تعلّم الحرفة بنهمٍ منذ يفاعته فأبدع في النجارة العربية، وسعّيه للتميز مكنّه من تصميم القوس الخشبية بمهارة، وتفرّد بتصميم الخطّ العربي بطريقة التعشيق، حتى أصبح مرجعاً في حرفته ومجتمعه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 14 أيار 2020 التقت النجار "كريم القصير" ليحدثنا عن بداية تعلمه حرفة النجارة قائلاً: «درجت العادة قديماً أن يعلّم الآباء أبناءهم مهنةً أثناء عطلة الصيف بعد انتهاء فصل الدراسة، وصادف أن جاء المنجد "أبو صلاح الحموي" للعمل في بيتنا، فأرسلتني أمي معه لأتعلم تنجيد اللحف، وكان عمري تسع سنوات، لكنّي لم أحبها، حاولت تعلم عدة مصالح لكنني لم أجد نفسي، وفي عام 1970 ذهبت إلى منشرة الحرفيين "سليمان شقرة" و"راتب القصير" لأتعلم النجارة، ووجدت ضالتي في حرفة أرضت فضولي للمعرفة والعمل، وقضيت بعدها كل عطل الصيفية متابعاً لأتعلمها، ولما وصلت لمستوى تعليم الثاني الثانوي طلبت الإذن من والدي لأترك المدرسة وأتفرغ للنجارة، فوالدي رجل يؤمن بالنجاح والإخلاص في العمل، وهكذا بقيت أتدرب عند معلمي وابن عمي "راتب القصير" حتى نهاية 1976، وفي بداية 1977 بدأنا شراكة معاً فقد ابتاع لي والدي آلات لأفتح منشرة وأبدأ العمل، ولكنّي في عام 1979 ذهبت لخدمة العلم التي أنهيتها 1980، وعدت للعمل مع ابن عمي لأستقل عنه عام 2010، لأبدأ طريقاً خاصاً بي، حيث تسلمت اللجنة الحرفية للنجارة في "سلمية"».

قمت بأهم الأعمال العامة للإنشاءات العسكرية عام 1982 و1983، وعملت في "طرطوس" عام 2005، وفي "دمشق" 1995 وبعدة ورشات، وشاركت بعدة معارض مع مؤسسة "الآغا خان" 2017 و2018 و2019 المقام في معرض "الزهور"، وكانت من إنتاج المتدربين وبإشرافي

وعن تصميمه القوس الدائرية الخشبية، والخط العربي يتابع: «في عام 1982 أتى (زبون) يريد تصميم قوسٍ خشبي أو ما ندعوه (الإيزار) فصممتها بكل سهولة، فبواسطة سكين تركّب مع (الرابوب)، نحصل على إيزار مستقيم ينحرف عند الزاوية ليصنع القوس المطلوبة مهما كان طول القطر، والتقنية الحديثة التي باتت لدي اختصرت الوقت وزادت الدقة وكمية الإنتاج، فصناعة هذه القوس كان يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، أما عن الخط العربي فهو متعة التشكيل دون استعمال المطرقة أو مسمار، ويتألف من عدة قطع خشبية متداخلة بطريقة تدعى (التعشيق)، وتستعمل في صناعة الأبواب».

الحرفي راتب القصير

وعن حكاية ولعه بالحرفة وتدريبه في الورشات يتابع، قائلاً: «بدأت حرفة النجارة منذ أربعين عاماً وما زلت أمارسها بعشق ونشاط، وأبحث عن كل ابتكار جديد فيها، مستعيناً بـ (اليوتيوب) أحياناً، فهو وسيلة لتطوير الذات والاطلاع على كل ما هو جديد، وما بعث السعادة في نفسي اكتشافي أني أصنع شكلاً يسمى "البسكويت" منذ عام 1985 وفي "مصر" الآن يصنعونه، ورغم المصاعب والحصار الاقتصادي الذي عانى منه الوطن، ما زلت أثابر على مهنتي رغم انقطاع الكهرباء، وصعوبة تأمين الألواح الخشبية المستوردة متل السنديان أو البلوط، والسوّيد من "السويد"، أو "روسيا" أو "كندا"، في حين أغلق الكثير من النجارين ورشهم.

لم يصعب عليّ أي تصميم يطلبه أي زبون، ولطالما أرضيت جميع الأذواق، وحرصاً مني على استدامة الحرفة علّمت أخي "مهند" الذي نال الجائزة الأولى في "الإمارات" عن أعماله في التصميم، وهو يعمل بها منذ اثنا عشر عاماً أي منذ 1987، وأخي "أمين" علمته منذ 1975 و1976 ويعمل في "طرطوس"، في عام 2017 قمت بدورة تدريب ذاتية مع "الأونروا" مدتها 12 يوماً، بعدها أصبحت مدرباً لصالح مؤسسة "الآغا خان"، ودربت ثلاث ورش في كل منها ثمانية أو تسعة متدربين هواة للحرفة».

باب من الزان صنع الحرفي كريم القصير

وعن نشاطاته الأخرى يتابع: «قمت بأهم الأعمال العامة للإنشاءات العسكرية عام 1982 و1983، وعملت في "طرطوس" عام 2005، وفي "دمشق" 1995 وبعدة ورشات، وشاركت بعدة معارض مع مؤسسة "الآغا خان" 2017 و2018 و2019 المقام في معرض "الزهور"، وكانت من إنتاج المتدربين وبإشرافي».

معلم الحرفة "راتب القصير" تحدث عن علاقته بالحرفي "كريم القصير" قائلاً: «كان في سن الثالثة عشرة عندما أتى لورشتي كي يتعلم النجارة، وبقي عشر سنوات أقمنا فيها عملاً مشتركاً، أمين وملتزم يحب عمله، ويعشق صناعة الموبيليا من غرف نوم ونجارة عربية وديكورات، وقد أبدع فيها وفي الخط العربي، ويكفل إنتاجه وهو نادر في هذا الزمن، حتى أنه صنع لي خزانة للتلفزيون منذ 35 عاماً وما زالت وكأنه البارحة صنعها، كان صانعاً وأصبح معلماً ماهراً، حتى أنني استشيره في أكثر الأمور حتى الآن».

طريقة تصنيع الخط العربي بالخشب

العميد المتقاعد "عبدو شقرة" أحد زبائن الحرفي "كريم القصير" قال عن عمله قائلاً: «معرفتي به بدأت منذ عام 1997 و1998 عندما صمّم لي الأبواب العربية لبيتي في "دمشق" في جمعية "الشرطة"، وفي عام 2005 صمّم لبيتي الأبواب والشبابيك في "سلمية"، وصمّم لبيت ابني في "طرطوس" الأبواب والشبابيك والمطابخ، ولا أستطيع الاستغناء عن حرفي مثله، فهو متميز وأمهر نجار في المنطقة، يحترم عمله ويتقنه ويلتزم بمواعيد التسليم لأعماله، ويكفل بضاعته ويلتزم بالمواصفات الفنية لطلبات الزبائن، لا يعرف الغشّ، ساهم مجاناً بتعليم الحرفة للشباب عن طريق مؤسسة "الآغا خان"».

المتدرب "نديم الصهيوني" يحدثنا عن تجربته في دورة النجارة قائلاً: «أعشق التعامل مع الخشب والنحت والرسم، وعندما سمعت بدورة تدريبية للنجارة عند الحرفي "كريم القصير"، سارعت للالتحاق بها، فقد حققت لي طموحي في التعلّم، إنه ذو أسلوب شيّق ورائع ومحبب للهواة والمتدربين في إيصال المعلومة نظرياً وعملياً، هادئ وحريص على الوقت واستعمال الآلات لأنها خطرة جداً، مع المراقبة ومتابعتنا خطوة بخطوة، وحريص على إتقان كل خطوة، لقد تعلمت المبادئ الأساسية في عمل النجارة والتعاطي مع الآلات وأنواع الخشب، وهذه الحرفة بحر كبير لذلك أستعين باليوتيوب لتعميق معرفتي، كانت الدورة فترة قصيرة ولكن كافية لأتعلق بها وأعشقها ولا أنقطع عن التدريب، كان معلمنا كريماً بإعطاء المعلومات، ولن أستغني عن استشارته حتى لو افتتحت منشرة خاصة بي».

يذكر أنّ الحرفي "كريم القصير" من مواليد "سلمية" عام 1957.