أربعة وأربعون عاماً و"علي تميم عبود" مازال يصنع مكانس القش الطبيعية بمتعة ومهارة، من دون كلل أو ملل في قريته "بري الشرقي"، معتمداً على سمعة جيدة اكتسبها بالخبرة والأمانة، فأبقى مهنته حية على الرغم من تغير الحياة وأدواتها.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 آذار 2019، التقت العامل الحرفي "علي عبود" في قرية "بري الشرقي"، ليتحدث عن تعلمه لهذه المهنة قائلاً: «في 6 أيلول عام 1975، تطوعت للخدمة العسكرية، وكانت "غباغب" التابعة لمحافظة "درعا" مستقراً لي. تزوجت وأنجبت سبعة أولاد، فكان لا بد من البحث عن عمل إضافي لزيادة الدخل كي أستطيع تربية عائلتي الكبيرة وإعالتها، وكانت تنتشر في هذه القرية صناعة المكانس، فتعلمت من أهلها هذه المصلحة، وأدركت أنني قادر على إتقانها».

عملت وحدي، ولم يساعدني أحد، حتى أولادي لم يحبوا هذا العمل، واقتصرت مساعدتهم لي على خياطة المكنسة في إحدى مراحل تحضيرها. أحب عملي هذا، وسأبقى أمارسه ما دمت قادراً عليه على الرغم من قلة الإنتاج والطلب عليه، فهو يغنيني عن حاجة الناس

وعن طريقة صنع المكنسة وأدواته، يتابع: «كنت أشتري أعواد المكانس اليابسة من "كفر سوسة"، وأعود بها إلى البيت، حيث أتركها منقوعة في الماء مدة عشر ساعات حتى تصبح طرية ولينة، ويسهل ثنيها وتشكيلها من جديد. أدوات صناعتها بسيطة، ولا تحتاج إلى رأس مال كبير، وهي عبارة عن مضب للأعواد، وسكين لتشذيبها، ومسلة للخياطة، ومسمار لتثبيت الخيط، وخيوط من النايلون أو القنب أو القطن، و(دواسة)؛ وهي مسند للقدمين موصولة بمقعد خشبي مع سلسلة بحلقات كبيرة، وسلك معدني. وكنت أنتج يومياً من مئة إلى مئتي مكنسة وأبيعها في أسواق "دمشق"، التي تعنى بهذه المنتجات. أما الآن وبعد أن عدت إلى قريتي منذ ستة عشر عاماً، فقد اقتصر عملي على صناعة المكانس من دون أن أتكلف عناء شراء الأعواد لوجودها في أراضي القرية، لكن خلال السنوات السبع الماضية وبسبب الأزمة التي يمر بها وطني قلّ الإنتاج؛ فأصبح لا يتجاوز العشر مكانس، وذلك بسبب قلة المادة الأساسية، وقلة الطلب عليها، وكبر سنّي؛ فلم تعد القوة كما كانت في شبابي، مع العلم أنني أتقاضى الآن أجرة كل مكنسة أصنعها مئتين وخمسين ليرة سورية».

أدوات لصناعة مكنسة قش

ويتابع قائلاً: «عملت وحدي، ولم يساعدني أحد، حتى أولادي لم يحبوا هذا العمل، واقتصرت مساعدتهم لي على خياطة المكنسة في إحدى مراحل تحضيرها. أحب عملي هذا، وسأبقى أمارسه ما دمت قادراً عليه على الرغم من قلة الإنتاج والطلب عليه، فهو يغنيني عن حاجة الناس».

العامل "إسماعيل شحود رحمة"، تحدث عن عمل "عبود" بالقول: «أعرفه منذ أن عاد إلى القرية متقاعداً، يقوم بعدة أعمال، كالزراعة، وقيادة السيارة بالأجرة، وصناعة المكانس بإتقان، وهو الوحيد في القرية الذي يقوم بهذا العمل، عصامي، كريم، ومحبوب من قبل الجميع، يعمل بكدّ وتفانٍ حتى لا يحتاج إلى أحد، وقد أتقن حرفته هذه على الرغم من قلة الطلب عليها في وقتنا الحالي، وحصل على أربعة دونمات من الأرض، حيث بدأ زراعتها بأشجار الزيتون وبعض الخضراوات كنوع من الاكتفاء الذاتي، فهو مثال للعامل المجدّ».

العامل إسماعيل شحود

وتحدث "حسين ديب" جار "عبود" بالقول: «يقيم "علي" مع زوجته وابن له مازال في المرحلة الإعدادية، يحضر له بعض سكان قرية "فريتان" أعواد المكانس، ليقوم بصناعتها بالأجرة لهم، فعمله المتقن جعل هذه الحرفة قابلة للحياة ومستمرة، على الرغم وجود العديد من البدائل المتاحة أمام الناس. وبات في المدة الأخيرة يعمل بها كنوع من الترفيه عن النفس؛ لكون الطلب عليها قلّ بصورة كبيرة. أراقب عمله دائماً، وأشعر بأنه سعيد حين يقوم بما يحب، لذلك أظن أن هذه الحرفة لا تموت».

أما المربية "كميران الجرف"، فتحدثت عن المكانس اليدوية والمكانس الصناعية، قائلة: «إن التطور الصناعي قدم لنا المكنسة الكهربائية التي وفرت الوقت والجهد، وحافظت على جهاز التنفس من الغبار، وصحتنا من أمراض المفاصل. لقد عانت جداتنا من مساوئ المكنسة اليدوية، وهن ينحنين للإمساك بقبضتها القصيرة، فيضطررن للاستناد على الركبة، أو إنهاء العمل بوقت أطول، ورؤوسهن تمتلئ بالغبار، ومع كل المساوئ التي تسببها المكنسة اليدوية، إلا أنني لم أستغنِ عنها، فأستعملها في تنظيف باحة البيت، فلا بد من وجودها في المنازل، لهذا فحرفة صناعة المكانس الطبيعية مستمرة، حيث اكتشفت ربات البيوت أن المكنسة البلاستيكية لا تدوم، ولا تنفع كثيراً في تنظيف الأماكن الوعرة والباحات».

الحرفي علي تميم عبود

يذكر أن "علي عبود" من مواليد "بري الشرقي" عام 1956.