خربشات بريئة ترسم خطاه نحو التفرّد، حلّق وجمح نحو العالمية ليرفرف عالياً ويقيم أكثر من 200 معرض في أنحاء العالم؛ ليكتب بحروف من نور اسم "سورية" عالياً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان العالمي "حسن محمد ملحم" بتاريخ 27 تشرين الأول 2018، ليتحدث عن تخطيه الواقع وقفزاته الدائمة في مجال الإبداع، فقال: «رسمت الحلم مساحات عشق بروح تضجّ بالبحث الدائم عن خلق الجمال بتلقائية التشكيل بطفولة اللعب بعيداً عن الدراسة الأكاديمية الكلاسيكية، فكانت الحداثة وليدة الإلهام باختيار المشهد البصري وليد لحظة الإبداع بمحاولة للتجريب الدائم وخلق التميز، والحداثة تأتي بعد رؤية ما أنتجه الآخرون من تصوراتهم وقراءاتهم، حيث اللوحة سفيرة الفنان؛ تتجاوز المكان والحدود لتحاور كل لغات العالم، فتنطق عشقاً أو أصالة».

تربّيت على حب الوطن، وسيصدر قريباً ديوان أحاكي فيه وطني وأغازله، إضافة إلى مجموعة تحمل الحب الذي يزهر في قلوبنا كل طلعة شمس، فكنت أزاوج بين اللوحة والقصيدة، فتنطق الكلمات بوحي اللون والريشة

أما عن المخزون الذي يمتلكه من التراث الشعبي وكيف نطقت لوحاته أصالة، فقال: «لطالما كانت "دمشق" معشوقتي ومحبوبتي، فغصت في تفصيل أزقتها وحاراتها وأسواقها بهوس عاشق متيم، فوثقت حاراتها القديمة وأزقتها بشغف المحب بمجموعة كبيرة من أعمالي الفنية وقدمتها من خلال معارضي في الغرب، فلاقت صدى جميلاً في القلوب في كل مكان زرته، ولأنني أعشق البحر انتقلت إلى مدينة "طرطوس" بعد أن فقدت منزلي في "دمشق" بسبب الأحداث، وربما التنقلات الكثيرة مفيدة للفنان، ويستطيع التعبير عن أي مكان يكون فيه وتصبح تجربته أعمق، وكل مكان يعطيه مزيداً من المشاعر لإيصال رسالة جديدة، فرسمت البحر وبعض أحياء "طرطوس" بلوحات كثيرة، وكتبت الشعر للبحر والطبيعة بسبب طبيعتي الرومانسية الحالمة، وهذا بحدّ ذاته يدفع إلى العطاء أكثر وأكثر».

من لوحات الفنان

وعن تجربته الفنية الغنية ومشاركاته الكثيرة في أنحاء العالم، قال: «استطعت خلال وجودي في "أوروبا" إقامة حوالي 210 معارض فنية بمعظم دول العالم، والأهم فيها محاولة إيصال رسالة أن الفنان السوري موجود على الساحة الفنية، ويستطيع أن يقدم الأفضل. الاهتمام في تلك الدول بالفن أكثر، ربما يعود السبب لأنهم في حالة رفاهية، وربما لاختلاف الثقافة الفنية، ومن خلال وجودي في بلدي استطعت أن أنّمي هذه الذائقة الفنية من خلال تقديم أعمال فنية متميزة تجذب المتلقي وتلامس إحساسه بصدق، وأحاول جاهداً أن أقدّم إلى جيل الشباب كل ما أستطيع لدعم الحركة الفنية والثقافية؛ وهو الأحق بكل جهد، وهذا واجبي تجاه بلدي في المرحلة القادمة من بناء الإنسان».

وعن خصوصية اللون الأحمر في لوحاته، قال: «للون الأحمر حكاية لا تنتهي مع أن الدم نقيض الحب، لكن لكل منهما معنى مقدساً؛ إذ هو رسالة واضحة ترمز إلى الحب الصارخ في حياتنا، فما تحمله وردة حمراء من نقل إحساسنا إلى الآخر أكثر وقعاً من مئات الكلمات، والأحمر حين يكون لون الدم، فإنه يحمل في طياته هويتي، وخاصة في ظل ما مرَّ به بلدنا، فكان سبب وجودنا، فهو الدم الذي روى ترابنا وأزهر في قلوبنا؛ دليل محبة وصمود وبقاء.

أزهار

أما المرأة، فهي رمز "سورية"، واسم من أسماء الشمس، هي الأنثى الحالمة، والأمل المتجدد في كل ثنايا قلوبنا وحياتنا، تناولتها بعدة أعمال فنية متنوعة لعدة مدارس، وهي موجودة في معظم أعمالي الفنية؛ لأنها آلهة الحب والجمال والحياة».

أما عن طريقة اختياره للألوان، فقال: «اللون مكوّن أساسي في اللوحة، والموضوع يفرض الألوان التي تناسبه للاكتمال، بالعموم أنا أميل إلى ألوان الطبيعة؛ لأنها تضفي صفاء ونقاء في المشهد المتخيل، وتعكس روح الفنان الداخلية ونظرته إلى الحياة، وأحياناً اللون يكون وسيلة للتحدث عن موضوع اللوحة التشكيلية، فمثلاً اللون الأزرق يتحدث عن السماء والبحر والجرأة، ودلالته الحِدّة والقوة والغموض، وأحياناً يكون اللون غاية للكشف عن مشاعر الشخص الخيّرة أو الشريرة التي تكون مخبأة في عمق الذاكرة، فتظهر مثلاً بتصوير مشهد واقعي كثير المعالم والتفاصيل، فعندما يكنّ الفنان في داخله مشاعر ما تستتر بالكتمان، ويحاول أن يصور مشهداً واقعياً من دون محاولة التغيير في ألوانه الطبيعية، ويعمد إلى التشريح الدقيق في إظهار أجزائه ومعالمه، يكون قد بلغ تلك الغاية، فاللوحة عمل متكامل لا يمكن فصل شكلها الخارجي عن مضمونها وموضوعها الذي نتحدث عنه، وهي في النهاية انعكاس لشخصية رسامها وتجربته الحياتية».

أزهار

وللشعر حصةٌ في إبداعه، وقد أنجز مجموعة شعرية تحاكي الوطن والحبيبة، عنها قال: «تربّيت على حب الوطن، وسيصدر قريباً ديوان أحاكي فيه وطني وأغازله، إضافة إلى مجموعة تحمل الحب الذي يزهر في قلوبنا كل طلعة شمس، فكنت أزاوج بين اللوحة والقصيدة، فتنطق الكلمات بوحي اللون والريشة».

الفنانة التشكيلية "رويدة عبد الحميد" قالت عنه: «"حسن ملحم" فنان كنت أسمع باسمه قبل معرفتي به، وعرفت ألوانه قبل أن أشاهد لوحاته في الواقع، ولفتتني جرأته في اختيار الألوان، ولاحظت أن أغلب أعماله ألوانها حارة إلى درجة حسبت أن جميع لوحاته تقتصر على الألوان النارية، وكوّنت فكرة عن شخصيته من خلال ميوله إلى تلك الألوان، حتى جمعتني به مصادفة وتعرّفت إليه شخصياً في معرض بـ"طرطوس" دعاني إلى حضوره، وكانت أول مرة أشاهد لوحاته عن قرب.

في الحقيقة فوجئت بأن لديه مساحات كبيرة من الألوان الباردة التي تتسم بالهدوء، وعنده جرأة كبيرة في اختيار اللون وطريقة وضعه على سطح اللوحة، ويعرف كيف يشعل اللون البارد ويطفئ اللون الحار، فيخلق بذلك نوعاً من التناغم والانسجام. كذلك يعرف كيف يحافظ على خصوصية اللون وحضوره، فمن ينظر إلى ألوانه يشعر بالبهجة والتفاؤل. لريشته حضور لا يغيب، فكلما نظرت إلى لوحة من لوحاته، تشعر بأن ريشته كانت هنا ورقصت هي واللون حتى ثملت، وما يزال أثرها ينبض فوق سطح اللوحة، فيعطي إيقاعاً بصرياً رائعاً».

يذكر أن "حسن ملحم" من مواليد قرية "حنجور" بمحافظة "حماة" عام 1970، درس الفن التشكيلي في "إسبانيا"، وتتلمذ على أيدي كبار الفنانين الروس، وهو عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية" و"فنزويلا"، وحصل على الجائزة الأولى من مراكز الإبداع الدولي في "إسبانيا"، ومجموعة من شهادات التقدير، وأقام 210 معارض فردية بمعظم دول العالم، من أهمها معرضه عن الانتصار في "دمشق".