نشأ في أسرة أنجبت العديد من الأدباء والشعراء، أحب بلدته "سلمية" ومكث فيها طوال عمره دون أن يغادرها حتى إلى "دمشق".

هو الشاعر والمربي "أنور الجندي" الذي تابعت مدونة وطن "eSyria" ما كتبه الباحث الأديب "عيسى فتوح" -في مجلة "بناة الأجيال" العدد/62/ في كانون الثاني /2007/- عنه حيث قال: «ولد "أنور الجندي" في "سلمية" بمحافظة "حماة" عام /1917/، تلقى دراسته الابتدائية والإعدادية فيها، حصل عام /1938/ على الشهادة الثانوية من الكلية "الأرثوذكسية" بـ"حمص" وتخرج فيها أوائل الأربعينيات، دخل بعدها إلى ميدان التعليم عمل معلماً في "سلمية وطرطوس"، وأمضى ما يقارب نصف القرن في هذا الميدان، وكان من المربين الناجحين إلى أن أحيل إلى التقاعد /1977/، فتفرغ كلياً لنظم الشعر ولاسيما الشعر "الوجداني" الذي احتل الحيز الأكبر من كتاباته».

شعر "أنور الجندي" يخاطب العاطفة والوجدان لكنه ينسى في معظم الأحيان أن يرافق الأحداث السياسية والوطنية أو مناسبات فقد العظماء ورحيل الأهل والأصحاب، هو قصير النّفس في قصائده الغزلية فلا يكاد يتجاوز عدد أبيات القصيدة الواحدة منها أربعة أو خمسة أبيات فهو يصيب الفكرة أو الخاطرة دون حشو أو إسهاب

وتابع: «عاش الشاعر طوال حياته في "سلمية" الواقعة على تخوم الصحراء دون أن يفارقها أو يغادرها إلى المدن الكبرى كـ"دمشق وطرطوس وبيروت"، وإن حصل فكان يعود سريعاً إلى بلدته التي ارتضاها مقاماً ورآها جنة موحية ألهمته الشعر الصافي والمعاني البكر والصورة البديعة والأخيلة المجنحة بعيداً عن ضجيج المدن وضوضائها ، وقد أتاحت له الحياة الهادئة في بلدته التفرغ للقراءة والاطلاع الواسع على الأدبين العربي والفرنسي، وأن يتأثر بأشهر أعلام الرومانسية والرمزية فيهما أمثال: "إلياس أبو شبكة، يوسف غصوب، ولا مارتين ورامبو وبودلير" وغيرهم، وانصرف إلى كتابة شعر الحب والغزل الرقيق منصتاً لصوت قلبه الخفاق ووجدانه المضطرم قال:

يا نظرة من طرفه الأســــمر / أندى على قلبي من الكوثر

تغلغلت في الصدر مرتاحة / طريــــــــــة كالسوسن الأخضر

ألمح فيها أمـــــــــــــنيات الهوى / مـــــخضوبة الأحناء بالعنبر

كأنــــــــما كـــــــــنا على مـــــــــوعدِ / مـــخبأ فـــــــــــي رغوة الأعصر

تميز غزله بالرقة والعذوبة والشفافية والصفاء فهو يتغلغل في أعماق النفس بسهولة دون استئذان لأنه صادر عن قلب شفه الوجد وأضناه الجوى قال:

ذوبي عينيك في عيني وهاتي / أطيب السلوى وأحلى ذكرياتي

وانـــــشري غيبوبة الــــــــــحلم على / شفة الماضي وأسرار حيـــــاتي

يدور أكثر شعر" أنور الجندي" حول الحب وما يعانيه المحبون من (جوى وشوق ووجد وألم وهيام) دون أن يلتفت إلى أغراض الشعر الأخرى إلا في القليل النادر، تأثر بالمدرسة "الرومانسية" وكذلك "الرمزية"، لكنها كانت رمزية شفافة غير مبهمة قال:

بعينيك من دنيا شبابي بقيةٌ / مــــــــنورة الأحلام نـــاعمة العطرِ

أهدهدها والليل حـــيران تائهُ / وهيمنة اللذان تجهش في ثغري

وللمتع الشقراء وهج مفوفٌ / تثاءب محموماًعلـــــى متــــــــعِ شقرِ

وقال: أنــــــاديك والدنيا ســـــــراب ممـــــــــــــــــوج

وأدعوكِ والآلام تهزج في صدري

وأوقظ أفــــــــــراحي فــــتهتفُ: لا أدري

كان قصير الأبيات في قصيدته فخير الكلام عنده ما قل ودلّ ففي قصيدته التي تحمل عنوان "آلام" التي أهداها إلى صديقه "ألبير ديب" قال:

هــــــجر الحـــــــــــياة فمــــــا يلذ لقلبه / غير الحنين يـــــــمزق الأحشاءَ

خذني إليك فأنت أكرم صاحبٍ / صان الشريف وحارب اللؤماءَ

إني أجلّك أن أمـــــــوت وفي فمي / ظـــمأ يذيب الصخرة الصماءَ

أأموت من ظمأ وأنت جداولٌ / ضحكت فأضحك ماؤها الغبراءَ».

وتابع الأديب " فتوح": «كان "أنور الجندي" غزير الإنتاج للشعر وقد اعتبرته مجلة "أصداء" الأدبية الدمشقية أكثر شعراء العربية إنتاجاً في الفترة /1941-1945/، فقد نشر شعره في عدد من الصحف والمجلات منها: "المكشوف، الأمالي، الصباح، الدنيا، العرفان، النواعير، القيثارة"، لكنه رغم غزارة إنتاجه الشعري لم يجمع شعره في ديوان واحد بل ظل مطوياً في الأدراج، إلى أن قام الأستاذ "حسام خضور" بجمع مختارات من شعره وإصدارها عام /1992/ في ديوان تحت عنوان "الزورق التائه"، كما قام الشاعر "مدحت عكاش" في ذات العام بإصدار ديوان ثانٍ له تحت عنوان "حداء الصحراء" لأنه يحب أن يلقب بـ"شاعر الصحراء"، وهذا ما قاله مخاطباً الشاعر "ألبير ديب":

شاعر الليل لا تلهم شاعر الـ / صحراء والليل جنة الشعراء

أقام "أنور الجندي" العديد من الأمسيات الشعرية، وقد التزم خلال نظمه الشعر النمط "العمودي الكلاسيكي" مع بعض التجديد هنا وهناك، غير أن ثمة غنائية نضرة وحزناً شفيفاً جمعا بين بعض قصائده».

عن شعره قال الأديب "عبد الغني العطري" في كتابه "عبقريات": «شعر "أنور الجندي" يخاطب العاطفة والوجدان لكنه ينسى في معظم الأحيان أن يرافق الأحداث السياسية والوطنية أو مناسبات فقد العظماء ورحيل الأهل والأصحاب، هو قصير النّفس في قصائده الغزلية فلا يكاد يتجاوز عدد أبيات القصيدة الواحدة منها أربعة أو خمسة أبيات فهو يصيب الفكرة أو الخاطرة دون حشو أو إسهاب».

رحل " أنور الجندي" صباح عيد الأضحى /4آذار2001/، بعد معاناة مع المرض، وقد ظل قلبه شاباً رغم بلوغه سن الرابعة والثمانين يأسره الجمال وتسبيه الملاحة ويسحره الحسن والغنج والدلال ولسانه يردد:

"حسبي وحسبك أن أموت / وفي فمي عبقُ الحبيبْ".