كانت اللقطة بالنسبة لها حدثاً استثنائياً، أعطتها من روحها وشغفها وقدراتها ووقتها؛ وهو ما عزّز مساحتها البصرية لتصبح أنصع وأجمل وأقوى، ويبقى الولع والدهشة والجمال حافزاً للسحر.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23 أيلول 2017، تواصلت مع "أسمهان إبراهيم حامد"، فقالت: «لم تكن الظروف في بداياتها تسمح لي بدراسة الاختصاص الذي أحبه؛ فرغبتي بمساعدة أهلي لكوني الأكبر في أسرتي، جعلتني أسلك طريقاً مختصراً للحصول على وارد مالي سريع، ومن هنا كانت دراستي للمعهد الصحي بعد حصولي على الثانوية مباشرةً، وقد غير هذا اتجاهي، لكن بوصلتي بقيت ثابتة على هدفي، ورغبتي بتحقيق أحلامي كانت دافعي في كل عمل أقوم به، وعندما تحسنت الأحوال تابعت دراستي لتحقيق ذاتي، وسجلت في كلية الآداب لدراسة اللغة الإنكليزية، ثم سجلت في معهد خاص ودرست اللغة الإيطالية، وتابعت التركيز على هوايتي في التصوير، فكان أول شيء أهديته لنفسي بدل الفساتين والعطور وأدوات التجميل كاميرا لألتقط اللحظات المبهرة؛ فالعدسة كانت دائماً لي مجسي لترددات الروح وشغفي الدائم، حيث كنت أدرك أن اللقطة هي الإثبات الواعي للدهشة».

علاقتي مع الكاميرا علاقة فلسفية، وأعدّها انتصاراً على الزمن لتخليد لحظة ما مع أنها انتصار دونكيشوتي، حيث يمكن من خلالها فتح الممر لبوابة الذاكرة وإزالة ستارة الماضي، وإعادة أدق اللحظات بتفاصيلها الخفية والمدهشة، وأرى أن فكرة اللقطة تخضع لمتطلبات ذهنية خاصة، ولا تأتي إلا بوحي محدد؛ فهي نتاج لفكرة مميزة تلمع في الذهن لتكوّن منحى خاصاً بالفنان

أما عن تطور شغفها بالتصوير، فقالت: «أنا لست شاعرة ولا كاتبة، أنا أنتقي ضوئي الخاص ليصبح صورتي، وأحكي عبر اللقطة ألف كلمة وكلمة، لكن كل صورة تحمل طابعها الخاص وروايتها؛ لذا لا أجيد مفاضلة الصور، لكنني انتقائية جداً نتيجة قراءتي الشغفة لـ"ممدوح عدوان"، و"عبد الرحمن منيف"، و"سعد الله ونوس"، حيث باتت التفاصيل الدقيقة للرواية أكثر من مهمة، وسببت لي نوعاً من الدقة الحادة لم أعد أقبل بصورة عشوائية، ثم أصبحت من متابعي المجلات السينمائية، وقد مثلت قراءتي في هذا المجال حدثاً واعياً من حيث صقل الفكر وتوجهاً نخبوياً أثر فيّ، فرحت أصطفي الأفلام وأهتم بالمخرجين، وكانت القناة السورية الثانية مصدر علم ومعرفة لي مكنتني من الحصول على ذاكرة تصويرية غنية ساهمت بتكوين حالة ذهنية واعية لما أنشده، فأصبحت أشاهد الكثير من الأفلام لهدف واحد؛ وهو تعلم كيفية التقاط الصورة، وبت أهتم بأدق التفاصيل، كاتجاه الضوء، وزاوية العدسة، وجهة اللقطة، وتابعت الكثير من البرامج السينمائية كـ"الفن السابع"، و"سينما سينما"، وغيرهما».

شغف بتفاصيل الضوء

أما عن الاهتمام بفن اللقطة، فقالت: «علاقتي مع الكاميرا علاقة فلسفية، وأعدّها انتصاراً على الزمن لتخليد لحظة ما مع أنها انتصار دونكيشوتي، حيث يمكن من خلالها فتح الممر لبوابة الذاكرة وإزالة ستارة الماضي، وإعادة أدق اللحظات بتفاصيلها الخفية والمدهشة، وأرى أن فكرة اللقطة تخضع لمتطلبات ذهنية خاصة، ولا تأتي إلا بوحي محدد؛ فهي نتاج لفكرة مميزة تلمع في الذهن لتكوّن منحى خاصاً بالفنان».

وأضافت: «الكاميرا رفيقتي، والصورة بالنسبة لي ليست بريئة وغير متحيزة، وإنما هي طريقة للبوح وإرسال رسالة ووثيقة لحدث ما، حيث إن كل لقطة هي قصيدة بجمال تفاصيلها، وإغواء وحنين وبطاقة تعريف، حيث يحمل الكون تفاصيل بسيطة ومتشابكة استثنائية تعطي جمالية منبثقة من أدق الخطوط، وأعدّ الصورة طريقة للاشتباك مع هذا الكون البديع وخصوصاً التفاصيل الخارجة عن اهتمام الناس بوجه عام، وقد مثلت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لعرض أعمالي ريثما أبدأ العمل لافتتاح معرضي الخاص».

بصمة روح

كما تواصلت مدونة وطن مع الشاعر والنحات "أحمد اسكندر سليمان"، الذي حدثنا عن عمل "أسمهان" بالقول: «قبل ثلاث سنوات، وتحديداً قبل أن أشكّل مجموعة "الأيقونات السورية"، لم أكن أعرف شيئاً عن المصوّرة الفوتوغرافية "أسمهان حامد"، لكن الأيقونات السورية كصفحة ترصد الحركة الثقافية السورية، ومنها الشعر والفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي، ونظراً إلى قدرة التصوير التوثيقية العالية وحساسية بعض المصورين التي تتجاوز أحياناً مهارة الشاعر وقدرة التشكيلي على صياغة لوحته، خاصةً حين تكون تلك الصور قادرة على إزاحة المفهوم المتداول والمعنى الراسخ المعتاد، الذي يمكن أن يكون معرقلاً للصيرورة ونموها، فالحساسية العالية والمهارة في الحوار مع الزمن والضوء الذي تتمتع به "أسمهان"، وقدرتها الهائلة على بناء لحظة التصوير، يجعلها قادرة على تجسيد رؤيتها وحساسيتها ونشوة لحظتها، والمتابع لأعمالها على صفحتها سيتمكن بالتأكيد من اختيار مجموعة كبيرة من الصور العالية الدقة والحساسية والجديرة بمعرض يحمل بصمتها الخاصة».

وأضاف: «وقد وجدت في البراري السورية وبوجه خاص في الساحل السوري مادة غنية للتصوير من حيث الظروف المناخية والإضاءة المتبدلة التي تعطي انطباعاً باستقلالية الكائن وجماليته في لحظة برعمته، أو تلقيه للضوء من خلال قطرة ندى على تويج ستتبخر عنه بعد قليل، وهي تظهر حساسية التقاطها ومهارتها في إبراز شغفها بالتصوير الذي يجعل من الصورة كائناً حياً قادراً على الحوار مع المتلقي، كما أنها لم تلجأ إلى إمكانات البرامج الجديدة لإعادة تشكيل الصورة، بل تبقي على مادتها الخام كما هي في الطبيعة دافئة وحانية ورقيقة أو قاسية وتشكل الوجود ذاته، ولا تنخرط باللحظة التاريخية للحدث، وإن تمسه بطريقة غير مباشرة بقدرتها العالية على التطهير والتصفية من قسوة الأحداث، حيث ترتقي بعض تلك الصور إلى الشعر حقاً».

أحمد اسكندر سليمان

الجدير بالذكر، أن الفوتوغرافية "أسمهان حامد" من مواليد قرية "عين البيضا" ناحية "وادي العيون"، عام 1972، وهي خريجة جامعة "حلب" كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية عام 2000.