إلى "سورية" والتحق بثوار "الغوطة" ثم جاهد تحت قيادة المجاهد الكبير "سلطان باشا الأطرش"، ثم هرب إلى "مصر" وهناك تزوج بسيدة إنكليزية، وإثر دخوله الحياة الزوجية وتحمل تكاليفها رأى أن يفتح له عيادة طبية ولكن الحكومة البريطانية منعته من مزاولة عمله كطبيب فأزمع السفر إلى "بغداد"، ولما وصل إلى "عمّان" أعجبه المقام فيها فأقام بقية حياته فيها وقد رزق بطفلة أسماها "عدوية" تيمناً بوالدته.

ديوانه الشعري

توفي في "عمّان" عام 1933، ونقل جثمانه إلى "دمشق" فدفن في مقبرة "باب الصغير" بعد أن رفض الفرنسيون دفن جثمانه في مسقط رأسه "حماة"».

وقد ذكر الشاعر "مدحة عكاش" أن ديوان الشاعر"الخطيب" الذي أشرفت زوجته على طباعته بعد وفاته قد فقد إلى أن عثر على نسخة منه الأستاذ "أحمد سعيد هواش" في إحدى المكتبات العامة بـ"دمشق" فقدمه للأستاذ "عبد الرزاق الأصفر" الذي قام بتحقيقه وتصويب ما فيه من أخطاء فأعيدت طباعته بدار "سعيد العاص" للنشر في "حماة" عام 2009.

الدكتور موفق السراج

لإزاحة الستار عن التجربة الشعرية للشاعر "الخطيب" والموضوعات التي أثارها في شعره؛ مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "موفق السراج" أستاذ اللغة العربية، بتاريخ 23 شباط 2014، الذي بدأ حديثه بالقول: «الحديث عن الشاعر "خالد الخطيب" له أهمية خاصة، لأن شخصية هذا الشاعر على الرغم مما اتصفت به من مواهب وبطولة حقة، مازالت مغيبة عن كثيرين من المتعلمين ولم تلق من الاهتمام ما تستحقه بسبب عمره القصير وبعده عن أرض الوطن».

ويتابع الدكتور "السراج": «وقع ديوان "الخطيب" في اثنتين وتسعين صفحة من القطع المتوسط، وقد ضم خمساً وثلاثين قصيدة عمودية غلب عليها الطابع الوطني والقومي، ففي قصيدته "يوم الشهداء" التي ألقاها بـ"مصر" في حفلة ذكرى استقلال "سورية" من الاحتلال العثماني، مجّد شهداء السادس من أيار الذين قضوا على يد "جمال باشا" عام 1916، ودعا الشباب إلى أن يجعلوهم قدوة لهم يحذون حذوهم في مقارعة المستعمر الفرنسي لطرده من "سورية" الحبيبة قائلاً:

"إيه سورية ازدهي تيهاً على أمم الأرض بيوم الشهداء

إنه يومٌ عظيمٌ نــشرت فيه راياتٌ لنا بعد انطواء

يا ابن سورية اذكر العهد لهم بجلال ووقار واحتفاء

واشحذنّ العزم من ذكراهم إن في ذكراهم رمز الفداء"».

وفي سجنه بـ"أرواد" نظم الشاعر قصيدة عام 1923، بعنوان "دمعة على الأمة" حث فيها شباب الوطن على الثورة والنضال وعدم الاستكانة للاستعمار الفرنسي الغاشم حتى يتم طرده من البلاد؛ فالمستعمر لا يفهم إلا لغة القوة والاستقلال لا يكون إلا بالدماء والتضحيات، يقول:

«فيا قوم دون المجد كل مشنقة وموتٌ مبيد للنفوس زؤامُ

أفيـــقوا فلا والله ما نِلتم الذي ترومونه إن لم يهز حسامُ

ففي حده كل الحقوق تزاحمت وفوق ظُباه النقضُ والإبرامُ».

وحين غادر وطنه مغادرة المكره منفياً إلى "عمّان" تغلغلت في نفسه لواعج الشوق والحنين إلى دياره وأهله وأضناه البعد وأسقمه الفراق فما انفك يكتب القصائد معبراً عن حبه لوطنه واشتياقه لمرابع الصبا والشباب:

«بلادي إن يطل عنك الغيابُ فحبي لا يقلله اغترابُ

وعهدي لا يزال متى الليالي مصوناً لا يعكره ارتيابُ

جنان الخلد أنتِ بلا جدالٍ يُقبّلُ في مغانيكِ الترابُ

يحبّبُ في سبيلك كل خطبٍ ويعذب في إغاثتكِ العذابُ».

وبين شعره الوطني والقومي لا يغيب عنه أن يكتب شعراً يهتم فيه بالمرأة المعشوقة المحبوبة ولمكانتها العظيمة في المجتمع يدعوها إلى العلم كي تنهل منه فتكون مثقفة متنورة؛ لأن الجهل لا يرضى به الشرع وكل عاقل واعٍ يدرك أهمية العلم وخطورة الجهل، كما يدعوها أيضاً لتكون عاملة في بناء الوطن ونهضته فيقول:

«فتاة البلاد متى تصبحين فتاة هي المثل الأعجب

فلا الشرع يفتي بأن تحرمي من العلم كلا ولا المذهب

متى تدخلين عراك الحياة فيزدان عجباً بك المنصب».