تعد تربية دودة الحرير من الحرف التراثية المستمرة في قرية "دير ماما"، التي تميزت بكمية إنتاجها عالمياً، لملاءمة الطبيعة المناخية، والحياة الاجتماعية التي ازدهرت اقتصادياً بمردودها الجيد.

فقد كان لنمو أشجار التوت في قرية "دير ماما" والطبيعة المناخية الدور الأساسي في تربية دودة الحرير، وهذا بحسب حديث مدرس التاريخ المتقاعد "محمد حسن" من أبناء وسكان القرية، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الأول 2014، حيث قال: «شجرة التوت من أشجار حوض المتوسط، وكان لـ"محمد علي باشا" وابنه "إبراهيم باشا" دور في دخول هذه التربية إلى بلادنا عام 1831؛ أي بعد دخوله "بلاد الشام"، حيث اعتمد عليها لتغذية معامله من جهة، ومن أجل الريعية الاقتصادية والتجارة مع "أوروبا" من جهة أخرى، فانتشرت هذه التربية بشكل كبير من المنطقة الممتدة من "جبل عامل" جنوباً وعبر السلسة الجبلية حتى منطقة "تلكلخ"، إلى منطقة "الدريكيش" شمالاً، واستمرت إلى أن وصلت إلى منطقة "أبو قبيس" بما فيها قريتنا.

بعد نزع الشرانق عن الأغصان توضع في وعاء يحوي ماء على نار الحطب لحل الخيوط، ومن ثم مرحلة تشكيل الخيط المطلوب وثخانته، التي يحددها الحرفي، تجمع الخيوط على دولاب خشبي مصنوع يدوياً، لتكوين ما يعرف بـ"شلة" الحرير، ويكون ملمسه خشناً لأنه خام غير مغلى

وكانت قرية "دير ماما" القرية الأولى عالمياً في كمية إنتاج الشرانق، وكان الإنتاج يقاس مقارنة مع عدد علب البيوض، وفي المرحلة الأولى أي طوال فترة حكم "محمد علي باشا" كان نوع البيوض من النوع العادي، وكان لون الشرانق أصفر، وبعد تلك الفترة تدخلت الدولة لتحسين نوعية الشرانق واستجلبت بيوضاً من "اليابان" و"إيطاليا"، وكانت كمية الإنتاج عالية جداً فاقت مثيلاتها في دول المنشأ».

دودة الحرير

ويتابع: «دخلت تربية دودة الحرير إلى قريتنا بحدود عام 1830، ويمكن إدراك هذا من عمر أشجار التوت الموجودة في القرية، إضافة إلى أنني -من خلال بعض دراساتي التاريخية- شاهدت سجلات تجار الحرير التي تؤكد هذه الفكرة، حيث دخلت إلى القرية من فكرتها التجارية الرائجة، التي شجعت الأهالي للعمل بها، إضافة إلى أن المنطقة ومناخها الرطب الدافئ وجغرافيتها الضيقة التي لم تساعد إلا على زراعة أشجار التوت التي تعيش الدودة على أوراقها متغذية، كلها كانت عوامل مهمة للتربية».

وعن مراحل التربية يقول: «يبدأ احتضان البيوض في السابع عشر من نيسان، حيث توضع في "محمى" وهو عبارة عن غرفة لها درجة حرارة ورطوبة ثابتة، وتوضع ضمن قطعة قماشية على طبقتين، أو على رفوف يتم تجهيزها مسبقاً، وبعد عشرة أيام تقريباً تفقس البيوض لتعطي يرقات صغيرة، وهنا نبدأ تغذيتها بأوراق التوت، وتمر بأربع مراحل تخلع خلالها جلدها ويتغير شكلها، وهذه المراحل هي: "البزرة" وتستمر أسبوعاً، والخضراء وتستمر حوالي خمسة أيام، والنقشة وتستمر حوالي أسبوع، والحمراء وتستمر حوالي ثمانية أيام، وللعلم فإن يرقة الحرير عمياء، ولكنها تتحسس النور بواسطة الأعصاب.

السيد محمد سعود يحل الشرانق

والمرحلة الأخيرة الحمراء؛ تبدأ اليرقة بتخزين مادة السيللوز بكميات كبيرة، فالحرير أساسه السيللوز الطبيعي، ويكون لونه داخل اليرقة مائلاً إلى الأحمر، وهنا تتوقف اليرقة عن تناول أوراق التوت وتطرح جميع الفضلات من جسدها لتصبح شفافة، وتبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة التشرنق، ويكون طولها حوالي ثمانية سنتيمترات، وقطرها حوالي ثمانية ميلمترات.

مرحلة التشرنق تبدأ بخروج خيط حريري من فتحة في الشفة السفلة للفم؛ وهي نهاية قناتين على جانبي الفم والجسد، تلفه حولها حتى استهلاك كامل مادة السيللوز، وتتحول داخل الشرنقة إلى عذراء ثم إلى فراشة كاملة إن تركت تتابع مراحل نموها».

وفي لقاء مع المختار "أحمد حامد عباس" قال: «مكان تربية دودة الحرير وفق الطقوس التراثية القديمة كان داخل المنزل، حيث تخصص مساحة حوالي 4×4 متر منه للتربية، وتقسم المساحة إلى ثلاث أو أربع طبقات، مع المحافظة على ممرات مشاة ضمنها من أجل تمرير الطعام لليرقات، وخلال مرحلة التوقف عن الطعام نقدم لليرقات أغصاناً متشعبة كأغصان "الحيصد" أو السنديان أو الشيح لتترك مكانها وتعشعش عليها وتنسج شرانقها.

وهذه الطبقات أو الرفوف تجهز في البداية بأعواد القصب، وتوضع فوقها أعشاب يابسة نظيفة تماماً أو بعض العلائق القماشية.

بعد مرحلة التشرنق تنقل الأغصان إلى مكان جاف معرض للهواء، وفي الأغلب تكون مساحة أخرى من المنزل، ليتم بعدها فصل الشرانق عن الأغصان، وهنا تباع الشرانق أو تحل إلى خيوط، وهذا يعتمد على الشخص وماذا امتهن من تجارة الشرانق مثلاً: تجارة خيوط الحرير أو حياكة المناديل».

أما السيدة "وحيدة خضور" إحدى مربيات دودة الحرير في قرية "دير ماما" فقد أكدت أن المنازل التراثية القديمة كانت ذات جدران حجرية وطينية، وقد تعايش الأهالي مع هذه التربية ضمن المنازل بشكل طبيعي رائع، وهو ما يعني تقديراً كبيراً لهذ الدودة من قبلهم، وتضيف: «بعد نزع الشرانق عن الأغصان توضع في وعاء يحوي ماء على نار الحطب لحل الخيوط، ومن ثم مرحلة تشكيل الخيط المطلوب وثخانته، التي يحددها الحرفي، تجمع الخيوط على دولاب خشبي مصنوع يدوياً، لتكوين ما يعرف بـ"شلة" الحرير، ويكون ملمسه خشناً لأنه خام غير مغلى».

السيد "محمد سعود" من أبناء وسكان القرية، وأحد العاملين الممتهنين لحياكة الحرير، قال: «اللافت في الأمر أن القرية أصبحت فيما يخص الحرير حلقة متكاملة أو مشغلاً متكاملاً ابتداءً من التربية إلى التصنيع والتجارة، فأنا كحرفي من القرية أنسج وأحل الشرانق على دولاب ونول متوارثين من الأجداد.

وبالعموم تعد هذه الحرفة مصدر دخل جيداً ومردودية اقتصادية رفعت من الحالة الاجتماعية والمادية لأبناء القرية؛ فالعمل فيها لا يزال يدوياً بالكامل».