اسمه ليس خافياً على أحد في مدينته "سلمية"، ما قام به يجعله محطّ تقدير دون مجاملة، درس الجغرافية في "جامعة دمشق" ثم حاز الدكتوراه في جغرافية المدن، كذلك عمل مدرساً في "جامعة وهران" في القطر الجزائري، هو بامتياز "محمد صادق الدبيات" الباحث الجغرافي في "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى"، والمستشار في برنامج التنمية الريفية في "مؤسسة الآغا خان" في سورية.

موقع eSyria أراد إلقاء الضوء على جوانب هامة من حياة هذا الرجل الذي اعتبر أن همّه الأساسي، ومشروعه الرئيسي هو "مشكلة المياه بشكل عام وفي المناطق شبه الجافة وإدارتها بشكل خاص" إضافة إلى مسألة الشبكة العمرانية السورية وتوازنها ضمن إطار التخطيط الإقليمي الشامل.

قبل العام 2002 لم يكن في "سلمية" جمعية أهلية واحدة، ولكن ضمن تشجيع الدولة لمثل هذه الجمعيات أسسنا فرعاً لـ"جمعية العاديات"، تبعه في العام 2006 تأسيس "جمعية أصدقاء سلمية"، ثم تأسيس "جمعية الزيتون" في العام نفسه نظراً لانتشار هذه الزراعة في "سلمية" لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة

ولد الدكتور "محمد الدبيات" في "سلمية" عام 1947م، ويتابع عن تفاصيل حياته: «بعد تخرجي في الجامعة عام 1971 عملت في مديرية التربية في "حماة" بعد ذلك وفي العام 1980 حصلت على دكتوراه حلقة ثالثة عام 1980 انتقلت بعدها للعمل في مكتب للدراسات العمرانية في مدينة تلمسان في الغرب الجزائري في الفترة 1980-1982 ثم انتقلت للتدريس في "جامعة وهران"، كلية التخطيط الإقليمي والتهيئة العمرانية وذلك في الفترة 1982- 1987».

د."محمد الدبيات" مع إحدى البعثات الفرنسية

ثم عاد إلى فرنسا في العام 1992 وحصل على دكتوراه في جغرافية المدن والتنظيم الإقليمي من "جامعة تور- فرنسا"، وبعد عودته إلى الوطن عمل كباحث، منذ العام 1993 في المعهد الفرنسي للشرق للأدنى في دمشق وما زال على رأس عمله، ويعمل إضافة إلى ذلك مستشار في برنامج التنمية الريفية في "مؤسسة الآغا خان" في "سلمية"، وأخيراً يعمل مترجماً من اللغة الفرنسية إلى العربية وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب- جمعية الترجمة.

ثم سألناه عن الجمعيات الأهلية خاصة أنه أسس وترأس جمعيتين هما "جمعية العاديات" كفرع للجمعية الأم في "حلب" وذلك في العام 2002، و"جمعية أصدقاء سلمية" في العام 2006، كذلك ساهم بتأسيس "جمعية الزيتون" في "سلمية"، وعن شغفه وتطلعاته من جدوى العمل الأهلي، يقول: «على المجتمع الأهلي أن يتطور، ويبتعد عن حصر اهتماماته بانتماءاته الضيقة وأن يشمل عمله المجتمع كله، أي المجتمع المدني، المنتمي للمجتمع وللدولة، حيث الحس المدني يميز العلاقة مع الذات ومع الآخر وليس الانتماءات الضيقة (العائلية، القبلية، المناطقية، المذهبية، على سبيل المثال)، وهكذا نميز تحول المجتمع من طبيعته الأهلية إلى حالته المدنية التي تتصدر كل الانتماءات الفرعية دون أن تلغيها. وهكذا يصبح الانتماء الوطني والقومي موجهاً لكافة الانتماءات والعامل على احتوائها في ظل سيادة القانون والدولة التي هي التي تصنع المجتمع المدني في النهاية من خلال مسؤوليتها في تنظيم المجتمع في شتى المجالات».

ساهم في ترسيخ الإنسان في قرية "الشيخ هلال"

مضيفاً: «هذا شرط لبناء الدول الحديثة وتطورها، خاصة في زمن العولمة الذي يجب أن نميز فيه بين عولمة في خدمة الدول الكبرى التي تسعى للهيمنة على العالم وعولمة جديدة أساسها المساواة الفعلية بين الشعوب والانتقال لعالم آمن وديمقراطي يسوده السلام والعدل وتنعدم فيه الفروقات الهائلة بين الشمال والجنوب. هذه هي العولمة التي يجب أن تسود».

ويستطرد قائلاً: «في ثقافة الإنسان العربي ظل الاتكال على الدولة في تحقيق وتوفير العمل وتقديم الخدمات، حتى في الجانب الاجتماعي والثقافي، قائماً حتى الآن، وما يجب أن يعيه الإنسان العربي هو دوره في بناء المجتمع وتحمل مسؤولياته. فالعمل الأهلي يشجع على المبادرة الفردية والاهتمام المباشر بالشأن العام ورفد ما تقوم به الدولة في إدارة المجتمع والشأن العام. من هنا تأتي أهمية الجمعيات الأهلية في خدمة المجتمع على الصعيد المحلي من خلال تنمية الوعي والاهتمام بالشأن العام وتعزيز ما هو أفضل لمصلحة الإنسان ولمستقبله كمواطن مسؤول عن ذاته وعن الوسط الذي يعيش به من الوسط الضيق إلى الوطن. ولا يتم ذلك إلا من خلال التعاون مع الدولة ومختلف المؤسسات المناط بها إدارة المجتمع».

يكرم أحد المتفوقين

وبالنسبة لما تقدمه الدولة في هذا الإطار، يقول: «ساهمت الدولة وكان لها الدور الأساسي في تطور المجتمع السوري من خلال المنظمات الشعبية وفي كل ما قدمته كان في سبيل خلق إنسان سوري ناضج في الفكر والانتماء، كما بدأت تعتبر أن الجمعيات الأهلية بإمكانها أن تساهم في عملية التنمية كقطاع ثالث بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص، وما تقوم به الأمانة السورية للتنمية التي تضم العديد من الجمعيات الأهلية كـ"جمعية فردوس" و"روافد" مؤشر هام لهذا التوجه الجديد في سورية، وجمعيتنا تساهم الآن في تاسيس منتدى الجمعيات التنموية غير الحكومية، وهو مشروع ترعاه الأمانة السورية للتنمية حالياً».

وعن دوره في تأسيس ثلاث جمعيات وترؤسه لاثنتين منهم يقول: «قبل العام 2002 لم يكن في "سلمية" جمعية أهلية واحدة، ولكن ضمن تشجيع الدولة لمثل هذه الجمعيات أسسنا فرعاً لـ"جمعية العاديات"، تبعه في العام 2006 تأسيس "جمعية أصدقاء سلمية"، ثم تأسيس "جمعية الزيتون" في العام نفسه نظراً لانتشار هذه الزراعة في "سلمية" لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة».

ولكن ما الغاية من تأسيس جمعية، وما الأهداف المتوخاة منها؟ يقول: «لم نؤسس أي جمعية لمجرد التسلية، بل للعمل والابتكار وتنمية الوعي والعمل الطوعي، والمساهمة برفد الدولة في عملها، فمن أهداف "جمعية أصدقاء سلمية" أنها بيئية ثقافية تنموية وهي مشهرة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فمن خلال العمل البيئي قمنا بالعديد من الأعمال أهمها نشر ثقافة النظافة من خلال حث المواطنين على الانتباه لنظافة شوارعهم والمساحات الخضراء وحمايتها والمحافظة عليها في ضواحي "سلمية" وفي منطقة "جبل البلعاس" وأن يتعاملوا مع المدينة كبيتهم تحت شعار، مدينتنا بيتنا».

وتابع في المجال الثقافي، فقال: «تنظم الجمعية العديد من المحاضرات والندوات في مواضيع مختلفة بيئية وثقافية عامة، كما تنظم مسيراً رياضياً أسبوعياً غايته تعرف المشاركين فيه على منطقة سلمية وسورية، وشعاره "اعرف بلدك"، كما نقوم بالعديد من الرحلات الترفيهية- الثقافية التي تتضمن زيارة المناطق الأثرية، وفي الميدان التنموي أطلقت الجمعية مشروعاً سياحياً بيئياً في قرية "الشيخ هلال" يهدف إلى الحفاظ على تراث العمارة الطينية التي تشتهر بها بيوت تلك القرية وذلك من خلال برنامج "تحسين سبل العيش"، وتمكين المرأة من خلال السياحة والنشاطات الحرفية والصناعات المنزلية».

وعن الهدف من ذلك، يقول: «إيجاد دخل بديل من الزراعة التي منعت في البادية التي تقع فيها أراضي الشيخ هلال، واليوم نستعد لاستثمار بناء معمل السجاد اليدوي في بلدة "عقارب الصافية" والمتوقف عن العمل، الذي وضعته الوزارة ذات العلاقة تحت تصرفنا وسنعمل على إنشاء ورشة للصناعات الغذائية المنزلية، أو ما تعرف اصطلاحاً بـ"المونة" وقوام هذه الورشة من نساء البلدة نفسها».

وهناك الكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية، وكذلك المهرجانات والتي بدأت في العام 2009 بأيام سلمية الموسيقية، والعمل جار لتنظيم المهرجان الموسيقي الأول في سلمية، والمفاجآت كثيرة وقادمة، ولتحقيق ذلك ونجاحه يقول الدكتور "محمد صادق الدبيات": «لا يمكن لأي عمل أن ينجح ما لم يكن هناك تعاون كامل وقوي بين الجهات كافة، والمطلوب هو المبادرة للعمل يداً بيد مع الدولة، لأننا لن نستطيع النجاح بمعزل عنها أو دون دعم منها، فالجمعيات لا تعمل خارج إطار الدولة، فالتعاون قائم بيننا وبين مجلس المدينة، والقيادة السياسية، وكذلك كافة دوائر المحافظة».

ويضيف: «الضروري في استمرارية عمل الجمعيات بالشكل الأمثل وضمن العلاقة التي ذكرناها مع الدولة تبقى بحاجة لدعم مادي، وكذلك المعنوي، هناك مؤسسات أجنبية مانحة تساهم في دعم المشاريع التنموية في سورية وخارجها، كبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التي ساعدتنا في عملية إطلاق مشروع الشيخ هلال، ولولا دعم الجهات الحكومية ومحافظة "حماة" لما تم إنجاز هذا المشروع، على سبيل المثال.

و"محمد صادق الدبيات" هو من مواليد سلمية في العام 1947 وأب لثلاثة أولاد، خريج جامعة دمشق- قسم الجغرافية في العام 1971- دكتوراه حلقة ثالثة في العام 1980، عمل مدرسا في جامعة "وهران" في الجزائر بين عامي 1980- 1987، ويعمل حاليا مستشاراً في برنامج التنمية الريفية في مؤسسة الآغا خان منذ العام 2003.

• يذكر أن "محمد صادق الدبيات" المترجم: عضو اتحاد الكتاب العرب- جمعية الترجمة، له سبعة كتب أهمها:

رواية "الخيميائي" للكاتب "باولو كويلو" وكتاب "الخوف من الحداثة والإسلام والديمقراطية" للكاتبة "فاطمة المرنيسي"، رواية "رحلة بلداسار" للكاتب "أمين معلوف"، كتاب "مشرق القصور" عن حضارة "أوغاريت" لمصلحة المديرية العامة للآثار، وبعثة أوغاريت.

ومن هواياته: السفر، فقد زار بلداناً كثيرة، وأحب التعرف على كل زاوية من زوايا بلده سورية الإنسان قبل المكان، يستمتع بالطرب الأصيل، والغناء الشعبي.